تقاعد طوعي لاستثمار المسنين في المجتمع الصيني

05 اغسطس 2024
يحترم قرار طوعية العمل التفضيلات الفردية (ليو مينغ/ Getty)
+ الخط -

أصدرت السلطات الصينية في منتصف يوليو/ تموز الماضي قرار تحديد "الطوعية" مبدأً لرفع سن التقاعد للمرة الأولى في البلاد، وذلك في إطار معالجة الحكومة أزمة الشيخوخة ورعاية المسنين والبطالة الهيكلية التي تعني عدم توافق مهارات العمال مع الخبرات المطلوبة في سوق العمل.
ويتوقع أن يدخل القرار حيز التنفيذ مطلع العام المقبل بهدف دعم خلق فرص عمل متنوعة تناسب من تقدموا في العمر، وتعزيز توفير خدمات الرعاية الأساسية لكبار السن، وسد نقاط الضعف في خدمات رعاية المسنين في المناطق الريفية خصوصاً ممن يعانون صعوبات خاصة، من بينهم أولئك الذين يعيشون بمفردهم أو يعانون من إعاقات جسدية، وذلك في إطار استجابتها ومعالجتها لأزمة شيخوخة السكان.
وفي السنوات الأخيرة، شكل تأخير التقاعد موضوعاً ساخناً بين عامة الناس في الصين. وذكر تقرير تنمية المعاشات التقاعدية في الصين الذي صدر في نهاية العام الماضي أن سياسة تأخير التقاعد وشيكة، وقد تكون سن الـ65 النتيجة النهائية بعد التعديل الحكومي. وتُعتبر سن تقاعد منخفضة نسبياً في نظام التقاعد الحالي بالصين، إذ تتقاعد الموظفات في سن الـ50 أو 55 والموظفون الذكور في الستين. 
ومقارنة ببلدان أخرى تتمتع الصين بأحد أدنى أعمار التقاعد في العالم. ويعد نظام التقاعد الحالي إلزامياً، ما يعني أنه عندما يصل الموظف إلى سن التقاعد يجب أن يترك العمل. ورداً على سؤال "العربي الجديد" عن ميزات القرار الحكومي الجديد، تقول الباحثة الاجتماعية في معهد "غوانغ دونغ" تانغ لي إن "تحديد الطوعية مبدأ لرفع سن التقاعد للمرة الأولى في تاريخ البلاد يعكس فهماً عميقاً لإرادة الأفراد، لأن سياسة واحدة تناسب الجميع ستضر بالتأكيد بمصالح بعض الناس". تضيف: "يحترم القرار التفضيلات الفردية في مسألة التقاعد، ويتماشى بشكل موضوعي مع مجتمع متنوع تتفاوت فيه الظروف والأمزجة".

لن تعتمد الصين سياسة واحدة في التعامل مع الجميع على صعيد التقاعد من العمل (Getty)
لن تعتمد الصين سياسة واحدة في التعامل مع الجميع (Getty)

وأوضحت أن "رفع سن التقاعد لا يرغب فيه الجميع، إذ يختلف وضع كل شخص على مستوى الوظيفة أو الحالة الصحية أو ترتيبات الأسرة، مثل رعاية الأحفاد، وبالتالي يمكن تنسيق الاستمرار في العمل أو التركيز على الوقت مع الأسرة بشكل أفضل إذا كان ذلك طوعياً. وبموجب القرار الجديد إذا تمتع الموظف الذي بلغ سن التقاعد القانونية بصحة جيدة ورغب في مواصلة العمل، لا يمكن لصاحب العمل أن يرفض استمراره". وتلفت إلى أن "العديد من الموظفين يفضلون الاستمرار لأن أعباءً اجتماعية ونفسية كثيرة تنتظرهم بعد التقاعد، مثل رعاية الأحفاد في ظل انشغال الأبناء وانهماكهم في العمل. وفي المقابل يتطلع أشخاص إلى التقاعد المبكر في حال كانوا محررين من قيود الرعاية الأسرية ولديهم مبالغ مالية تساعدهم في استكمال حياتهم بعيداً عن العمل".
يقول جيانغ مينغ (58 سنة) الذي يعمل حارساً في مستشفى بالعاصمة بكين، لـ"العربي الجديد": "وفق النظام الحالي يُفترض أن أتقاعد بعد عامين، وأحصل على مكافأة نهاية الخدمة لبدء حياة جديدة لكنني أفضل أن أستمر في عملي والإفادة من تمديد سن التقاعد بموجب القرار الحكومي الجديد. لا أريد أن أتحوّل إلى مدبر منزل وراعٍ لأحفادي. لدي ثلاثة أحفاد أكبرهم في سن سبع سنوات، وطلب ابني مني أن أساعده في رعايتهم بعد التقاعد لأنه يعمل مع زوجته، ويدفعان مبالغ باهظة لمدبرة منزل تساعدهما في رعاية الأبناء".

يضيف: "سيكون الأمر مرهقاً بالنسبة إلى رجل في عمري لأنني سأكون مطالباً بأداء العديد من المهمات أبرزها إعداد الفطور واصطحاب الأحفاد إلى المدرسة، ثم استقبالهم بعد نهاية الدوام الدراسي، وأيضاً الاهتمام بملابسهم ونظافتهم ومرافقتهم إلى المتنزهات والحدائق العامة. كأن هذه الهمات وظيفة أخرى بعدد ساعات مفتوح ومن دون أي مقابل مادي". ويذكر أنه لا يحتاج إلى مال لكنه لا يرغب في مزيد من الأعباء الوظيفية، كما أن تقاعده المبكر سيجعل حياته مملة خصوصاً أنه يقضي أوقاتاً جيدة مع زملائه في العمل حالياً، وبالتالي لا يريد أن يتقاعد بعد عامين، لذا يرى أن القرار الجديد جاء في الوقت المناسب ليمنحه فرصة البقاء في الوظيفة سنوات إضافية. 
وعموماً يحتم نمط الحياة الصناعية في الصين على كلا الزوجين العمل. وهما يلجآن بسبب انشغالهما إلى ذويهما من كبار السن، سواء الأب أو الأم من طرف الزوج أو الزوجة، لمساعدتهما في رعاية الأبناء وتدبير شؤون المنزل. وفرض هذا السلوك أعباء إضافية على شريحة كبيرة من المسنين الذين يشتكون أصلاً من انعدام الرعاية الأسرية.

المساهمون