دبس العنب... راشيا الوادي تنتج قيمة غذائية وصحية

انطلق موسم إنتاج دبس العنب في راشيا الوادي في البقاع الغربي ـ شرقي لبنان، الذي عادة ما يبدأ في منتصف شهر سبتمبر/ أيلول من كل عام ويستمر نحو شهرين. وتعتبر راشيا الوادي الأشهر في إنتاج دبس العنب، بل تكاد تكون الوحيدة في لبنان، وفيها نحو أربع معاصر. يأتي إليها مَنْ يودّ عصر عنبه أو إنتاج الدبس أو شرائه من مختلف المناطق اللبنانية، في ظل خبرة أصحابها والحرفة التي ورثوها عن الآباء والأجداد منذ أكثر من مائة وخمسين عاماً.
"وجد دبس العنب منذ مئات السنين بدليل وجود بقايا المعاصر والأجران الحجرية التي كانوا يستخدمونها لإنتاج دبس العنب، وخصوصاً أن موقع راشيا الوادي الجبلي البارد وارتفاعها عن سطح البحر ما يزيد عن 1200 متر يشكل مناخاً ملائماً جداً لزراعة العنب بأنواعه الفضي والسرعيني والشموطي والعبيدي، التي تقارب نسبة حلاوتها عند العصر 25%"، كما يؤكد الشيخ حسيب أبو حجيلي، صاحب معصرة اليعسوب لدبس العنب، الذي لا يزال محافظاً نسبياً على الأسلوب التقليدي في صناعة وإنتاج الدبس، من الأدوات المستخدمة وطرق الإنتاج. 
أما المهندس بهاء القضماني، فقد ورث معصرة القضماني لدبس العنب عن والده، وزاد تطويرها لتواكب متطلبات العصر السرعة في الأداء والإنتاج. وتعتبر هذه المعصرة الأكبر والأشهر والأحدث في لبنان، ويشير القضماني إلى أن "نسبة إنتاج دبس العنب إلى تزايد مستمر محلياً، كما أنه يصدّر إلى العديد من دول العالم، لا سيما الخليج وأوروبا وأميركا، لما بات يعرف عنه من أهمية غذائية وصحية وخلوّه من أي مواد حافظة".

ويؤكد القضماني أن "صناعة دبس العنب ارتبطت بزراعة العنب في جميع بلاد حوض البحر المتوسط، لا سيما في لبنان وسورية وفلسطين والأردن وغيرها. وهذه الصناعة تعود لمئات السنين، لكن أبناء راشيا الوادي اهتموا بهذه الصناعة واستمروا بها حتى اليوم أكثر من أي بلدة لبنانية أخرى. وبات دبس العنب وصناعته لصيقاً براشيا الوادي، وهو مطابق للمواصفات والمقاييس العالمية".
يتابع القضماني أن "كل العنب الفائض عن الإنتاج الذي لا يمكن بيعه في السوق المحلي أو الخارجي، يؤتى به إلى المعاصر ويحول إلى دبس. كما يدخل دبس العنب في صناعات أخرى باعتباره مكوّناً أساسياً للكثير من الحلويات ومحلّياً بديلاً عن السكّر الأبيض".

وعن تصريف الإنتاج، يؤكد القضماني أن "دبس العنب الذي نصنعه يباع في السوق المحلي ونصدره إلى كل دول العالم، وبات إنتاجنا ينافس عالمياً لناحية النوعية والجودة، فهو من أهم العلامات التجارية العالمية". وعن أنواع دبس العنب، يقول: "لدينا نوعان من دبس العنب، السائل والجامد. صحيح أن المكونات متشابهة، إلا أن لون السائل بلون العسل. أما الجامد، فيتم خلطه على البارد ليتحول إلى شكل الزبدة أو الحلاوة".
في هذا السياق، يلفت القضماني إلى تصنيع ثمانية أصناف من السكاكر، ويقول: "استخدمنا دبس العنب باعتباره مكوّناً أساسياً ومحلّياً، إذ يشكل دبس العنب في هذه الأصناف ما نسبته 33%، وهذه المكونات كلها طبيعية بنسبة 100% ولا تحتوي على أي إضافات أو مواد حافظة أو سكّر مضاف، وهي منتجة من مواد أولية طبيعية صحية ونظيفة وموجودة في منازلنا".

