أثمرت ضغوط مارسها ناشطون في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين ببيروت، وتحديداً في مخيمي برج البراجنة وشاتيلا، ورفعهم الصوت عالياً ضد ممارسة أشخاص غير متخصصين مهنتي الطب والصيدلة، في إطلاق جهود واكبتها فصائل ومؤسسات فلسطينية ودولية، وسمحت بتشكيل لجنة طبية لكشف المخالفات تمهيداً لردعها.
تقول أم وليد التي تسكن في مخيم برج البراجنة لـ"العربي الجديد": "بسبب عدم وجود رقابة طبية في مخيم برج البراجنة، فتح عدد كبير من الفلسطينيين واللاجئين السوريين صيدليات عشوائية تفتقر إلى شروط ممارسة المهنة، وبينها أن يملك صاحبها شهادة جامعية. ويدور حديث عن وجود نحو 26 صيدلية غير قانونية تبيع أدوية عشوائياً، ولا تخضع لمراقبة. وبعضها تبيع أدوية مهربة، وأخرى تستخدم في التعاطي والإجهاض، وأخرى أنشأت اقساماً لعلاج مرضى. وقد أجرى طبيب عملية إجهاض في صيدلية بمخيم شاتيلا، ما فضح المخالفات التي تحصل، بعدما وجد الناس في أحد زواريب بقايا طفل جرى إجهاضه".
تضيف أم وليد: "في البداية اكتشفت أخطاء طبية تتعلق بعلاج الأسنان، حين فتح سن مريض ونسي المعالج قطنة داخله، ثم ظهرت أدلة على فتح عيادات غير شرعية للإجهاض. وهذه الأمور جعلت الناس يطلقون الصرخة في وجه العيادات والصيدليات غير الشرعية، وضد بيع الأدوية المخدرة التي تحتاج إلى وصفات أطباء".
ويقول مسؤول الملف الصحي في اللجان الشعبية لمنظمة التحرير الفلسطينية الدكتور وليد الأحمد: "تشكلت اللجنة الطبية حديثاً بهدف تنظيم الوضع الصحي لمخيمات بيروت، خصوصاً بعد الفوضى التي شهدها القطاع، في ظل غياب الجهة الرسمية المشرفة على الوضع الصحي، ومسؤولياتها كبيرة". ويتابع: "مع بداية الأزمة السورية، توافد عدد كبير من النازحين السوريين إلى مخيمات بيروت، ما خلق الحاجة إلى مراكز طبية إضافية لتلبية الاحتياجات، ثم زادت هجرة الأطباء متطلبات وجود هذه المؤسسات الطبية، وبالتالي فرص عمل المؤسسات الصحية في المخيمات، وانقلبت الأمور إلى فوضى كاملة في ظل جهل المؤسسات الرسمية الفلسطينية بالكامل طبيعة عمل هذه المنشآت. والأزمة الحالية كبيرة، وتبدأ من سلوكيات ممارسة المهنة وصولاً إلى أخلاقها، لذا تشكلت اللجنة لمتابعة التجاوزات، ومحاولة معالجة المشاكل بالكامل".
ويشرح الأحمد أن "اللجنة تضم مندوبين في كل مخيمات بيروت ومستشفى الساحل، وأولى مهماتها إحصاء المنشآت الطبية ومعرفة من يديرها، وتحديد من يتمتع بالكفاءات الطبية، لأنّ أشخاصاً استغلوا هذا الوضع، وحوّلوه إلى تجارة من خلال صيدليات ومراكز طبية. وهناك صيادلة لا علاقة لهم بمهنة الطب، ما يشكل خطراً على الناس الذين يتوجهون إلى الصيدليات لمداواة مرضاهم، ما حوّلها إلى مراكز علاج، تسببت في حوادث ووفيات".
ويؤكد الأحمد أن "مهمات اللجنة الطبية بالغة الصعوبة، لأن بعض المراكز الطبية قد تتمتع بحماية من أصحاب نفوذ في المخيمات. ونحن نعلم أن قوة سيطرت على بعض المؤسسات، وتتولى حمايتها ودعمها، من هنا ينطلق عملنا من دعم الناس لنا في المخيمات. وعلى سبيل المثال، يضم مخيم برج البراجنة عدداً كبيراً من هذه المؤسسات، وتواصلنا مع الأهالي، الذين رحبوا بتدخل اللجنة، وأبدوا رغبتهم في المساعدة ووضع كل إمكاناتهم من أجل لجم الواقع غير الصحيح. وقريباً سنجري اجتماعات قبل إجراء عملية المسح المقررة، ونحن نحاول تذليل كل العقبات أمام الخطوات القادمة، وأنا متفائل بتحقيق النجاح المطلوب والضروري".
ويكشف الأحمد أنه كان يفترض أن تشكل اللجنة مع بداية أزمة كورونا في لبنان، لكن الغياب الكامل للمرجعيات الطبية وعدم التنسيق، وعمل كل جهة بمعزل عن الأخرى، وافتقاد هيئة طبية للإشراف على ما يحصل، أخر تشكيلها، لكنها ستنجح في تأدية دورها، وتؤسس لنظام صحي.
ويخبر الأحمد أن "في البداية، حرصنا على متابعة موضوع تخفيف الفاتورة على المريض، ولدينا خطة لعلاج أورام الثدي، والبروستات، والأمراض المعدية. ومثلاً حين انتشر الريقان تدخلنا، ونسقنا مع وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، معالجة مشاكل الصيدليات والمنشآت الطبية، لأن الصيدليات لا تبيع وحدها أدوية فاسدة، ومن دون وصفات طبية، فعيادات طب الأسنان تستخدم أيضاً أدوية محرمة دولياً، وتستهتر بحياة المرضى. ونحن نرفع التوصيات بعد معاينة الوقائع إلى الجهة السياسية في المخيم التي تنظر فيها وتقرر إغلاق هذه المؤسسات، وبعض القوى السياسية تملك إصراراً كبيراً على معالجة الملف".