تفريغ شرق خانيونس... الاحتلال يطارد النازحين نحو الجنوب

18 نوفمبر 2023
خيام في مدارس أونروا للنازحين (سعيد خطيب/ فرانس برس)
+ الخط -

في 15 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، ألقى الاحتلال الإسرائيلي عدداً من المناشير في سماء مدينة خانيونس، وتحديداً المناطق الشرقية والغربية منها، يطلب من سكان بلدات وقرى شرق خانيونس الإخلاء السريع، متحججاً بأهداف أمنية وحرصه على سلامة المدنيين، على الرغم من استهدافه عدداً من المباني المدنية قبل إلقائها.  
ويُؤكّد عدد من سكان المناطق الشرقية في خانيونس أن النزوح كان في المناطق الشرقية منذ الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي وبشكلٍ يومي. وكان النزوح من أقصى الشرق وحتى مقدمة المناطق الشرقية، وخصوصاً منطقة بني سهيلا ومنطقة القرارة التي تفصل الحدود الغربية والشرقية من جهة شمال مدينة خانيونس، لكنه توسّع بشكل أكبر وزاد الضغط على مناطق النزوح ومراكز الإيواء في جنوب القطاع.

نزوح متكرر 

بحسب مركز الإحصاء الفلسطيني، تضم محافظة خانيونس أكثر من 420 ألف نسمة، بينما يبلغ التعداد السكاني في البلدات الشرقية مثل القرارة وبني سهيلا وخزاعة وعبسان الكبيرة وعبسان الصغيرة، والتي هددها الجيش الإسرائيلي بالإخلاء، أكثر من 130 ألف نسمة. وعرض الاحتلال الإسرائيلي عبر منصاته الناطقة بالعربية منذ أسابيع، خريطة قطاع غزة وعليها أن شمال قطاع غزة ومدينة غزة مناطق يجب النزوح منها إلى جنوب القطاع. كما بعث برسائل صوتية إلى هواتف الغزيين. وساهم القصف والمجازر في استمرار النزوح، باستثناء بعض الرافضين الذين ليس لديهم مكان ينزحون إليه. 
نزحت عائلة عماد قديح (50 عاماً) إلى منطقة بالقرب من مجمع ناصر الطبي بشكلٍ مؤقت، وبقي جميع أفراد أسرته برفقة أشقائه وعددهم 20 فرداً، ينتظرون داخل أحد المباني، حتى يجد قديح مكاناً ينزحون إليه، إذ إن جميع المدارس على مقربة من منطقة خانيونس باتت مليئة بالنازحين، وتشهد اكتظاظاً كبيراً. ففي ساحات المدارس، تضع العائلات خياماً صغيرة. 
وبعد أكثر من يومين، استطاع قديح العثور على مركز إيواء من خلال أحد أقاربه، على مقربة من مدينة حمد غرب مدينة خانيونس. ويقيم قديح في بلدة خزاعة شرق خانيونس، وكان قد نزح إلى منزل أحد أقاربه بعد القصف الذي طاول المنطقة على مقربة منه، وارتكاب الاحتلال مجزرة بحق جيرانه عائلة النجار، ما أدى إلى تضرر منزله من القصف. نزح إلى بلدة بني سهيلا الأقرب إلى شارع صلاح الدين، كما يوضح.
ويقول قديح لـ "العربي الجديد": "نزحنا أربع مرات. وفي المرة الأخيرة، وجدناً محلاً للإيجار. كنا قد نزحنا بداية إلى مرآب للسيارات في بني سهيلا، ثم إلى مبنى بالقرب منه، ثم إلى إحدى المدارس، لكننا لم نجد أي فصل فارغ أو مساحة لإقامة خيمة. مشهد التكدس مرعب". يضيف أن "غالبية العائلات الشرقية في خان يونس معتادة على النزوح والانتهاكات الإسرائيلية. كنا كمزارعين نتعرض لإطلاق نار. نزحنا خلال عدوان عام 2014 وعدوان عام 2021. وخلال العدوان الحالي، ربما نزحت كل عائلة شرقية ثلاث مرات على الأقل".

أغار الاحتلال الإسرائيلي صباح أمس على مناطق عدة في مدينة خانيونس، وطاول القصف منازل لمدنيين غرباً بمدينة حمد ووسط خانيونس، ومنزل في وسط المدينة، وراح ضحية القصف 27 شهيداً معظمهم من الأطفال بالإضافة إلى عشرات الجرحى، وقد وصلوا إلى مجمع ناصر الطبي. وتؤكد الطواقم الطبية أن معظم الضحايا والجرحى هم من النازحين الذين لجؤوا إلى تلك المناطق بعدما ادعى الاحتلال أنها آمنة.  

تكدس كبير

كانت ريهام أبو جامع (34 عاماً) إحدى اللواتي نزحن قبل يوم من القصف الإسرائيلي على مدينة حمد. كانت على مقربة من المبنى الذي قصف الاحتلال إحدى الشقق فيه. أُصيبت وطفلها يزن (4 سنوات) في الرأس نتيجة القصف. نزحت وغالبية عدد أفراد أسرتها قبل أن يتفرقوا في مناطق عدة في مدينة خانيونس.

