استمع إلى الملخص
- نقص الموارد وعدم توفر المبيدات الحشرية يزيد من معاناة الغزيين، حيث يصبحون عاجزين عن التصدي للحشرات والزواحف التي تهدد سلامتهم وخاصة الأطفال.
- هناك حاجة ماسة لتوفير الدعم والمساعدات، بما في ذلك المبيدات الحشرية والمواد الطبية، لمواجهة التحديات الصحية والبيئية التي تفاقم من معاناة سكان غزة.
لا يكفي الغزيين ما يواجهونه من إبادة جماعية وإصابات وأمراض وجوع. فالبيئة غير النظيفة والرملية التي هُجّروا إليها باتت تجذب الحشرات والقوارض والثعابين وهو ما بات يخيفهم ويصعّب يومياتهم.
يواجه الغزيون يوميات صعبة في ظل ارتفاع درجات الحرارة. ويحارون بين محاولة إيجاد أماكن ظل أو البقاء في الخيام. في الوقت نفسه، يواجهون خطراً كبيراً في المناطق التي أقاموا فيها بمنطقة المواصي غرب مدينة خانيونس ومناطق أخرى، والتي كانت أشبه بمناطق صحراوية، بسبب رؤيتهم أنواعاً من الحشرات لم يسبق لهم أن رأوها، عدا عن العقارب والثعابين التي تدخل خيامهم. ويخشون أن يصاب أطفالهم بالأذى في ظل عدم قدرتهم على التخلص منها وعدم توفر المبيدات الحشرية.
يعيش الغزيون في مناطق لا تتوفر فيها بنى تحتية ولا شوارع جيدة ولا تصلح للسكن أو حتى إقامة خيام للنازحين. فلا عمران ولا مرافق صحية أو خطوط مياه. وكانت مناطق منها خالية تماماً أو عبارة عن أراض زراعية. لكن اشتداد الحرارة أدى إلى الكشف عن أزمات جديدة، منها القوارض والحشرات التي تهدد المهجرين في الخيام وتنشر الرعب في ما بينهم.
أمسك علاء مقداد (43 عاماً) بثعبان صغير داخل خيمته في قرية الزوايدة على حدود مخيم النصيرات ومدينة دير البلح خلال الشهر الماضي. يقول إنه كان يخشى أن يصل الثعبان إلى طفله الصغير الموجود في الخيمة، بالإضافة إلى زوجته وابنته. وكان قد رزق بطفله محمد في بداية العام الحالي خلال تهجيره المتكرر، علماً أنه من سكان مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة.
مقداد شخصية معروفة في غزة باسم "عمو علوش"، وهو مهرج ومنشط للأطفال في قطاع غزة. يعيش مقداد هذه الأيام مع خوف مستمر بسبب تركه الخيمة لساعات طويلة. فهو يضطر إلى تركها لساعات طويلة ضمن فرق التنشيط والترفيه عن أطفال القطاع أثناء العدوان التي يشارك فيها مع عدد من المبادرات والمؤسسات الخيرية. ويحاول أن يبقي زوجته على مقربة من الناس، وقد عمد إلى تشييد الخيمة بطريقة تمنع دخول الحشرات أو الثعابين.
يؤكد مقداد أن عدداً من الموجودين ما بين دير البلح وقرية الزوايدة أمسكوا بالكثير من الثعابين والقوارض والحشرات داخل الخيام، منها قوارض هاجمت أطعمتهم رغم قلتها، وأن منهم من تعرض للدغ من الحشرات المتنوعة وآخرين ظهرت عليهم أعراض طفح جلدي. ويقول البعض إنهم تعرضوا للدغ أثناء النوم، الأمر الذي يثير قلقهم في الكثير من الأحيان. وباتوا يحاولون البقاء مستيقظين حتى يتأكدوا من سلامة الخيمة وعدم وجود أي شيء بالقرب منها.
يتابع مقداد لـ "العربي الجديد": "في الوقت الحالي أنا خائف على ابني الصغير. فقد نزح منذ ولادته أكثر من أجداده لوالده الذين هجروا من بلدة حمامة عام النكبة 1948. قبل فترة، استيقظت على صراخ نساء بالقرب من الخيمة وأخبرنني بوجود أفعى، وقد أمسكتها بالفعل وهي تدخل خيمتي". يضيف: "أصبحنا نمشي بين الرمال ونتلفت يميناً وشمالاً خوف أن نتعثر بجحر أو أفعى أو ما شابه. وبعدما كنا قد اعتدنا على الفئران، بتنا نواجه العقارب والحشرات الكبيرة والصغيرة والعناكب والأفاعي. وتبدو بعض أشكالها جديدة علينا ولم يسبق لنا أن رأينا مثلها. نعيش حياة غير طبيعية، وعلى الرغم من أن عملي هو إسعاد الأطفال، إلا أنني أعيش قلقاً وخوفاً مستمرين".
يرصد الغزيون الكثير من الحشرات مختلفة الأنواع داخل الخيام، ويعتقدون أنها تضع بيضها فيها. ومهما حاولوا إخراجها أو قتلها، فإنها لا تختفي. كما رصدوا مؤخراً أنواعاً من العقارب بيضاء اللون، وكانت أعشاشها موجودة بالقرب من الخيام تحديداً، وقد نشرت الذعر بين الكثيرين وخصوصاً أنها سامة.
