زيادة مقلقة في معدلات الطلاق في قطر ومجلس الشورى يتدخل

20 مايو 2024
المبالغة في تكلفة الزواج من بين أسباب الطلاق (نوشاد ثيكايل/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- ارتفاع معدلات الطلاق في قطر يثير قلق المجتمع، مما دفع مجلس الشورى لتشكيل لجنة خاصة لدراسة الظاهرة وتقديم توصيات للحكومة، مع التأكيد على نقص الإحصائيات الدقيقة وتنوع أسباب الطلاق.
- من التوصيات المقدمة للحكومة: تخفيف ساعات عمل المتزوجات، إدراج مواد تعليمية عن أهمية الأسرة، وزيادة الوعي عبر وسائل الإعلام والخطب الدينية، بالإضافة إلى توفير قاعدة بيانات دقيقة حول نسب الطلاق.
- الإحصائيات تشير إلى ارتفاع نسب الطلاق خاصة في السنة الأولى من الزواج، مع تأكيد الخبراء على أهمية التوافق النفسي والفهم العميق لطبيعة الشريك، وضرورة تكثيف الرسائل التوعوية وعقد دورات تأهيلية للمقبلين على الزواج.

يشكّل ارتفاع معدلات الطلاق في قطر ظاهرة تقلق المجتمع، ما دفع مجلس الشورى "البرلمان" إلى تشكيل لجنة لدراسة المشكلة، وتقديم اقتراح إلى الحكومة تضمن عدداً من التوصيات التي من شأنها أن تسهم في الحد من الطلاق الذي يؤثر على تماسك الأسرة واستقرارها.
وأظهرت لجنة الدراسة البرلمانية عدم وجود إحصائيات دقيقة لنسب الطلاق، ووجود تضارب في تلك النسب بين جهة وأخرى، إلى جانب عدم توحيد الجهود من قبل الجهات ذات العلاقة، وعدم وجود جهة تشرف على التنسيق، وخلص تقرير اللجنة إلى تنوع أسباب ارتفاع معدلات الطلاق، وأن منها ما يتعلق بأسباب اجتماعية، واقتصادية، وسلوكية، وأخرى تتعلق بالوعي والثقافة الأسرية والسلوك الفردي، كما شملت الأسباب عدم إعطاء الوقت الكافي للجهات المعنية للإصلاح بين الزوجين، إضافة إلى سرعة إجراءات الفصل في قضايا الطلاق.
وأشار مقترح مجلس الشورى إلى ضرورة تخفيف ساعات عمل الموظفة المتزوجة على نحو يدعم التوازن بين العمل والأسرة، وتضمين المناهج التعليمية مواد تتعلق بأهمية الأسرة، وزيادة الوعي عبر وسائل الإعلام والدروس والخطب الدينية، إضافة إلى توفير قاعدة بيانات دقيقة تبين نسب ومعدلات الطلاق.
ورصدت اللجنة خلال أربعة أشهر من عملها بعض النقاط الأساسية لأسباب الظاهرة، من بينها ثقافة الإسراف الشائعة في المجتمع، إذ إن البذخ في كلفة المناسبات ينجم عنه العزوف عن الزواج، وارتفاع نسب الطلاق وانتشار العنوسة، وامتد الإسراف في نفقات الزواج من الأسر الثرية ليشمل الأسر متوسطة الدخل، الأمر الذي ترتبت عليه مديونيات مالية على الزوج، إذ تتراوح كلفة عرس الرجال بين 100 إلى 160 ألف ريال (الدولار= 3.64 ريالات)، وتتجاوز كلفة زفاف النساء المليون ريال أحياناً.

