تركيا: طقوس رمضانية متوارثة رغم الغلاء

16 ابريل 2022
إفطار جماعي في أحد شوارع إسطنبول (صالح ذكي فازليوغلو/ الأناضول)
+ الخط -

نالَ ارتفاع الأسعار وزيادة نسبة الفقر من عادات الأتراك الرمضانية الغذائية. في الوقت نفسه، ظلّ الموروث الاجتماعي منذ العهد العثماني عصياً على الظروف المعيشية واستمر معظم الأتراك بتناقله، وإن بشكل عصري في المدن، فيما تحتفظ الأرياف والمدن الصغيرة بالطقوس القديمة، كما تقول الستينية زينب كان أوغلو. ويسعى بعض سكان المدن للعودة إلى طقوس رمضان من خلال ذهابهم إلى "يا ظلك"، وهي بيوت أقرب للطبيعة القروية، لقضاء شهر رمضان وفق طقوس زمان.
وتقول كان أوغلو لـ"العربي الجديد"، إن تزيين المنازل بالأضواء وهلال رمضان وتعطير المنازل هي عادات ما زالت مستمرة حتى اليوم في البيوت التركية. ومساء أول يوم صيام، بعد أول صلاة تراويح، يعطي الزوج زوجته خطاب ولاء يطلب من خلاله السماح ويجدد حبه لزوجته ويقدم لها هدية ثمينة. إلا أن كان أوغلو تشير إلى أن "الوضع الاقتصادي غيّر نوع الهدية التي عادة ما تكون ذهباً في مقابل خاتم أو سوار من الفضة تقدمه المرأة للرجل. وكان خاتم الفضة يوضع في كرة لحم أكلة داوود باشا أو ضمن الدولما (المحشي). إلا أن هذه العادات تراجعت حالياً".
وعن أطباق رمضان، تقول كان أوغلو إن الغلاء أثر أيضاً على أنواع الأطباق. على سبيل المثال كانت "البيدا" (فطائر) حاضرة دائماً خلال الإفطار والسحور، لكن ارتفاع سعرها هذا العام إلى 10 ليرات (نحو نصف دولار)، بدلاً من خمس خلال رمضان الماضي، أدى إلى تراجع حضورها على مائدة رمضان هذا العام. وهذا لا ينطبق على الحساء وسلطة الخضار. كما أن وجبة اللحم تعد ضرورية يومية، لكن "بحسب الوضع المادي" للعائلات.
بالإضافة إلى ما سبق، لا غنى عن الشاي والحلويات. إلا أن الوجبة الثالثة ما بين الإفطار والسحور تراجعت اليوم، وبات يستعاض عنها بالبيدا مع الشاي والحلويات كالبقلاوة والكنافة والسوتلاج.

وتلفت كان أوغلو إلى عودة موائد الرحمن إلى الساحات الكبرى والمساجد، ما يعيد الروحانيات والعادات الرمضانية بعد عامين من تفشي فيروس كورونا الجديد غابت خلالهما الموائد وصلوات التراويح، وترى أن عودة المسحراتي هي تتمة للطقس الرمضاني، قائلة: "نتبادل التهاني مع المسحراتي ونعطيه بعض الأطعمة والبقشيش (الإكرامية)".
وارتفعت تكاليف المعيشة، بحسب الاتحاد التركي لنقابات العمال، بعد ارتفاع الأسعار بنحو 8.24 في المائة على أساس شهري خلال شهر إبريل/ نيسان الجاري، لتبلغ كلفة المعيشة 6474 ألف ليرة (نحو 440 دولاراً)، في حين لا يتجاوز الحد الأدنى للأجور 4250 ليرة تركية (نحو 290 دولاراً). ولا ينكر التركي فهري ايت أثر غلاء الأسعار على بعض العادات التركية، لكنه يشير إلى "الادخار لنفقات رمضان بسبب قدسيته"، مضيفاً أن الأتراك ينتظرونه ويرفضون التنازل عن بعض العادات من أطعمة وروحانيات وتكافل اجتماعي، ويرى أن العادات الرمضانية زادت خلال العقدين الماضيين بعدما كادت تتلاشى، ويشير إلى أن المرأة في تركيا تذهب لصلاة التراويح وموائد الرحمن، كما أن بعض الأسر تعد وجبة الإفطار الخاصة بها قرب المساجد الكبرى، يتابع: "في ساحة السلطان أحمد قرب آيا صوفيا والجامع الأزرق يمكن رؤية عائلات تركية وقد أحضرت وجبات إفطارها لتتناولها قرب المساجد، عدا عن موائد الرحمن المفتوحة حتى للسياح". 

