جامع السلطان أحمد... "إنقاذ" علامة فارقة في تاريخ الدولة العثمانية

27 ابريل 2023
اكتمل ترميم جامع السلطان أحمد في أول أيام عيد الفطر الحالي (حقان أغكون/ Getty)
+ الخط -

بعد تأخير نحو عامين عن الموعد المحدد، أعلنت تركيا رسمياً انتهاء ترميم جامع السلطان أحمد التاريخي المعروف باسم الجامع الأزرق في مدينة إسطنبول، وافتتحته في أول أيام عيد الفطر في 21 إبريل/ نيسان الجاري، ما أزال فعلياً المخاطر التي كادت تسبب انهيار هذه التحفة المعمارية، بحسب ما تقول المهندسة جيزام غينشر لـ"العربي الجديد"، إثر اكتشاف تشققات وميل بعض الجدران نحو 17 سنتمتراً، موضحة أن "عملية ترميم الجامع اعتبرت الأكبر لمنشآته منذ تشييده بين عامي 1018 و1026 للهجرة (1609 و1616 للميلاد)".
وترى غينشر أن "مشاكل كثيرة ظهرت مع بدء أعمال الترميم عام 2017، ما دفع الطرفين المتعاقدين لتنفيذ المشروع، وهما مديرية الأوقاف في إسطنبول وشركات البناء، إلى تمديد عقد الترميم، لأن انحراف وتهالك بعض الجدران وربما الأساسات القريبة من البحر زادت المخاطر على الجامع، التي كان من الضروري أن تحل جميعها، علماً أن عقد الترميم نص على الحفاظ على جميع المعالم الأصلية للمسجد، وعدم إغلاقه في وجه المصلين والزوار إلا عند الضرورة، لأن الأعمال حصلت على مراحل".
وتوضح أن "من صمم الجامع الأزرق ليس شيخ المعماريين الشهير سنان باشا، كما يقول البعض، لأن الشروع في أعمال البناء جاء بعد نحو 20 سنة من وفاته. وأنجز بإشراف المهندس المعماري سيديفكار محمد آغا الذي يعتبر ثالث أشهر المعماريين خلال الإمبراطورية العثمانية بعد سنان باشا وداود آغا. وأصبح الجامع المقابل لجامع آيا صوفيا حالياً وشرق ميدان السباق البيزنطي، تحفة يقل أن تتكرر بسبب هندسة القبة الهائلة التي يبلغ ارتفاعها 43 متراً وقطرها 23.5 متراً، ووجود 8 قباب ثانوية تحيط بها"، وكذلك الطلاء بالذهب والأحجار الكريمة، والنوافذ وألوان الزجاج الأزرق الذي استقدمه السلطان أحمد الأول من البندقية الإيطالية. واسم الجامع الأزرق رمز إلى لون زجاج نوافذه، والفسيفساء الزرقاء".

الأزرق الطاغي
وكان القيّمون على الجامع قد تنبهوا مطلع عام 2017 إلى زيادة في ميل جدران المآذن الست لجامع السلطان أحمد، ووجود تصدعات، فقررت مديرية الأوقاف الأولى بإسطنبول إعلان إجراء الترميم الأكبر لمنشآته منذ 400 سنة، بحسب ما تقول لـ"العربي الجديد" أستاذة التاريخ سمية يازجي "لأن السكوت عن خطر ميل الجدران نحو 17 سنتمتراً وتشققها يهدد بإزالة أهم جوامع تركيا وأشهرها".
وكان جامع السلطان أحمد قد خضع لخمس عمليات ترميم منذ بنائه. وفي عام 1985 أدرجته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) على قائمة التراث العالمي، في خطوة عززت أهميته السياحية والتاريخية عالمياً.
ويقع جامع السلطان أحمد قرب كنيسة آيا صوفيا التاريخية التي تحوّلت إلى جامع، ثم إلى متحف خلال حكم مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك. وبعدها استعادت آيا صوفيا دورها كجامع عام 2020. ويطل جامع السلطان أحمد على مضيق البوسفور، وبناه المهندس المعماري سيديفكار محمد آغا في عهد السلطان العثماني أحمد الأول الذي كان قد تسلم الحكم من محمد الثالث ابن مراد عام 1603. ونفذ المشروع على مساحة 64 × 72 متراً مربعاً، وبلغ قطر قبته 23.50 متراً، وارتفاعها 43 متراً، وهي ترتكز على أربع دعائم أسطوانية، قطر الواحدة منها 5 أمتار، وأصبح المسجد بالتالي أحد أضخم وأجمل المساجد والمعالم الإسلامية في العالم. 
ويتميز جامع السلطان أحمد بآثاره التي تعكس بصمات الفن المعماري البيزنطي والعثماني معاً، وموقعه المطل على بحر مرمرة. وجاءت تسميته بـ"الأزرق" نسبة إلى اللون الأزرق الذي يغلب على الخزف والزجاج والزخارف، وكذلك على أضوائه، علماً أن جدرانه الداخلية تكتسي بأكثر من 20 ألف قطعة سيراميك منحوتة يدويّاً باللون الأزرق، استقدمت جميعها من مدينة إيزنيك وكوتاهية، وتتضمن أكثر من 50 تصميماً بنقوش مختلفة.

