بحث المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في تونس، مساء اليوم الجمعة، موضوع الإدمان والمخاطر المجتمعية، وقد تناول متخصصون الاضطرابات السلوكية الناجمة عن الإدمان وسبل تغيير الحال للدفع نحو العلاج ووضع حدّ لتلك الآفة.
وموضوع الإدمان بحسب الأستاذ الجامعي نبيل بن صالح "يطرح إشكاليات عدّة، ويمكن تناوله كسلوك جانح ومرض". وبيّن أنّ "الإنسان استهلك المخدّرات منذ العصور القديمة ولجأ إلى بعض النباتات المهلوسة، وتواصل هذا الأمر في العصور الوسطى، وقد برزت في فترة النهضة الأوروبية مواد جديدة. وفي العصر الحالي ظهرت المذيبات أو ما يُعرف بالكولا، وهي مواد يتمّ استنشاقها خصوصاً بين الأطفال". وبيّن بن صالح أنّ "المواد وصلت إلى نحو ألف مادة، وأسبوعياً تبرز مادة جديدة في العالم"، مؤكداً أنّ "مختلف هذه المواد لها تأثيرها، وثمّة مواد يسمح بها القانون كالتبغ والكحول ومواد ممنوعة كالأفيون".
ولفت بن صالح إلى أنّه طرح "مشروع قانون في ديسمبر/ كانون الأول 2015 للاعتراف بالإدمان كمرض. وعلى الرغم من قبول مجلس الوزراء المشروع حينها، فإنّ الأمر توقّف في اللجنة الخاصة بمجلس نواب الشعب. وفي يونيو/ حزيران 2021، وضعت استراتيجية مع وزارة الصحة للانطلاق في العمل على ظاهرة الإدمان، وثمّة جهات مانحة عديدة مستعدّة لتوفير تمويل للعناية بالمدمنين في المجتمع والسجون ولتقديم العلاج، لكن ما ينقص هو الإرادة".
وقال بن صالح في تصريح لـ"العربي الجديد" إنّ "الإدمان يتفشّى في معظم المجتمعات بما في ذلك المجتمع التونسي"، مشيراً إلى أنّ "المشكلة تكمن في وصم الظاهرة، ما دفع إلى العزوف عن التطرّق إليها". وأكد أنّ "الوضع الاقتصادي كما الاجتماعي حالا دون القيام بخطوات كبيرة في هذا الملف، لكنّ المطلوب هو تفعيل القانون الذي قُدّم سابقاً إلى مجلس نواب الشعب والذي يعترف بالإدمان كمرض، إذ من شأن ذلك أن يسهّل العلاج وتوفير نفقاته". وشدّد بن صالح على "ضرورة مواصلة العمل إلى حين الاعتراف بأنّ الإدمان مرض. وقد وُضعت استراتيجية وقُدّمت إلى وزارة الصحة على أمل أن يُصار إلى الانطلاق في تجسيدها على أرض الواقع من ضمن مخطّط عمليّ يمتد على خمسة أعوام، مع أخذ الوقاية بعين الاعتبار، خصوصاً بين الأطفال المتمدرسين وغير المتمدرسين والمهمّشين".
من جهته، قال المتخصص في علم النفس ومدير "مركز الدفاع والإدماج الاجتماعي بسكرة"، عز الدين الشريف، إنّ "دور مراكز علاج الإدمان يكمن في الوقاية ومعالجة حتى السلوكات الناجمة عن الإدمان"، مضيفاً لـ"العربي الجديد" أنّه "في غياب الموارد المخصصة للعلاج وعدم توفّر الإمكانيات، من غير الممكن معالجة المشكلات الناجمة عن الإدمان". وأوضح الشريف أنّ "الإدمان يُعَدّ ظاهرة مجتمعية معقدة ومركبة وتتطلب تدخّل أطراف مختلفة، ولا بدّ من إنشاء مؤسسات متخصصة في العلاج والعمل على الدمج بعد العلاج والتأهيل النفسي". ودعا الشريف إلى "ضرورة وضع خطة عملية لتجنّب الوصم الاجتماعي والنظرة السلبية إلى المدمنين"، مؤكداً أنّ "هذه المواد تجعل المستهلك في تبعية مستمرة. ولا بدّ من إيجاد خطة متكاملة لوضع حدّ لهذه الظاهرة، فالعملية لا ترتبط بمؤسسة دون أخرى".
في سياق متصل، لاحظ الأستاذ المتخصص في علم الاجتماع هادي دحمان أنّ "ثمّة حيرة لدى أهالي المدمنين إذ لا يوجد من يستمع إليهم، فهم في بحث مستمرّ عن الحلول، وهي في العادة حلول فردية"، مؤكداً "فنحن لم نرتقِ إلى مجتمع مدني يرافق الأسر ويساندها، على الرغم من أنّ دوره ضروري في الإحاطة وفي توجيه العائلات".
وقال دحمان لـ"العربي الجديد" إنّه "بعيداً عن الإنكار والوصم المجتمعي للمدمن فإنّه من الممكن التوصّل إلى حلول عملية"، مضيفاً أنّ "ثمّة إجماعاً على أنّ الظاهرة متنامية واخترقت جلّ الطبقات والفئات ومن الإناث والذكور". ويشدّد على أنّ "الحقّ في العلاج هو من الحقوق العالمية لأيّ إنسان. وهذا المرض مزمن ولا بدّ من تكفّل الدولة بالعلاج من خلال الضمان الاجتماعي"، مشيراً إلى أنّ "الأهم هو إنشاء مؤسسات للعلاج من الإدمان سواءً أكانت خاصة أو عامة". ورأى دحمان أنّ "إنشاء مركز أمل للعلاج من الإدمان يُعَدّ خطوة مهمة، ولكنّ هذا المركز غير قادر على علاج جميع الوافدين من المحافظات"، مشيراً إلى أنّ "تكلفة العلاج باهظة، ولا بدّ من وضع تعرفات مناسبة للعائلات التونسية، الأمر الذي يستدعي التكفّل بمصاريف العلاج ولو جزئياً، وإنشاء مراكز أخرى للرعاية والعلاج، والدمج الاجتماعي لتجنّب العودة إلى الإدمان".
أمّا الطبيب فتحي التوزري المتخصص في الأمراض النفسية والعقلية فشدّد على "وجوب أن يكون الأطباء عنصر ضغط. وعلى الرغم من أنّ العلاج معقّد، فإنّه لا بدّ من فهم المرض أوّلاً ومتابعة المدمن وتحديد العلاج ليتحوّل هذا الموضوع بالذات إلى موضوع وطني"، مشيراً إلى "ثمّة تعثّراً في الفهم والعلاج". أضاف التوزري إلى أنّ "الإدمان يشمل بالتأكيد فئات عدّة، وما ينقص هو العلاج والمتابعة"، مؤكداً "ضرورة إبراز الملف سياسياً ليجد موقعه من ضمن الأولويات". وأوضح أنّ "معاناة العائلات مستمرّة، فكلّ فرد يحاول التصرّف ومواجهة الإدمان بمفرده، في ظلّ غياب الدولة وضعفها في التدخّل".