البذخ المجتمعي ينجم عنه عزوف عن الزواج وارتفاع نسب الطلاق

وتشير إحصائيات جهاز التخطيط والإحصاء القطري إلى ارتفاع معدلات طلاق القطريين والقطريات خلال السنوات الأخيرة من 10.1 لكل 1000 رجل في عام 2013، إلى 13.1 في عام 2022، ومن 8.5 لكل 1000 سيدة إلى 10.9 في 2022، وبلغت نسب الطلاق بين القطريين خلال السنة الأولى من الزواج 42 في المائة، وترتفع النسبة إلى 58 في المائة خلال السنوات الأربع الأولى.
وكشف المعدل السنوي لإحصاءات الطلاق في دول مجلس التعاون الخليجي عن حلول قطر في المرتبة الثانية خليجياً بنسبة 40.2 في المائة بعد الكويت التي تصدرت القائمة بنسبة 49.7 في المائة. واهتمت اللجنة الدائمة للسكان في قطر بمسألة الطلاق، فضمنتها في برنامج عمل السياسة السكانية الثالثة لدولة قطر (2023 /2027).
تقول المتخصصة في مجال الإرشاد والعلاج النفسي، موزة المالكي، لـ"العربي الجديد"، إن "أهم أسباب ارتفاع معدلات الطلاق في قطر هو عدم التوافق النفسي، وبالتالي هناك ضرورة لإطالة فترة التعارف قبل الزواج لترك مجال فسيح كي يتعرف الشخصان إلى بعضهما من كل الجوانب الشخصية والثقافية والمعرفية والبيئية والنفسية، وقد يكون من المناسب أن يتحدثا معاً عن توقعاتهما حتى لا يصطدما في بداية الطريق، وأن تكون المصارحة رائدهما في حياتهما الزوجية، فذلك يقلل من الصدمات الزوجية عند حدوث أمور غير متوقعة. الإغراق في الأحلام الوردية لا ينفع، بل كثيراً ما يضر، وعلى الزوجين تهيئة نفسيهما لعدم تحقق ما يتوقعانه من الحياة الزوجية لتقبل ما يحدث بأريحية".

ثقافة الحوار بين الزوجين ضرورية (جيوفاني ميرغيتي/Getty)
ثقافة الحوار بين الزوجين ضرورية (جيوفاني ميرغيتي/Getty)

وترى المالكي أن "غياب التفاهم، وعدم الإلمام الكافي بطبيعة شريك الحياة، واختلاف البيئات والثقافات وأسلوب الحياة، وغياب ثقافة الحوار والقواسم المشتركة، كل ذلك يؤدي إلى عدم التوافق، ومن ثم إلى الانفصال، فالبيئة المنزلية التي تربى فيها أحد الشريكين قد تؤدي إلى غياب اهتمامه بالمنزل، وقلة الوعي بطبيعة الحياة الزوجية، والمسؤوليات والواجبات، وانعدام الترابط الأسري، وغياب التفاهم، أو غياب ثقافة الحوار، والاستعجال في اتخاذ القرارات".
وترى الباحثة المتخصصة في الاستدامة، ميرفت إبراهيم، أن ارتفاع معدلات الطلاق في قطر يدق ناقوس خطر، وينذر بانهيار مجتمعي إذا لم يواجه بعمل رسمي ومجتمعي منظم وفاعل، مطالبة بتكثيف الرسائل التوعوية علي مستويات متعددة، وعقد دورات تأهيل إلزامية للمقبلين على الزواج، وإدماج المفاهيم الأُسرية في المناهج الدراسية.
وتشير الباحثة إلى وجود عوامل كثيرة وراء ارتفاع نسب الطلاق، مثل الزام الشباب بالزواج من نفس العائلة، قائلة: "رغم خطورة ذلك صحياً ووراثياً علي النسل، إلا أن هذا عرف متوارث"، ولفتت إلى أن "ارتفاع نسبة المتعلمات والعاملات من النساء يؤخر سن الزواج، ويزيد أيضاً من حالات الطلاق، إلى جانب الآثار السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي، والتي تنشر قيماً غريبة تهدم منظومة القيم العربية الأصيلة، وتساهم في تفكيك نسيج الأسرة".
وفي السياق، أطلقت وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة القطرية، في منتصف 2023، برنامج "وتد" التثقيفي، للحد من تداعيات ظاهرة الطلاق وتفاقمها، ويعمل البرنامج على توفير خبراء في المشاكل الأسرية للمساعدة في حلها. وخصصت هذه الخدمة لعلاج الخلل في العلاقات الأسرية الذي يؤدي إلى زيادة الطلاق خلال السنوات الأخيرة، وأكدت الوزارة أن التواصل مع الفريق يتميز بالسرية التامة، ويمكن التواصل معهم بالحضور الفعلي، أو من خلال التواصل الإلكتروني.