قبل أيام، تمكّن محمد العجل من الإمساك بعدد من العقارب التي دخلت الخيمة حيث يقيم مع والدته وأبنائه، ويعتقد أنها جاءت من تلة رملية قريبة علماً أن عشرات الخيام تتواجد قرب التلة. ويشدّد على أنها لم تكن المرة الأولى التي يُمسكون فيها بعقارب خلال الأسبوعين الماضيين، وقد أمسكوا عدداً منها بالإضافة إلى سحاليّ وأفاع صغيرة.
أبلغ العجل عدداً من المتخصصين من الطواقم الطبية بالأمر على أمل العثور على أعشاش العقارب، وخصوصاً أنهم يتخوفون من أن يتعرض أبناؤهم للدغ وهم نائمون. ويشير إلى أنهم في الشهر الثاني من العدوان الإسرائيلي، كانوا يتعايشون بشكلٍ عادي مع القوارض، وكانوا يحاولون وضع حد لتواجدها داخل المدارس وبعض نقاط تجمع الناس أو مناطق الخيام. لكن مؤخراً، باتوا لا يملكون أي أدوات للحد من تلك المخاطر.
ويقول العجل لـ "العربي الجديد": "المشكلة أننا لا نعرف التعامل مع الأفاعي أو العقارب أو أنواع الحشرات المختلفة لأننا لا نملك أدوات الإمساك بها. ما فعلته من أجل الإمساك بالعقارب هو إنشاء غطاء لتعلق به ثم وضعها في علبة ورميها بعيداً في البحر. ثم غسلت الغطاء بمياه البحر لأنه لا بديل عنه". يضيف: "حاولت نقل الخيمة إلى مكان آخر، لكنني لم أجد بديلاً. عدد من المؤسسات التي توزع المساعدات أصبحت تطلب البقاء في نقاط محددة. وهنا نحن بين ألف نار وليس نارين، أي ما بين الجوع والسعي للحصول على مساعدات تكفينا وتحد من جوعنا، وبين أن نواجه حشرات وحرا شديدا وبعوضا يوميا وغير ذلك".
وتعرض عدد من الغزيين للدغات من حشرات طائرة وأخرى زاحفة. جميعهم وصلوا إلى خيام النقاط الطبية للحصول على مراهم مضادة للالتهابات الظاهرة، كما يقول رامي قشطة. ويشدد على أنه يتعرض بشكلٍ مستمر للدغات البعوض والحشرات الزاحفة الكبيرة. ويذكر أنه في إحدى المرات تورمت يده ولم يكن العلاج متوفراً، باستثناء مراهم للتخفيف من الالتهابات الظاهرة.
يقول قشطة لـ "العربي الجديد": "كنت أقطن في منزلي في رفح، وكنا قد استقبلنا بعض النازحين. أما اليوم، فصرت بين الخيام حيث أعاني بشدة. الحشرات تلدغ الناس. وعندما ذهبت إلى النقطة الطبية بسبب التورم في يدي، وجدت شخصاً آخر يعاني من الوضع نفسه، وقد تورمت يده بسبب لدغة عقرب، وكان يتلقى العلاج والمحلول الملحي".
وتوقع عدد من المختصين البيئيين في قطاع غزة أن يواجه الغزيون الحشرات والفقاريات والقوارض داخل الخيام، بسبب طبيعة المناطق التي هم فيها. كما جمعت عينات منها لتدريس طلاب الجامعات الغزية عنها. حتى أن بعضاً منهم قد جمعوا أفاعي صغيرة وغيرها للحصول على السموم منها والعقارب، كما يقول الخبير البيئي محمد أبو سرحي.
ويتابع أبو سرحي الذي كان قد عمل في بلدية النصيرات في وقت سابق، عدا عن كونه يدرّس في كليات العلوم والصحة العامة ويقيم في مدينة خانيونس، إن القوارض والفقاريات والحشرات المضرة كان يتم القضاء عليها من خلال المبيدات وخصوصاً في موسم الربيع، بهدف حماية المواطنين. ويبين أنه بسبب الحرارة وطبيعة المنطقة الرملية تنطلق الزواحف للحصول على غذائها، على اعتبار أن بعضها يتفاعل مع الحرارة ويسعى إلى اكتشاف المحيط للحصول على الغذاء. كما أن بعضها لا يتفاعل مع الأصوات ولا يخرج إلا في المساء أو عند الظهيرة حين تكون الحركة خفيفة.
يقول أبو سرحي لـ "العربي الجديد": "بعض الحشرات التي نلاحظها لا تطير. لكن بيضها كثير. فالبيئة التي نعيش فيها جاذبة للحشرات والبكتيريا والعفن داخل الخيام، وهي ضارة جداً بالإضافة إلى بعض أنواع الثعابين التي لها جحور رملية، عدا عن العقارب". يضيف أن "وجودها مضر بالنسبة للمهجرين. المشكلة الأساسية أن المساعدات التي تم إدخالها إلى قطاع غزة لم تتضمن مبيدات حشرية أو لوازم أخرى لمواجهة الحشرات بالمطلق، في ظل أن المساعدات الطبية أساساً كانت قليلة ولا تكفي المرضى والجرحى. ما نفعله هو محاولة الإرشاد للتعامل مع تلك الحشرات والقوارض وإغلاق الخيام بشكل محكم".