أعلنت وزارة الصحة التونسية في مارس/ آذار الماضي عن انتداب أعوان (عاملين) صحة ممن أنهوا تربصاتهم (فترة تجريبية وإعدادية تواكب التخرج) في المستشفيات العمومية، لكن بعقود مؤقتة لتأمين استمرار الخدمات الصحية في الأقسام الاستشفائية في هذا الظرف الاستثنائي، ومؤازرة جهود وزارة الصحة في مكافحة جائحة كورونا.
بعد انتداب عدد كبير من أعوان الصحة بصفة مؤقتة، شارك الآلاف من العاملين في قطاع الصحة في يونيو/ حزيران الماضي، في إضراب عام دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية في تونس)، للمطالبة بإقرار تشريعات لتنظيم عمل أعوان الصحة، وبترسيم (تثبيت مع ما يلحقه من حقوق) المتعاقدين والعاملين. وذلك تقديراً لجهودهم في التصدي لتفشي فيروس كورونا، مؤكدين على تصعيد الاحتجاجات، في حال رفضت الحكومة مطالبهم. كذلك انتقدوا سياسات الحكومة وفشلها في تسيير القطاع الصحي. وقد شارك أعوان الصحة في تلك الاحتجاجات في تونس العاصمة، أمام وزارة الصحة، وفي مدن أخرى.
بعد شهر، أعلنت وزارة الصحة في يوليو/ تموز الماضي عن انتداب أعوان شبه طبيين من ممرضين وفنيين للعمل في كلّ من مطار تونس قرطاج، وميناء حلق الوادي، وذلك بمقتضى عقود خدمات مؤقتة لمواجهة الفيروس. ومجدداً نفذ أعوان الصحة الشهر الماضي تحركات في مختلف الجهات للمطالبة بترسيم من جرى انتدابهم بعقود مؤقتة، وتمتيعهم بمستحقاتهم وفي مقدمتها التغطية الاجتماعية. وقد تسببت تلك التحركات في توقف العمل داخل المستشفيات في العديد من الأقسام، ما دفع إلى انعقاد اجتماع بين وزارة الصحة والجامعة العامة للصحة، تمّ خلاله الاتفاق على ترسيم المنتدبين بصفة تعاقدية والأعوان المؤقتين، وتسوية أوضاعهم نهائياً وإصدار التعليمات لإتمام الإجراءات، وفق ما أكدته الجامعة العامة للصحة. كذلك، وقع اتفاق خلال الجلسة لتسريع إتمام الإجراءات المتعلقة بانتداب 3000 كادر صحي.
وعلى الرغم من التحركات العديدة التي نظمها أعوان الصحة خلال الأشهر الماضية بدعم من أغلب المنظمات العمالية، في مواجهة سياسة التوظيف غير المتدهورة خصوصاً في قطاع الصحة، فقد أعلنت وزارة الصحة مجدداً عن رغبتها في انتداب أعوان صحة مؤقتين للعمل بصفة تعاقدية، وحصراً في مواجهة فيروس كورونا.
يقول خير الدين، وهو أحد أعوان الصحة ممن أنهى تربصه بمستشفى في العاصمة لـ"العربي الجديد" إنّه مضطر للقبول بعمل مؤقت وبتعاقد ينتهي بعد ثلاثة أشهر، لتفادي البقاء عاطلاً من العمل، وإن عرّضه هذا العمل لخطر الإصابة بالفيروس. يضيف أنّ إصابة نحو ألف عامل طبي وشبه طبي بفيروس كورونا في أقسام عدة أثر بشكل كبير في علاج العديد من الأمراض، وهو ما دفع الوزارة إلى انتداب أعوان صحة مؤقتين.
ويقول: "ارتفاع الإصابات في تونس منذ فتح الحدود في يونيو/ حزيران الماضي وبلوغها نحو 26 ألفاً و500 إصابة، يحتاج إلى زيادة عدد الكادر الطبي وأعوان الصحة لعلاج المرضى، خصوصاً أنّ الوزارة خصصت أقساماً ومستشفيات مؤقتة للمصابين بكورونا. على صعيد آخر، يشير إلى أنّ "التعاقد قد يُمدد بعد ثلاثة أشهر من العمل في حال بقي نسق ارتفاع الإصابات متصاعداً، بالإضافة إلى أنّ أغلب المقبلين على العمل بعقود مؤقتة يأملون في الحصول على انتداب رسمي في حال تبنت مطالبهم المنظمات العمالية، لا سيما الجامعة العامة للصحة التي تدخلت أكثر من مرّة لتسوية العديد من الملفات، بما في ذلك ملف الانتدابات المؤقتة في القطاع".
يذكر أنّ أغلب المستشفيات التونسية تشكو نقصاً كبيراً في الكوادر الطبية وشبه الطبية في جميع الاختصاصات. وزادت الأمر سوءاً حدّة ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا في صفوف العاملين الطبيين. لكنّ أغلب المنظمات العمالية ترفض سياسة العقود المؤقتة التي تتبعها اليوم وزارة الصحة لانتداب أعوان في مواجهة الجائحة. وقد سبق أن عبّر الفرع الجامعي للصحة بمحافظة المهدية عن رفضه قرار وزير الصحة انتداب أعوان صحة موسميين لمواجهة كورونا، وطالب بالانتدابات الرسمية لتغطية النقص الفادح في المحافظة، مؤكداً ضرورة أن يرفض كلّ أعوان الصحة هذا القرار وعدم الاستجابة لمراسلة أو مهاتفة الإدارة الجهوية للصحة حفاظاً على صحتهم وصحة عائلاتهم، لا سيما أنّ استخلاص مستحقاتهم غير مضمون. على غرار ما حصل لمن قبلوا في السابق بالعمل وفق عقود مؤقتة.
من جهته، يقول رمضان بن عمر، المكلف بالإعلام في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لـ"العربي الجديد" إنّ الحكومات المتعاقبة "انتهجت سياسة التشغيل الهش والتعاقد المؤقت فقط لإغلاق باب الانتدابات بصفة رسمية، والتخلي عن المنتدبين الموسميين في أيّ وقت، على الرغم من أنّ تلك السياسة جعلت الحكومة تواجه آلاف التحركات الاحتجاجية سنوياً في العديد من الجهات". يتابع: "اليوم في هذا الظرف الاستثنائي تواصل الحكومة النهج نفسه في انتداب أعوان صحة بصفة مؤقتة فقط لمواجهة فيروس كورونا. وسيقع انتداب الآلاف منهم والتخلي عنهم بمجردّ انتهاء كابوس هذا الفيروس. لكنّ الحكومة ستواجه مشاكل متراكمة لحلّ معضلة التوظيف المؤقت الذي تعاني منه أغلب القطاعات".