عانت المرأة السورية خلال سنوات الحرب كبقية فئات المجتمع الأخرى. وبسبب طول سنوات الحرب وفقدان كثيرات الأب والزوج والأخ والمعيل، اضطر بعضهن إلى ممارسة أعمال كانت حكراً على الرجال لإعالة أسرهن. دعاء محمد (25 عاماً) شريكة في مركز صيانة هواتف محمولة يحمل اسم "فلور تك" في مدينة إدلب في شمال سورية. وتقول لـ "العربي الجديد" إنها اختارت هذه المهنة لأسباب أولها أن شاشة هاتفها تعطلت، ولم ترد أن يصلحها أحد بسبب الخصوصية. وعرفت عن دورة في صيانة الهواتف الخلوية كان قد أعلن عنها مركز "بارقة أمل"، فسجّلت اسمها وتمّ قبولها. تضيف أن معظم من يعمل في هذه المهنة رجال، الأمر الذي يحرم الكثير من النساء من الحفاظ على خصوصيتهن، لافتة إلى أن جود مركز تديره نساء يساهم في الحفاظ على الخصوصية ويجعل عملية التواصل في ما بينهن أسهل والحفاظ على الخصوصية مضمونا. وتشير إلى أن مدينة إدلب تفتقد مراكز الصيانة التي تديرها نساء، الأمر الذي دفعها وصديقاتها إلى المضي قدماً في هذا المجال. وتلفت إلى أن المركز يشهد إقبالاً كبيراً من النساء المقيمات في المدينة الأمر الذي يعود لسببين: الأول هو الثقة بالمشرفات الأربع على المركز، والثاني هو الحرفية التي تتمتع بها تلك المشرفات.
وعن مدى تمسّكها بهذه المهنة، تقول إنها مستمتعة بهذا العمل ولا تفكر بتركه، وبات الدوام في المركز يملأ وقتها بعدما خسرت دراستها في قسم إدارة الأعمال بسبب الحرب، مؤكدة أنها لا تكتفي بما تعلّمته في الدورة وما زالت تسعى إلى تطوير معارفها التي حصلت عليها، وخصوصاً أن فرص العمل قليلة جداً في الشمال السوري، وترك المهنة أو عدم إتقانها بشكل جيد سيكون سبباً لخسارتها.
وتوضح أن العمل الجديد أمّن لها دخلاً جيداً ومنحها استقلالية تامة، مشيرة إلى أن كثيرات يلجأن إلى المركز لصيانة هواتفهن بسبب عدم قدرتهن على شراء هواتف جديدة. وتقول إن أبرز الصعوبات التي تواجهها هي عدم توفّر قطع بديلة في أسواق إدلب، مؤكدة أن نظرة المجتمع ما زالت مختلفة حيال النساء العاملات في هذا المجال. لكن هذا العائق لم يقف في وجه مشرفات المركز، وهناك زميلات لها يعملن كي يساعدن أزواجهن في توفير حاجيات المنزل، وخصوصاً في ظروف الحرب التي فرضت واقعاً جديداً وصعوبات على جميع السوريين وخصوصاً النساء.
وترى محمد أن من الضروري أن تدخل النساء سوق العمل وخصوصاً في المناطق التي شهدت حروباً ونزاعات، لأن المجتمع يحتاج عشرات السنين ليتعافى. وإذا لم تنهض المرأة بنفسها فستبقى منسية. وترى أن إقدام النساء على العمل ومساعدة أزواجهن في تأمين مستلزمات المنزل وتربية الأطفال لهو أمر ضروري، كما أن النساء في المنطقة معنيات بالتعليم لأن الحرب أثّرت أيضاً على التلاميذ وأبعدت كثيرين عن مقاعد الدراسة.
وأكدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير صدر مؤخراً أن أنماطاً عدة من الانتهاكات ارتكبت بحق المرأة السورية، وتحدّث عن تعرض بعض النساء اللواتي انخرطن في الشأن العام، وعملنَ في الأنشطة السياسية والإعلامية والإغاثية إلى السخرية على أساس الجنس، والتضييق لدفعهن إلى التخلي عن عملهن. كما أشار إلى أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية القاسية أجبرت الكثير من النساء على العمل في مجالات عمل وبيئة غير مناسبة، حيث تعرضن للكثير من المضايقات والتمييز على أساس الجنس، بالإضافة إلى تقييد حرية الحركة واللباس.
ولاحظ التقرير أن قوى النزاع السوري ارتكبت العديد من الانتهاكات الفظيعة بحق المرأة السورية، بلغ بعضها مستوى الجرائم ضد الإنسانية، ويعدّ النظام السوري المرتكب الأكبر لتلك الانتهاكات، والمسؤول الرئيسي عنها باعتباره الجهة المسيطرة على نظام الحكم. وأشار إلى مقتل ما لا يقل عن 16104 سيدات على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سورية، كانت 11923 منهن على يد قوات النظام السوري، و969 على يد القوات الروسية، و587 على يد تنظيم "داعش" الإرهابي، و77 على يد هيئة تحرير الشام، و878 على يد قوات الجيش الوطني (فصائل المعارضة المسلحة)، و161 على يد "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، و658 على يد قوات التحالف الدولي، و851 على يد جهات أخرى لم يسمّها. وأكّد أن ما لا يقل عن 9264 سيدة ما زلن قيد الاعتقال أو الإخفاء القسري، 8029 لدى قوات النظام السوري، و255 لدى "داعش"، و43 هيئة تحرير الشام، و761 لدى فصائل المعارضة المسلحة، و176 لدى قسد.