توقفت قبل 9 سنوات أصوات الأذان وأداء الصلوات في جامع النبي يونس، أحد أهم الجوامع وأكثرها رمزية في مدينة الموصل شمالي العراق، بعدما فجر مقاتلو تنظيم "داعش" في 24 يوليو/ تموز 2014 موقعه على "تل التوبة".
ورغم القيمة الدينية والتاريخية للجامع وقدسيته لدى أهالي الموصل تخلت السلطات الحكومية في بغداد عن إعماره، ونكست بالتالي بوعود أطلقتها حول هذا الأمر.
تتعدد الروايات بشأن تاريخ بناء جامع النبي يونس، لكن غالبيتها تشير إلى أنه يعود إلى القرن الرابع الهجري، وأنه أعيد تأهيله أكثر من مرة آخرها في تسعينيات القرن العشرين، حين شيّد على شكل صرح كبير يشبه سفينة في إشارة إلى قصة النبي يونس.
ويضم الجامع مرقداً اختلفت الروايات حوله. وتقول بعضها إن النبي يونس دُفن في تل التوبة حيث مكانه، في حين تنفي أخرى ذلك. ولدى التنقيب تحت المرقد اكتُشف قصر مطمور كان مكاناً لإقامة ملوك آشوريين وقاعدة للجيوش الآشورية. ويعود تاريخ بناء القصر إلى القرن السابع قبل الميلاد على الأقل.
وبعدما طرد الجيش العراقي تنظيم "داعش" من الموصل في يوليو/ تموز 2017، استخدم مسؤولون في الدولة موضوع إعمار جامع النبي يونس الذي فجره مقاتلو "داعش" كدعاية. وأجريت مراسم وضع حجر الأساس لإعادة إعمار الجامع مرتين، الأولى بحضور الرئيس السابق لديوان الوقف السني عبد اللطيف الهميم، والثانية بحضور وزير الصناعة السابق منهل الخباز، كما تعهد رئيس البرلمان محمد الحلبوسي قبل عامين ببدء الإعمار من موقع الجامع المدمر، وهو ما لم يحصل.
وفي الفترة الماضية، عزا ديوان الوقف السني تأخر الإعمار في جامع النبي يونس إلى تنفيذ بعثة ألمانية أعمال تنقيب عن القصر الآشوري الذي اكتشف تحت المرقد. وبعد انتهاء أعمال التنقيب تسلمت دائرة آثار وتراث نينوى التابعة لوزارة الثقافة الموقع، وسلمته بدورها إلى ديوان الوقف السني في نينوى للمباشرة في إعادة إعماره.
وفيما لم تنفذ أي أعمال لإعادة الإعمار تبنت جمعية "فعل الخيرات" المحلية الخيرية في إبريل/ نيسان الماضي هذه عملية الإعمار بتمويل من متبرعين من أبناء الموصل. وأكد رئيس الجمعية سعد الله توفيق أن العمل يتواصل لإعادة إعمار الجامع، وحددت مهلة عامين لإنجاز الأعمال.
ويوضح توفيق، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "العمل بدأ في الشهر الأول من العام الحالي، ويتضمن صب الأرضية والجدار المساند للجامع بسماكة 70 سنتيمتراً لتقوية الأساسات". ويشير إلى أن العمل الحالي يشمل صب أعمدة الجامع والمنارة قبل الشروع في بناء القبة بشكلها السابق ومقام النبي يونس، ثم المبنى الذي يتألف من طابقين.
ويلفت إلى أن بناء الجامع يموّل من نفقات محسنين، في حين لم تخصص الجهات الحكومية أي مبالغ.
وينتقد مواطنون من الموصل بشدة طريقة تعامل السلطات مع المواقع الدينية والتاريخية في مدينتهم، ويؤكدون وجود تقصير حكومي في التعامل مع ملف إعمار نينوى، إذ لا تزال جسور ومستشفيات غير منجزة رغم مرور 7 سنوات على انتهاء العمليات العسكرية.
ويتذكر عمار الحيالي الذي يسكن حي المالية المجاور لجامع النبي يونس، بألم تفجير "داعش" جامع النبي يونس، ويبدي خيبته "من تعمّد المؤسسات الحكومية إدارة ظهرها عن ملف إعمار الجامع".
ويقول لـ"العربي الجديد": "لا تزال آثار الدمار شاخصة في الموصل، ولم تتبن الحكومة عملية إعمار حقيقية فيها، علماً أنه كان يجب أن تدرج الجوامع التاريخية المدمرة ضمن مشاريع إعادة الإعمار لأنها ليست فقط دور عبادة، بل مواقع سياحية وأثرية يقصدها زوار وسياح من داخل العراق والخارج".
يضيف: "من المعيب أن تترك إعادة إعمار جامع النبي يونس إلى جمعية محلية تستخدم تبرعات من المحسنين، فأين أموال الوزارات وتلك للوقف السني إذا كانت لا تنفق على إعمار أبرز الجوامع في الموصل؟".
ويقول إمام وخطيب جامع النبي يونس حتى تفجيره، محمد الشماع، لـ"العربي الجديد": "سيبقى تفجير داعش الجامع ذكرى أليمة في أذهان أبناء الموصل، علماً أنه نفذ للحصول على كنوز وآثار جرى بيعها".
ويشير إلى أن تأخير إعادة إعمار جامع النبي يونس سنوات نقطة سلبية كبيرة لكل الحكومات المركزية والمحلية التي تتالت على العراق، في حين تظهر مبادرات الخيرين تكاتف أهل المدينة مقابل تقصير الدولة تجاه المواطنين والمعالم الحضارية".
وتكتفي دائرة الوقف السني في نينوى بالإشراف على إعمار الجامع، في حين يرتبط التنفيذ والتمويل بتبرعات الأهالي وجمعية "فعل الخيرات".
ويقول معاون مدير الوقف السني في نينوى، نشوان الخزرجي، لـ"العربي الجديد": "يتمثل دور الوقف في الإشراف على العمل من الإدارة والأعمال الهندسية بحسب التصاميم الهندسية القديمة مع إضافة بعض التحديث البسيطة، كما يعمل لتسهيل كل ما يحتاجه الإعمار المتعلق بدوائر الدولة، بالتنسيق مع دائرة التراث والآثار في نينوى من أجل الحفاظ على الإرث التاريخي والديني للموقع".
لكن الناشط الموصلي محمد العبيدي ينتقد اقتصار دور الوقف السني على الإشراف على إعمار الجامع من دون المشاركة في التمويل، ويقول لـ"العربي الجديدة: "يعلم الجميع أن دائرة الوقف السني من الدوائر الغنية، وكان الأجدر بها أن تتولى نفسها إعمار الجامع".
يضيف: "يجب ألا يكون تنفيذ أي مشروع رهن تمويل المحسنين، فتوقف أموالهم يعني تجميد المشروع، لكن تخلي الجهات الحكومية عن إعمار الجوامع التاريخية في الموصل ذات إيجابية وحيدة تتمثل في ضمان عدم وجود شبهات فساد باتت تظهر في كل مشروع تنفذه الدوائر الحكومية".
ويرى أن "إعمار الجوامع التاريخية في الموصل (جامع النوري الكبير، جامع النبي يونس، جامع النبي جرجيس، جامع النبي شيت) من قبل منظمات دولية ومحلية يعكس حقيقة مشاريع الإعمار التي تجري في المدينة، حيث تغيب الدولة عن غالبية المشاريع المهمة والرئيسية، مثل الطرق والمستشفيات والجسور والمواقع التاريخية".