إفطار في إحدى الحدائق العامة (إرهان ديميرتاس/ Getty)
إفطار في إحدى الحدائق العامة (إرهان ديميرتاس/ Getty)

وحول تكاليف موائد الرحمن، يقول ايت لـ"العربي الجديد"، إن البلديات تتكفل بالقسم الأكبر منها، كما تأتي التبرعات من الميسورين ورجال الأعمال لتسد بقية التكاليف، معتبراً أن لتلك الموائد "دوراً اجتماعياً لأن الكثير من اللاجئين يجدون فيها ملاذاً، ويأخذ البعض وجبات بعد تناول الإفطار، وننظر برضا وحب إلى تلك التصرفات".  
ويشير إلى أن عادات دعوة الأهل والأقارب إلى المنازل لتناول الإفطار تراجعت في ظل التطور والغلاء، وباتت الدعوة تقتصر على الأبوين أو الالتقاء على موائد الرحمن خارج المنازل أو موائد جماعية قرب المساجد أو أحياناً في أماكن عامة كالحدائق والساحات.

ونتيجة للغلاء، يقول رجل الدين خليل يلماظ لـ"العربي الجديد"، إنّ بعض العادات الرمضانية العثمانية تغيرت. في الماضي، اشتهرت عادة "أجرة الأسنان"، وهي دعوة الأغنياء للفقراء خلال شهر الصوم لتناول الإفطار وإعطائهم أكياساً فيها هدايا وأموال (تختلف عن الموائد العامة وموائد قصور السلاطين)، لكنها لم تعد موجودة اليوم. إلا أن عادة "دفتر الذمة"، أي تسديد ديون الفقراء لدى أصحاب المحال، ما زالت موجودة، وإن تراجعت قليلاً.
يضيف يلماظ أن عادة "دروس السلام والطمأنينة" الدينية تراجعت، كما تلاشت عادة "خروج الجرة"، وهي إرسال أطفال إلى مراكز تعليمية لزيادة معارفهم، وخصوصاً تلك الدينية، ويوضح أنه في الماضي، وفي محاولة للتصدي لجشع البعض ورفع الأسعار، كما هو الحال اليوم، كانت هناك عادة "دفتر النرخ" وتحدد خلالها أسعار أهم احتياجات الأسر الرمضانية، ويمنع على الباعة زيادة الأسعار عما هو محدد في الدفتر. 

الطعام متوفر للأشخاص الأكثر حاجة (صالح ذكي فازليوغلو/ الأناضول)
الطعام متوفر للأشخاص الأكثر حاجة (صالح ذكي فازليوغلو/ الأناضول)

ويختم يلماظ حديثه قائلاً إن بلاده اتجهت منذ سنوات إلى تقديم مساعدات إلى الخارج خلال شهر رمضان، وهي من العادات العثمانية أيضاً، فترسل عبر هيئة الإغاثة "إي ها ها" وغيرها من المنظمات غير الحكومية مساعدات غذائية للدول الفقيرة والنازحين والمشردين. وكانت تركيا قد أعلنت في اليوم الأول من رمضان عن إرسال سفينة "الخير" التركية المحملة بـ960 طناً من المساعدات الغذائية إلى مرفأ مدينة طرابلس، شمالي لبنان، مخصصة للمحتاجين، و30 طناً من المساعدات الغذائية إلى باكستان، وتنظيم مأدبة إفطار جماعي (موائد الرحمن) في لاهور بالتزامن مع يوم اليتيم العالمي الذي يصادف في منتصف شهر رمضان، بحسب رئيس وفد الهلال الأحمر التركي في باكستان إبراهيم كارلوس جاميلو.
كما أعلن "الوقف التركي" عن مساعدات تتعلق بإيواء سوريين وأخرى ذائية لشمال غرب سورية، بالإضافة إلى افتتاح 15 بئراً في بنين (محافظة إدلب)، خلال شهر رمضان، حسب مسؤول الوقف في بنين أحمد حمدي يمن أوغلو.

المساهمون