يتأثر الأطفال دائماً بانفصال الأبوين (نادين روب/Getty)
يتأثر الأطفال دائماً بانفصال الأبوين (نادين روب/Getty)

يقول القطري محسن جاسم، لـ"العربي الجديد"، إن "أبرز أسباب ارتفاع معدلات الطلاق في قطر يعود إلى تسرع الأهل في تزويج أبنائهم وبناتهم، فجلّ الأهل يقدمون على تزويج الأبناء بمجرد الحصول على الثانوية العامة، لينتقل الشاب والفتاة للعيش في بيت الزوجية في عمر مبكر بينما يفتقدان الوعي المطلوب لبناء الأسرة، وغالباً ما تكون الزوجة لا تتقن الأعمال المنزلية، فتبدأ شرارة الخلافات التي كثيراً ما تنتهي بالطلاق داخل أروقة المحاكم، كما أن تدخل الأهل في حياة أبنائهم يزيد الطين بلة، ويؤدي إلى أبغض الحلال".
وحول دور المراكز والمؤسسات التي تعنى بالأسرة، يرى جاسم أن "معظم هذه المراكز لا تؤدي دورها المطلوب بالوصول إلى الشريحة المستهدفة من الشباب المقبلين على الزواج من الجنسين، ولا حتى إلى المتزوجين حديثاً. ويجب عليها أن تصل إلى هؤلاء بطرق التكنولوجيا الحديثة، مثل مواقع التواصل الاجتماعي، بمعنى أن تصل إلى الشباب في بيوتهم ومواقع عملهم، لا أن يذهب الشباب إلى هذه المراكز لحضور ندوة أو دورة توعوية في الحياة الزوجية، ويمكن أن تدشن هذه المراكز تطبيقات إلكترونية تقدم ما يلزم الشباب".
وحول انعكاس الطلاق على الأطفال، تقول الاستشارية النفسية، موزة المالكي: "تختلف درجة تأثر الطفل بطلاق والديه حسب طبيعته ونضجه اعتماداً على عمره، وعلى طريقة انفصال الوالدين، سواء بهدوء، أو بمشاكل وضجيج، إضافة إلى دورهما في زيادة تقبله لهذا القرار"، لافتة إلى أن "الأطفال يواجهون صعوبة في السيطرة على مشاعرهم الخاصة بتقبل قرار الانفصال، فيتأثرون به نفسياً وعاطفياً، وتزداد فرص إصابتهم بمشاكل نفسية، والتي قد تحتاج إلى تدخل طبي حتى لا تؤدي إلى أضرار أكبر".

وتضيف: "يشعر غالبية الأطفال بالحزن والأسى وعدم التكيف عند انفصال الوالدين، وتختلف هذه المشاعر بحسب فهم الطفل للأمر، فقد يظن الصغار أنهم سبب الانفصال، ويشعرون بالألم والذنب، أما الأطفال الأكبر سناً فتختلف ردود أفعالهم، إذ يشعر بعضهم بالقلق أو الاكتئاب، أو كره الأسرة، وتنتاب بعضهم مشاعر الإجهاد النفسي بسبب التفكير المتكرر في أسباب انفصال الوالدين، وقد يظن الأطفال أن والديهما سيتوقفان عن حبهم، كما سبق وتوقفا عن حب بعضهما، ما يؤثر على مشاعرهم، ويزيد من شعورهم بالإحباط أو الخوف أو التوتر، وقد تضعف القدرة على الاتصال لدى الطفل، ويظهر ذلك من خلال عجزه عن التفاعل مع والديه، وكذلك مع المحيطين به".
وحول إجراءات الطلاق، يقول مأذون شرعي، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "المأذون ليس له دور في الطلاق، ويقتصر دوره على الزواج، والراغب في الطلاق يتوجه إلى محكمة الأسرة، ويحيل قاضي التوثيق الملف إلى مكتب التصالح الأسري قبل أن يتخذ قراره بالطلاق".
وأحدث مجلس القضاء الأعلى في قطر في عام 2000، مكتب التصالح الأسري ككيان استشاري تابع لمحكمة الأسرة، وهو يعنى بتقديم الاستشارات للراغبين في الطلاق، ويمنحهم 21 يوماً مهلة للتصالح، ويتدخل المكتب عبر استدعاء الطرفين وتقديم الاستشارة اللازمة لهما من أجل الصلح، وفي حال التعذر يجري إثبات الطلاق.

المساهمون