مراكز الإيواء باتت مزدحمة (أشرف أبو عمرة/ الأناضول)
مراكز الإيواء باتت مزدحمة (أشرف أبو عمرة/ الأناضول)

تقول أبو جامع: "كنا نريد الذهاب إلى مدارس الأونروا، لكن ذلك لم يكن ممكناً في مدينة خانيونس أو رفح. ثم وجدنا مدرسة في مدينة دير البلح فيها فصلين فارغين، بعدما تواصل زوجي مع أحد أصدقائه هناك. لكن لم يكن هناك وسيلة نقل إلا عربة يجرها حمار، ولا ضمانة للوصول في ظل القصف المتواصل". تضيف أبو جامع: "يعيش سكان الشرقية أساساً مع القصف الإسرائيلي والرعب. أقيم في بلدة عبسان القريبة من الحدود. القصف شبه يومي على الأراضي الزراعية. لم نخرج لأننا من عائلة مزارعين ونعيش من الأرض ولا نريد الجوع، لكن المخطط الآن هو تدمير كل شيء في غزة. النزوح الكامل حتى حدود شارع صلاح الدين أمر مؤلم. دمر الاحتلال منزلنا عام 2014، وأعيد إعماره عام 2018، ولا أعلم إن كنا سنعود إلى منزلنا مجدداً".
إلى ذلك، يقوم صحافيون في خانيونس ورفح ودير البلح المتواجدون في مستشفيات مثل شهداء الأقصى في دير البلح ومجمع ناصر الطبي في خانيونس ومستشفى أبو يوسف النجار في مدينة رفح، بمساعدة بعض العائلات النازحة لعدم امتلاكها وسائل تواصل في ظل انقطاع شبكة الإنترنت بسبب القصف الإسرائيلي، على إيجاد مدارس وأماكن للنزوح تكون آمنة بعض الشيء.
وأمّن صحافيون أماكن لبعض العائلات في مدارس جنوب غرب مدينة خانيونس، وفي مدينة رفح، وخصوصاً النازحين من حي الجنينة وحي البرازيل، إذ يهدد الاحتلال الإسرائيلي تلك المناطق لأنها قريبة من الحدود الشرقية لمدينة رفح، وبالتالي تشهد نزوحاً.

ويستمر النزوح (مصطفى حسونة/ الأناضول)
ويستمر النزوح (مصطفى حسونة/ الأناضول)

وفي إطار الحلول المؤقتة، عمدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) إلى إقامة خيام وسط كل المدارس. لكن على أرض الواقع، أصبحت جميع المدارس تضم خياماً للنازحين في الساحات، وباتت ممتلئة. بعض سكان المنطقة الشرقية لجؤوا إلى مستشفى غزة الأوروبي الواقع بين مدينة خانيونس ورفح باتجاه الشرق على الرغم من المخاطر التي تحدق به والقصف الإسرائيلي المتواصل. يشار إلى أنه تم إنشاء المستشفى بدعم وإشراف الاتحاد الأوروبي عام 2000.
ترك أحمد موسى (35 عاماً)، وهو من بلدة بني سهيلا، شقيقه داخل المستشفى الأوروبي، ونزح مع والدته وزوجته وابنه إلى إحدى المدارس في مدينة خانيونس. والدته مصابة بمرض القلب واستطاع تأمين مكان لها داخل أحد الفصول حيث أقاربه، فيما بقي مع زوجته وابنه داخل إحدى الخيام في ساحة المدرسة القريبة من مجمع ناصر الطبي. 
يقول موسى لـ "العربي الجديد": "تعيش والدتي ظروفاً صعبة بسبب مرضها، فيما فضل شقيقي البقاء في المستشفى الأوروبي لعدم وجود أماكن للإيواء. أنا الآن قريب من المستشفى لضمان حصول والدتي على العلاج في أية لحظة. ننتقل من خطر إلى خطر أكبر، والاحتلال يريد احتلال غزة بالكامل تحت حجج واهية أمنية فقط".

يشار إلى نزوح أكثر من 1,6 مليون شخص في مختلف أنحاء قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول. وقالت أونروا إنه حتى تاريخ 16 نوفمبر الحالي، وصل أكثر من 830 ألف نازح يقيمون الآن في 154 منشأة تابعة لأونروا في كافة محافظات قطاع غزة يوم الخميس الماضي، بما في ذلك شمال قطاع غزة.
ويعيش حوالي 675 ألف نازح في 97 منشأة في مناطق الوسط وخانيونس ورفح، والأعداد تزداد يومياً، وكان ما يقرب من 160 ألف نازح يقيمون في 57 مدرسة تابعة للأونروا في منطقتي الشمال وغزة. لكن بعدما أصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي أوامر الإخلاء، أصبحت أونروا غير قادرة على الوصول إلى مراكز الإيواء لمساعدة أو حماية النازحين وليس لديها معلومات عن احتياجاتهم وظروفهم أو أعدادهم الدقيقة.
وتشير الوكالة إلى عجزها التام عن العمل، على الرغم من أنها تسلمت أكثر من 23 ألف ليتر من الوقود فقط بتاريخ 15 نوفمبر لتشغيل مركباتها فقط، وقيد الاحتلال الإسرائيلي استخدام هذا الوقود، ولم يسمح باستخدامه للاستجابة الإنسانية الشاملة، بما في ذلك المرافق الطبية ومرافق المياه أو عمل أونروا، في ظل حاجة أونروا إلى 160 ألف لتر من الوقود يومياً من أجل العمليات الإنسانية الأساسية لها والمستشفيات والمؤسسات الشريحة.

المساهمون