طالبت جمعيات مدنية في تونس السلطات الرسمية باتّخاذ إجراءات للحدّ من العقوبات السجنية في إطار سياسات تحدّ من العودة إلى الجريمة وتوجيه كلفة تنفيذ العقوبات السالبة للحرية نحو الاستثمار في التعليم وتدريب المنقطعين عن التعليم.
وتزامن إطلاق الدعوات نحو زيادة الاستثمار في التعليم، بدلاً من الإنفاق على السجون، مع العودة إلى المدرسة وتوقّع ارتفاع نسب التسرّب المدرسي الناجم عن الأزمة الاقتصادية ونقص مداخيل الأسر.
وكشفت دراسة حديثة أصدرتها جمعية "معاك"، التي تهتمّ بقضايا دمج السجناء السابقين في المجتمع، أنّ التكلفة المخصصة لسجين واحد سنوياً كافية لتأمين تعليم 10 تلاميذ تونسيين.
وبيّنت دراسة "معاك" أنّ "السجون التونسية تستقبل نحو 23 ألف سجيناً، 40 في المائة منهم مهدّدون بالعودة إلى الجريمة وقضاء عقوبات جديدة نتيجة صعوبات تحول دون اندماجهم مجدداً في المجتمع". أضافت الدراسة، استناداً إلى بيانات رسمية لوزارة العدل، أنّ تكلفة السجين الواحد سنوياً تصل إلى 15 ألف دينار تونسي (نحو خمسة آلاف دولار أميركي) وهو مبلغ يضاهي تكلفة تأمين تعليم 10 تلاميذ، بحسب تقديرات تكلفة التمدرس التي عمل عليها منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تونس.
ويقول رئيس جمعية "معاك" مصطفى بن زين لـ"العربي الجديد" إنّ "تكلفة تنفيذ عقوبة سجين واحد في تونس تصل إلى 47 ديناراً في اليوم، وهو مبلغ كبير جداً مقارنة بإمكانيات الدولة التي تعاني صعوبات أدّت إلى ميزانية تقشفية على حساب خدمات أساسية، من أبرزها التعليم".
وإذ يؤكد بن زين أنّ "نسبة العودة إلى الجريمة في تونس تصل إلى حدود 40 في المائة"، يفيد بأنّ "متابعات سجناء سابقين، أجرتها الجمعية في إطار عملها الميداني، أثبتت أنّ هذه الفئة تواجه صعوبات في الاندماج الاجتماعي والوصم ونقل فرص العمل والتدريب، الأمر الذي يعيدها مجدداً إلى براثن الجريمة".
ويضيف رئيس "معاك" أنّ "تنفيذ العقوبات السالبة للحرية يمثّل عبئاً ثقيلاً على موازنة الدولة على الرغم من توفّر حلول عملية للحدّ من اللجوء إلى تنفيذ هذه العقوبات والحدّ من العودة إلى الجريمة".
ويشير بن زين إلى أنّ "الجمعية طوّرت بروتوكولاً لإعادة الدمج، من أبرز بنوده إعادة تصوّر منظومة العدالة في تونس"، شارحاً أنّ عملية التطوير أتت "استناداً إلى تجارب مقارنة دولية ومساعدة خبراء محليين من كوادر عليا في إدارة التونسية وتعاون مع أصحاب التجربة السجنية". ويتابع: "نسعى إلى وضع نتائج البروتوكول والدراسة التي عملنا عليهما في متناول السلطات، وذلك في إطار التكامل ما بين الجهد الحكومي والجهد المدني".
ويرى بن زين أّنه "صار من الضروري تقليص العقوبات السالبة للحرية وتعويضها بعقوبات بديلة أو غرامات مالية أو عمل للمصلحة العامة، مع توجيه الجهد العام نحو تسهيل إعادة دمج المسرّحين وكبح أسباب الجريمة، من أبرزها البطالة والتسرّب المدرسي والتفكّك الأسري وعدم الشعور بالأمان إلى جانب الوصم الاجتماعي الذي يُطاول المسرّحين من السجون".
وتؤكد قصص المشاركين في دراسة جمعية "معاك" أنّ "المسرّحين من السجون يواجهون عقبات تحول دون اندماجهم في المجتمع، الأمر الذي يضطر كثيرين منهم إلى ممارسة أنشطة إجرامية لإعالة أنفسهم وأسرهم مادياً، والاختلاط بآخرين من ذوي سوابق عدلية مثلهم سعياً إلى إيجاد شعور بالانتماء والقبول الاجتماعيَّين".
وكانت جمعية "معاك" قد أطلقت في فبراير/ شباط 2022 دراسة استقصائية تحت عنوان "عقاب من دون سبل إصلاح"، تناولت تجارب 41 فرداً خاضوا التجربة السجنية من خلال 10 جلسات حوارية في سبع محافظات تونسية.
وتدفع منظمات حقوقية نحو تعويض العقوبات السجنية السالبة للحرية بعقوبات مدنية أو سوار إلكتروني للحدّ من الاكتظاظ في السجون ومنح فرص إصلاح أكبر للتلاميذ والطلاب الذين يقعون في براثن الجريمة، إذ إنّ الحرية هي الأصل في القوانين الدولية.
وبدأت تونس في السنوات الأخيرة تجربة السوار الالكتروني كعقوبة بديلة للحدّ من اكتظاظ السجون، وأفادت وزارة العدل حينها بأنّ المرسوم ذا الصلة يتضمّن "إقرار آلية تساهم في معالجة مواطن الإخلال والنقص الواقع تشخيصها في المنظومة الجزائية المعتمدة حالياً، والمتسبّبة في الاكتظاظ السائد بالمؤسسات السجنية، وتتمثّل أساساً في نظام مراقبة إلكترونية". وأوضحت الوزارة أنّ الدراسات والمعطيات الإحصائية بيّنت أنّ نظام العقوبات وتنفيذها "في حاجة ماسة إلى مراجعة هيكلية جريئة من دون مساس بالضمانات القانونية القائمة".