خوف المصريين... تأجيج الانقسام يهدد بشرخ مجتمعي مزمن

03 يوليو 2021
هذا التعبير لم يعد ممكناً اليوم (جيف ج. ميتشل/ Getty)
+ الخط -

قبل بضع سنوات، كانت هبة وزوجها محمد يستعدّان لنقل محلّ سكنهما من عمارات الضباط في حيّ مدينة نصر شرقي القاهرة، بعدما تلقّى زوجها تهديدات من قبل عدد من السكان على خلفية خلافات سياسية بينهم. تنقّلت هبة وزوجها وطفلهما كثيراً، لكنّ الأعين الأمنية كان ترصد كلّ تفاصيل حياتهم، فقرر الثنائي الرحيل.
بالعودة إلى سنوات أبعد، تحديداً إلى عام 2011، كانت هبة تعمل كأستاذة مساعدة في كلية الإعلام بجامعة القاهرة، أمّا زوجها وهو طبيب متخصص في الأمراض النفسية والعقلية فكان يعمل في عدد من المستشفيات الحكومية والخاصة. كلاهما كان له نشاط سياسي ما قبل اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011. هي كانت عضوا في حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات، وتراسل موقعاً صحافياً خاصاً بأخبار الجامعة وتنشر مقالات. أمّا هو فكان عضوا نشطا في نقابة الأطباء المصريين التي كان لها نشاط سياسي أصيل في الحراك السياسي إبان الثورة. وكانت هبة قد تعرّفت إلى زوجها في فعالية سياسية، ليتزوّجا بعد الثورة مباشرة.

هما كانا مؤمنَين بثورة يناير وأهدافها، وبأنّ الرئيس الراحل محمد مرسي كان وما زال الرئيس المدني الأوّل المنتخب في مصر وأنّ الإطاحة به هي انقلاب عسكري. لذلك، كانت هبة وزوجها يشاركان بين الحين والآخر في اعتصام رابعة العدوية الذي بدأه أنصار مرسي لدعم الشرعية، علماً أنّ موقع الاعتصام كان يبعد كيلومترات قليلة عن منزلهما. ووسط كلّ ذلك كانا محطّ أنظار قاطني المبنى السكني حيث يعيشان، وكانت تُسجَّل مناوشات سياسية عادية ومتقبلة بين المنتمين إلى الأطياف السياسية المختلفة في الإطار الطبيعي. لكنّه بعد انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013، انقلبت الأحوال تماماً.

في مذبحة رابعة العدوية، أصيب محمد زوج هبة إصابة بالغة في كتفه، واضطر حينها بمساعدة أطباء يعرفهم ويثق بهم إلى تلقّي العلاج بعيداً عن أعين الأمن الذي كان يرصد في هذا الوقت المصابين من جرّاء عملية الفضّ. صحيح أنّه نجا من الفضّ ومن الرصاص ومن أعين الأمن المراقبة للمستشفيات، غير أنّه لم ينجُ من جيرانه. وصار وزوجته هبة غير مرحّب بهما في المبنى، وقد وُجّهت إليهما هذه الرسالة صراحة في أكثر من مناسبة.
وفي يوم، أخبره حارس العقار بأنّ قوة من الأمن الوطني المصري حضرت وسألت عنه. فخشي محمد من البقاء مع زوجته وولدهما في منزلهما، واضطروا إلى الانتقال إلى شقة سكنية أخرى في مدينة نصر كذلك، إذ لا يستطيع ترك هذا الحيّ لأنّه أقرب إلى مقار عمله العديدة. انتقل بالفعل، لكن مع تسارع وتيرة القبض على المحسوبين على المعارضة، اضطر إلى ترك تلك الشقة السكنية. من جهتها، رحلت هبة وابنهما إلى مسقط رأسها في طنطا بمحافظة الغربية، بعدما حصلت على إجازة من دون راتب من الجامعة، فيما سكن محمد مع صديق له في شقة بحيّ العباسية بالقرب من مدينة نصر. لكنّ عمله تضرّر كثيراً بسبب الوشايات التي كانت تستهدفه أينما حلّ بسبب خلفيته السياسية. استمرّ الوضع على هذه الحال أشهراً عدّة، قبل أن يقرر محمد وهبة "الفرار" إلى الخارج والاستقرار في بلد أوروبي.

