زواج القاصرات في العراق بين العوز المالي وقلة الوعي

09 نوفمبر 2021
من حق الصغار أن يتمتعوا بطفولتهم كاملة (Getty)
+ الخط -

فتحت شكوى تقدّمت بها سيدة عراقية بشأن تزويج ابنتها البالغة من العمر 12 عاماً من طرف والدها ومطالبتها السلطات بالتدخل، الباب مرة أخرى أمام ظاهرة تزويج القاصرات في المجتمع العراقي والتي امتدت هذه المرة لتشمل المدن بعدما كانت شائعة داخل الأرياف والقرى والمدن النائية.

وظهرت سيدة على مواقع التواصل الاجتماعي تستنجد بالناس لإنقاذ ابنتها البالغة من العمر 12 عاما من والدها الذي قرر تزويجها لشقيق زوجته الثانية بعقد زواج عرفي وغير قانوني، وهو ما أثار موجة تفاعل واسعة دفعت بناشطين إلى تنظيم حملة للضغط على السلطات من أجل التحرك.

لكن بياناً لمديرية الشرطة المجتمعية ضمن وزارة الداخلية قال إنّ "الشرطة المجتمعية توصلت إلى حقيقة مقطع فيديو لامرأة قالت فيه إن طليقها ووالد ابنتها البالغة من العمر 12 عاما قام بتزويجها بالإكراه خارج المحكمة ودون رضاها".

وأضاف البيان أنه "تم تشكيل فريق عمل للوقوف على حقيقة ما ورد في الفيديو، وتم اللقاء بالفتاة ووالدها وزوجها وشقيقها، وأكدت أن الزواج قد تم برضاها، وهي سعيدة به".

وتحدث البيان عن إطلاع الشرطة على "العقد الشرعي"، الذي تم بموجبه زواج الفتاة القاصر، وأضاف أن "الشرع والقانون يجيزان زواج القاصر بوكالة ولي أمرها".

وحمل بيان وزارة الداخلية ما اعتبره قانونيون مغالطات كثيرة حيال الموضوع بحديثه عن زواج القاصر برضاها وسعادتها مع زوجها، إذ إن القانون العراقي لا يجيز الزواج قبل سن الخامسة عشرة أصلا، ويوجب ما فوق هذه السن قناعة القاضي وموافقة كلا الوالدين والفتاة.

ووفقا لأرقام وزارة العدل العراقية ببغداد، فإنّ غالبية زيجات القاصرات تتم خارج المحكمة ضمن ما يعرف بـ"عقد العرب"، بمعنى عقد نكاح يجري خارج المحكمة على يد مأذون، وهو بالعادة شيخ جامع أو رجل دين في القرية أو المنطقة.

وتفاقمت حالات تزويج القاصرات وفقا لمصادر داخل الوزارة ذاتها إلى نحو 50 بالمائة عما كانت عليه عام 2011، ما نجم عنه ارتفاع حالات الطلاق وكذلك العنف الأسري وزيادة معدلات الانتحار.

ووصف مسؤول في الوزارة، متحدثا لـ"العربي الجديد"، ارتفاع معدلات زواج القاصرات داخل المجتمع العراقي بأنها مخجلة، مؤكدا أن هناك "حاجة لتظافر الجهود مع وزارات ومنظمات مجتمع مدني للتوعية بشأن خطورة هذه الظاهرة، خاصة للزيجات التي تتم بدوافع اقتصادية أو بدون رضا الفتاة أو إقناعها بواقع مغاير لحقيقة الزواج ومسؤوليته".
وعقب البيان شنّ ناشطون انتقادات واسعة على وزارة الداخلية، معتبرين أن تصرفها غير قانوني، بعد مزاعمها أن الزواج تم برضا والدها، متسائلين عن الفتاة نفسها وموقفها.

الباحثة الاجتماعية زهراء السعدي، تؤكد أن "حالات الطلاق وزيادتها لم تأت من فراغ، بل هناك أسباب عشائرية واجتماعية واقتصادية دفعت باتجاه زيادة تزويج القاصرات، حيث إنّ الحالة المعيشية الصعبة وزيادة البطالة لرب الأسرة تدفعه لتزويج بناته القاصرات مقابل مبالغ مالية معينة، وهذا أدى إلى التفكك الأسري وزيادة حالات الطلاق بشكل مبكر".

وتضيف السعدي، متحدثة لـ"العربي الجديد"، أن النزعة العشائرية كانت السبب وراء هذه الزيادة، حيث إن بعض المدن العراقية شهدت ارتفاعا كبيرا في تزويج القاصرات من خلال ما يعرف بالهبات أو الفصل العشائري وبالتالي غياب الرقابة القضائية وعدم تدخلها أسفر عن زيادة ملحوظة بأعداد تزويج القاصرات".

بدوره، يعتبر الخبير القانوني علي التميمي أن "الفقرة الأولى من قانون الأحوال الشخصية العراقي تحدّد الزواج بأهلية الطرفين والأهلية تشترط أن يكون عمر المتقدم للزواج 18عاماً وأكثر، وهناك استثناءات في حال تأكدت المحكمة من أن المتقدم للزواج بعمر 15 عاماً قادر جسدياً ونفسياً، فيمكن تسجيل زيجته رسمياً بموافقة الأب، أما شروط الزواج في المادة السابعة من قانون الأحوال الشخصية فهي تمام الأهلية والعقل والبلوغ والرضا بين الطرفين".

قضايا وناس
التحديثات الحية

 ويضع القانون عقوبات بحق من يزوّج من هم بعمر أقل من 15 عاماً خارج المحكمة، وهذه العقوبات تراوح بين الحبس لستة أشهر أو الغرامة المالية ومقدارها ما بين 200 ألف ومليون دينار عراقي (حوالي 600 دولار أميركي)، وهو ما يعتبره علي التميمي غير كافٍ لردع العائلات عن تزويج أبنائها وبناتها قبل بلوغهم السن القانوني، كما أن حقوق الفتاة تضيع إذا تطلقت قبل بلوغها السن القانوني، وفق قوله.

أبو مؤيد، وهو أحد الذين أقدموا عل تزويج بناتهم القاصرات، وقد زوج إحدى بناته بعمر 15عاما، فيتحدث عن تجربته التي يبررها بالعوز المالي ويصفها بأنها "خطأ فادح". ويضيف "عانت ابنتي من مشاكل صحية ونفسية قاهرة أدت في نهاية المطاف إلى طلاقها بعد زواجها بسنتين، وأنا نادم جدا على ما سببته لها من أذى".

ويقول أبو مؤيد، لـ"العربي الجديد"، مستدركا "أحمد الله أنها لم تنجب وإلا لكانت الفاجعة مضاعفة، وأنصح الأهل مهما كانت ظروفهم بألا يقدموا على هذه الخطوات التي ستنعكس سلبا على حياة بناتهم، وخصوصا أننا نعاني من أزمة اجتماعية واقتصادية ضربت أغلب طبقات المجتمع العراقي ولا سيما في المحافظات الفقيرة"، حسب تعبيره.

 

 

المساهمون