كشفت دراسة استقصائية، نشرها مركز "السياسات وبحوث العمليات" (OPC) حديثاً، أن 63 بالمائة من سكان العاصمة السورية دمشق عبّروا عن رغبتهم في الهجرة، بسبب التردّي الاستثنائي في مستويات المعيشة والأوضاع الأمنية المتفاقمة، وتزايد الصراعات الداخلية في دائرة داعمي النظام السوري، خاصة خلال العامين الأخيرين.
وبحسب دراسة المركز المهتم بالأبحاث الاستشارية لدعم صنع السياسات وبرامج التنمية ومشاريع الاستجابة، الذي يتخذ من تركيا مقراً له، فإن الهرب من الظروف المعيشية الصعبة يعتبر السبب الرئيس للتفكير في الهجرة، إضافة إلى تزايد الصراعات الداخلية وانتشار فيروس كورونا، والبحث عن فرص عمل وتعليم أفضل، ولم الشمل والالتحاق بأفراد العائلة، وتفادي الخدمة العسكرية الإلزامية.
الهرب من الظروف المعيشية الصعبة يعتبر السبب الرئيس للتفكير في الهجرة
وأشارت الدراسة، التي نفّذت ما بين 24 ديسمبر/ كانون الأول 2020 والخامس من يناير/ كانون الثاني الماضي، إلى أن غياب القدرة المالية على تحمل نفقات الهجرة يشكل العامل الأكثر تأثيراً في منع الإقدام عليها، لكنّ هذه الشريحة أكّدت رغبتها في الهجرة إذا توفر المال أو طرق هجرة أقل تكلفة.
وفي المقابل، تعتبر الارتباطات العائلية والاجتماعية أحد أهم الأسباب التي تمنع هذه الشريحة من الهجرة، وهذا مرهون بقرار العائلة نفسها بمغادرة سورية.
وتشكّل الدول الغربية الوجهة المفضلة لدى أغلبية العيّنة من الراغبين في الهجرة، بسبب الحقوق التي تمنحها تلك الدول للاجئين على أراضيها من حيث الوضع القانوني والمعيشي والآفاق المستقبلية، وهناك آخرون اختاروا دول الخليج العربي أو دول الجوار السوري وجهةً مفضلةً للسفر.
كما أظهرت الدراسة، التي استهدفت 600 شخص من سكان دمشق من الجنسين، أن النسبة الأكبر من المستجوبين الميالين للهجرة هي من الشباب الأصغر سناً، وثانياً غير المتزوجين، وثالثاً الحاصلين على مؤهل تعليمي مرتفع، ما يشكّل تهديداً للبلاد بانخفاض أعداد هذه الفئات، بحسب الدراسة.
وركزت الدراسة على العاصمة دمشق الخاضعة لسيطرة النظام السوري بشكل كامل، والتي تحوي الكتلة السكانية الأكبر من السوريين، إذ تضم حوالي 1.8 مليون نسمة، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة في مايو / أيار عام 2020، وهي نسبة تقل عن 10 بالمائة من إجمالي سكان البلاد.
ومن الأسباب التي دعت إلى اختيار دمشق عينةً للدراسة، موجات الهجرة العديدة من سكان الأرياف من مختلف المحافظات السورية، منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وخلال سنوات الثورة السورية وما تلاها من تطورات حتى 2014، كانت محافظتا دمشق وريفها قد استقبلتا حوالي 42 بالمائة من إجمالي النازحين داخلياً.
ويقول معدّ الدراسة سلطان جلبي، لـ"العربي الجديد"، إن هناك سبباً آخر لاختيار دمشق وهو أن النظام يتخذها نموذجاً، ويسعى لضبط الحياة فيها لعرضها كدليل على انتصاره في الحرب التي خاضها ضد السوريين خلال 10 سنوات، ونتائجها أظهرت فشل هذا النظام في أفضل مكان في سورية، وهذا يطرح سؤالاً مهماً، وهو كيف هي أوضاع السوريين في المحافظات الأخرى، وهذا الأمر يعلمه كل السوريين، للتمايز بين مستوى المعيشة في دمشق وغيرها من المحافظات.
وبحسب جلبي، فإن الدراسة أظهرت تذمراً من الوضع الراهن، لكن الجديد فيها هو فقدان الأمل وغياب الأفق لدى السكان، الذين لا يرون أي حل قريب لذلك يرغبون بالهجرة، بعد أن صبروا 10 سنوات كانوا في كل عام منها يرون الاستقرار قريباً، وهذا مؤشر خطير على اليأس الذي أصاب السوريين، بحسب قوله.