يستخدم معظم الموظفين والعمال والطلاب في مناطق سيطرة النظام السوري الدراجات النارية وسيارات البيك آب وسائلَ للانتقال إلى أماكن العمل والمدارس من أجل تجنب أزمة المواصلات الخانقة التي نتجت عن تخفيض مخصصات المازوت الممنوحة لمالكي وسائل النقل العامة.
وشكلت هذه الأزمة مصدر رزق لعدد لا بأس به من مالكي سيارات البيك آب تحديداً الذين حددوا أجورهم ضمن مدينة دمشق بين 2000 ليرة سورية (13 سنتاً)، و8000 ليرة (55 سنتاً)، للشخص الواحد، بحسب المسافة. يقول وليد المحمد، وهو موظف يسكن في منطقة ركن الدين، لـ"العربي الجديد": "منذ بداية أزمة النقل قبل نحو شهر تعاقدت مع 13 موظفاً آخرين مع جار لنا في الحي يملك سيارة بيك آب من طراز هيونداي كي ينقلنا يومياً إلى مدينة دمشق من أجل الالتحاق بوظائفنا والعودة إلى منازلنا بمبلغ 110 آلاف ليرة يومياً (7.5 دولارات)، أي 8000 ليرة (55 سنتاً)، عن الراكب الواحد ذهاباً وإياباً، ويوضح أن كلفة النقل الشهرية للموظف في هذه الحالة تناهز 200 ألف ليرة (13.55 دولاراً)، تساوي نحو نصف راتبي الشهري، ويقول: "أنا مجبر على فعل ذلك بسبب بعد المسافة، وآمل في أن تحلّ الأزمة قريباً وتعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل أشهر".
ويقول ماهر الخير الله، الذي يسكن في منطقة النشابية بريف دمشق، لـ"العربي الجديد: "حلّت سيارات البيك آب أزمة النقل للأهالي والطلاب والموظفين، لكن أجرة النقل تعتبر مرتفعة قياساً بالرواتب والأجور، ما يجعل المواطنين يواجهون مشكلة أخرى". يتابع: "تصل أجرة النقل إلى قريتي بسيارة بيك آب إلى ستة آلاف ليرة (40 سنتاً)، للشخص الواحد. ويطلب السائقون في ساعات متقدمة من الظهيرة والمساء أجوراً أعلى مستغلين حاجة المواطنين إلى وسيلة نقل إلى مناطق سكنهم. ويطلب بعضهم في المساء عشرة آلاف ليرة (67 سنتاً)، لنقل الركاب الذين لا يصبرون على الانتظار. وفي محافظة السويداء لم يشكل تخفيض مخصصات النقل أزمة حديثة العهد مثل دمشق، بل فاقم أزمة موجودة منذ أكثر من عام بعد إحجام الكثير من السائقين عن العمل أكثر من نقلة أو نقلتين يومياً بحجة عدم كفاية مخصصاتهم من المحروقات، رغم أن معظمهم يبيعون فائضاً من المخصصات في السوق الموازية، وذلك بعلم من مديري الكراجات ورؤسائها الذين يغضون النظر عن ذلك مقابل حصص معلومة.
ووجد أهالي الأرياف في محافظة السويداء أن لا جدوى من تقديم شكاوى للمسؤولين في شأن هذا الأمر بعدما اتضح أنهم أطراف في الفساد، بحسب ما يقول يزن حرب لـ"العربي الجديد"، مضيفاً: "جعلنا اليأس نستسلم، ودفعنا إلى الاعتماد على سيارات الأجرة مثل السيرفيس للانتقال من قريتنا إلى المدينة، أو الانتظار ساعات حتى تمر سيارة خاصة تقصد وجهتنا أو تصل إلى أقرب منطقة من دون أن يأخذ صاحبها أي أجر منا لأنه متجه إلى هناك أصلاً"، ويوضح أن "تعميماً شفهياً أصدره المحافظ لرؤساء المجالس البلدية وجرى تعميمه على الأهالي للإفساح في المجال باستخدام الطلاب بالدرجة الأولى وموظفي القطاع العام باصات النقل، ما أثار استياء العاملين في القطاع الخاص والأعمال الحرة الذين استنكروا التمييز، واعتبروا أنه يحق لهم ما يحق لموظفي القطاع العام باعتبار أن لا أفضلية لأحد".
من جهة أخرى، يستخدم مواطنون الدراجات الهوائية والنارية باعتبارها وسائل نقل أكثر استقلالية. وعادت الدراجة الهوائية ضمن دمشق المدينة وأحيائها تحديداً لأنها وسيلة أكثر توفراً وتوفيراً بالنسبة لعدد كبير من الأشخاص. ويقول راجي السلطان لـ"العربي الجديد": "لا تحتاج الدراجات الهوائية إلى بنزين ومازوت، وتتوفر قطع الغيار بكثرة، والأهم توفر العضلات والصبر". يضيف: "أعمل في محطة لتوزيع المياه، ويصل راتبي بالكاد إلى 300 ألف ليرة (20.33 دولاراً)، ولا أملك قدرة على دفع تكاليف نقل كبيرة، لذا قررت إصلاح دراجتي القديمة والذهاب بها إلى عملي. وهكذا أتقي شر تحكم السائقين بي".
بدوره، يستقل مهيب الحسن، من ريف السويداء، دراجة نارية للتوجه إلى محله الخاص بصيانة الأجهزة الكهربائية في السويداء، ويعتبر أن الدراجة النارية تجعله أكثر استقلالية وحرية في أخذ الوقت الكافي لإنجاز عمله وتحصيل أجر يومي جيد قبل أن يعود إلى منزله في القرية، ويقول لـ"العربي الجديد": "صحيح أن التنقل بين قريتي والمدينة سيكلفني مالاً أكثر من وسائل النقل العامة، بعدما وصل ثمن الليتر الواحد من البنزين إلى 28 ألف ليرة (1.89 دولار)، لكن ذلك يحررني من مسألة ضيق الوقت للحاق بآخر سيرفيس أو سيارة أجرة تعود إلى القرية، ويوفر لي وقتاً أكبر للعمل، ما يسمح لي بتحصيل أجر يومي أفضل قد يصل إلى أكثر من 125 ألف ليرة سورية (8.5 دولارات)، أي أن دخلي الصافي يبغ 95 ألف ليرة (6.44 دولارات)، بعد اقتطاع ثمن ليتر البنزين". ويشير الحسن إلى أن المعاناة تحصل في أشهر الشتاء حين يصبح التنقل عبر الدراجة النارية عبئاً على صاحبها نتيجة البرد والأمطار، ما يفرض على أصحاب الدراجات استخدام وسائل النقل العامة وانتظار مجيئها ساعات طويلة، أو استخدام سيارات خاصة.
وفي مناطق أخرى من سورية مثل حلب، استخدمت مجدداً آليات "الطريزينة" ذات العجلات الثلاث التي تعمل بمحركات الدراجات النارية، بعدما كانت وسائل نقل محلية ضمن القرى فقط. ويقول أبو وديع لـ"العربي الجديد": "تحمل آلية الطريزينة المصنّعة محلياً في المقعد الأمامي شخصين إلى جانب السائق وخمسة في الصندوق الخلفي، وأجرة الراكب الواحد لا تقل عن عشرة آلاف ليرة (67 سنتاً)، وهي موجودة بكثرة، وحلت أزمة النقل في مناطق عدة بحلب رغم أن الحكومة رفضت ترخيصها".