مراحل تصنيع دبس العنب

يشرح الشيخ أبو حجيلي مراحل تصنيع دبس العنب، ويقول: "بعد عصر العنب والتأكد من نسبة حلاوته عبر جهاز خاص من خلال وضع نقاط من عصير العنب عليه، والتي يمكن أن ترتفع إلى نحو 25% وما فوق أو تتدنى إلى نحو 18%، تُضاف مادة الحوّارة الصلصالية، والمعروفة بتراب الدبس، بمعدّل 400 غرام لكل 20 ليتراً من عصير العنب، وهي مادة متوفرة في الجبال المحيطة وتعمل على ترقيد العصير. وبعد الترقيد والتبريد، يتم تفريغ العصير في أوعية مصنوعة من الفولاذ، ويطبخ العصير على البخار، الذي يمكن أن تصل حرارته إلى 100 درجة مئوية، بينما تكون درجة الرطوبة 20%، وهي درجة تؤشر إلى نضوج الدبس".
وبعد نضج الدبس، يتم تبريده من جديد، فإما يُعبأ سائلاً في أوعية، أو يخفق بواسطة خفاقات كهربائية خاصة، لتحويله إلى دبس جامد بلونيه الأشقر الفاتح أو الأشقر الغامق، ثم تتم تعبئته بعبوات خاصة لتسويقه محلياً وفي الخارج".
ويلفت القضماني إلى ميّزات دبس العنب وفوائده الصحية، ويقول إن دبس العنب يتألف من مكوّن وحيد، هو العنب. والأخير يقوّي الدم ويخفف من تصلّب الشرايين، كما أنه مفيد لصحة القلب ويحارب الشيخوخة. يضيف أنه يشكل علاجاً للكثير من المشاكل الصحية ويقي من الإصابة بالعديد من الأمراض، وخصوصاً في حال تجنب تناول السكر الأبيض واستبداله بدبس العنب.

الأرشيف

التحديثات الحية

"الحاجّة باكزة" صانعة دبس العنب الخليلي

وتؤكد أخصائية التغذية وسن عون، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "لدبس العنب فوائد صحية وغذائية عديدة، أبرزها أنه يحتوي على كمية كبيرة من السكريات الطبيعية التي توفر طاقة سريعة للجسم، ما يجعله مثالياً لتعويض الطاقة بعد التمارين الرياضية أو المجهود البدني. كما يحتوي على الحديد الذي يساعد في الوقاية من فقر الدم وتحسين إنتاج خلايا الدم الحمراء. وهو غني بالكالسيوم الذي يعزز صحة العظام والأسنان". تضيف: "يحتوي دبس العنب على البوتاسيوم، وهو ضروري للحفاظ على توازن السوائل وضغط الدم".
والعنب ودبس العنب يحتويان على الألياف الغذائية التي تساعد في تحسين حركة الأمعاء ومنع الإمساك، وفيهما مضادات الأكسدة التي تحارب الجذور الحرة في الجسم (تؤثر على الحمض النووي للخلية)، ما يقلّل من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة، مثل أمراض القلب والسرطان. كما يساهم دبس العنب في تحسين صحة الجلد ومنحه مظهراً أكثر إشراقاً.
كما يحتوي على البوليفينولات (مركبات عضوية)، التي تساعد في تقليل مستويات الكولسترول الضار وتحسين صحة الأوعية الدموية، ويحتوي على الفيتامين سي وبعض المركبات الأخرى، ما يعزز مناعة الجسم ويقلل الالتهابات، ويمكن استخدامه بديلاً طبيعياً للسكر المكرر في الحلويات والمشروبات، ما يجعله خياراً صحياً للحد من تناول السكر الصناعي. وللحصول على فوئده المذكورة أعلاه، يمكن تناوله مع الزبادي أو تناول ملعقة صغيرة منه.