نص عقد الترميم على الحفاظ على جميع المعالم الأصلية للمسجد (حقان أغكون/ Getty)
نص عقد الترميم على الحفاظ على جميع المعالم الأصلية للمسجد (حقان أغكون/ Getty)

ومن قصص الجامع الأزرق التي ترويها كتب التاريخ، أن المفتي ورجال الدين في زمن السلطان أحمد الأول لم يرضوا عن مشروع تشييده، لأنه حصل خلال فترة عصيبة من تاريخ الدولة العثمانية، شهدت خسارتها بعض الحروب. كذلك نفذ المشروع بتمويل من خزينة الدولة، وليس من أموال غنائم الحروب، لذا انتقده علماء الدين.
ويُحكى أيضاً أن رجال الدين اعترضوا على عدد المآذن الست في جامع السلطان أحمد، لأنها تتساوى مع عدد مآذن المسجد الحرام في مكة بالسعودية، ما دفع الخليفة أحمد الأول إلى إصدار أمر ببناء مئذنة سابعة للمسجد الحرام. لكن روايات أخرى تشير إلى أن المسجد الحرام تضمن سبع مآذن قبل نحو قرن من بناء الجامع الأزرق.

سلسلة العظمة 
ومن القصص اللافتة الخاصة بجامع السلطان أحمد، وجود سلسلة حديدية ثقيلة مُعلقة في الجزء الأعلى من مدخل الجزء الغربي للساحة التي يستطيع السلطان وحده دخولها على صهوة جواده، إلا أنه مضطر إلى خفض رأسه قليلاً كي لا يصطدم بالسلسلة، وهذه الإيماءة الرمزية تهدف إلى تأكيد تضاؤل الحاكم مقارنة بعظمة الإله.
وفي شأن قول البعض إن "مسجد السلطان أحمد الأول هو الأهم والأضخم في العالم"، تعلّق يازجي: "أعتقد أن هذا الكلام مبالغ به، لأن المسجد الحرام في السعودية هو الأكبر في العالم، ويتسع لنحو 2 مليون مصلٍّ، ثم يأتي بعده المسجد النبوي في المدينة المنورة، ومسجد الاستقلال في إندونيسيا، ومسجد الملك فيصل في باكستان، ومسجد رضا في إيران، أما مسجد "تشامليجا" في إسطنبول، فيتسع لنحو 60 ألف مصلٍّ".
تضيف: "كان جامع السلطان أحمد الأكبر في تركيا، وربما في العالم، وقت بنائه، وترتبط أهميته بأنه يقع مقابل كنيسة آيا صوفيا. وعموماً، تحتوي مساجد السلاطين على أربع مآذن، فيما تكون تلك غير المرتبطة بسلاطين بمئذنة أو مئذنتين. أما جامع السلطان أحمد، فشُيّد بست مآذن و200 نافذة، وبقي الوحيد في تركيا بهذا العدد من المآذن. وقبته بعلو 43 متراً، وبقيت أقل ارتفاعاً من قبة آيا صوفيا". وتختم بأن "جامع تشامليجا الذي افتتحه الرئيس رجب طيب أردوغان في مايو/ أيار 2019، حطّم الأرقام القياسية للجامع الأزرق، إذ تضمن 6 مآذن، 4 منها بطول 107.1 أمتار، واثنتان بطول 90 متراً، فيما يبلغ ارتفاع قبته نحو 72 متراً وقطرها 34 متراً".
 

المساهمون