شرطة في مصر (السيد الباز/ الأناضول)
شرطة في مصر (السيد الباز/ الأناضول)

تختلف قصة هبة في أحداثها وتفاصيلها مع قصة آية وهي صحافية مصرية فضّلت التعريف عن نفسها باسم مستعار وعدم الكشف عن هويّتها. لكنّ القصتَين تتشابهان لجهة تفاصيل المضايقات والوشايات التي لاحقت كذلك آية ودفعتها إلى ترك عملها. ففي مجال الإعلام المصري، ثمّة متعاونون كثر مع الأمن، يقدّمون تقارير مفصّلة عن زملائهم ورؤسائهم ومصادرهم، وقد وقعت آية ضحية أحد هؤلاء في الصحيفة الخاصة التي كانت تعمل فيها. وهو كان يعرف أنّها مؤمنة بمطالب اعتصام رابعة العدوية، وأنّها تناصر شرعية مرسي. فانتهى بها الحال في مكتب رئيس التحرير الذي أعلمها بأنّ ضغوطاً أمنية تُمارس على الصحيفة بسبب بعض الصحافيين المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين. وعندما قالت له "أنا لست عضوا في الجماعة"، ردّ "لكنّك متعاطفة معهم". فقدّمت آية فوراً استقالتها من الجريدة، لكنّها لم تتمكّن من العمل في أيّ صحيفة أخرى لاحقاً خشية التعرّض إلى الموقف ذاته.
في هذا السياق، يقول أستاذ في علم النفس والاجتماع بجامعة الأزهر، فضّل عدم الكشف عن هويته، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ثمّة أشخاصاً يتصوّرون أنّ الوشاية في أوقات الاستقطاب السياسي الحاد في مصر، نوع من أنواع التشدّق بالوطنية. فمن يُبلّغ عن معارض سياسي كأنّما قدّم خدمة جليلة للوطن". يضيف أنّه "حتى في الأوقات العادية غير المشحونة بالاستقطاب السياسي، ثمّة من يتصوّر أنّه في حال وشى بزميل أو جار أو حتى قريب، فإنّه ينتصر لوطنه من الأعداء"، معيداً ذلك إلى "غياب ثقافة الاختلاف في الرأي وتقبّل الآخر. فالقاعدة هي إن لم تكن معي فأنت ضدّي. في المقابل، فإنّ مشاعر الخوف وإيثار السلامة تتسلل إلى نفوس كثيرين بالتبعية". ويتابع أستاذ علم النفس والاجتماع نفسه أنّ "هذا الخوف والقلق من المجتمع يتحوّلان مع الوقت لدى عدد من الناس إلى مشكلة يُطلق عليها تسمية أنثروبوفوبيا، وهي تعني علمياً الخوف المستمر والمفرط من الناس أو المجتمع". ويؤكد أنّ "الخوف من الآخر صار هو سيّد الموقف، وهو ما يؤدّي بالضرورة إلى مجتمع مريض غير سويّ ويزيد من الانعزال والحذر وأحياناً الانتقام".

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

وتحت عنوان "العودة للخلف"، أصدرت مؤسسة الحق لحرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان (منظمة مجتمع مدني مصرية) تقريراً حول مشروع قانون الفصل بغير الطريق التأديبي المعروف إعلامياً بقانون "فصل الموظف الإخواني"، ورأت أنّ النصوص المقترحة فيه شبه غير دستورية وتوسّع صلاحيات جهات الإدارة في فصل الموظفين من دون الطريق التأديبي، بالإضافة إلى إمكانية إساءة استغلال نصوص القانون الفضفاضة التي تسمح بفصل الموظفين بالتفتيش في النيات. وخلصت المؤسسة في تقريرها إلى أنّه على الرغم من الخلفية التاريخية الطويلة لقانون وتعديلات مواد الفصل غير التأديبي، للقانون 10 لسنة 1972، فإنّ هذا التشريع وجذوره التشريعية السابقة ما هما إلا تشريعات استثنائية بطبيعتها سُنّت لمواجهة ظروف وقتية بعينها، وهو ما يعني أنّ هذه التشريعات تدور وجوداً وعدماً مع الظرف الزماني الذي خُلق له وكذلك يفعل في حالة الطوارئ فقط. فهو قانون مرتبط بحالة استثنائية أصلية. وحتى لو أضيف إلى البنية التشريعية العادية، فإنّه لا ينزع عنه الصفة الاستثنائية.

المساهمون