لم يغادر مشهد الأسير الفلسطيني المحرر نبيل الرجوب (40 عاماً) عقب الإفراج عنه من سجون الاحتلال الإسرائيلي في 14 الشهر الجاري، وإلقائه على الأرض عند حاجز الظاهرية العسكري جنوب الضفة الغربية، أذهان الفلسطينيين. وانتشر فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي بدا فيه يعاني من انهيار عصبي على الطريق، وقد التقطت المشهد عدسات هواتف العمال الفلسطينيين في المكان.
والرجوب الذي يتحدر من قرية الكوم جنوب الخليل أب لثلاثة أطفال، حاصل على درجة الماجستير في الشريعة الإسلامية، ويعمل مدرساً في مدرسة المجدل الثانوية في بلدة إذنا غرب الخليل. ولم يكن يعاني من أية مشاكل صحية أو نفسية كما ظهر عقب الإفراج عنه مؤخراً، بعد قضائه ثمانية أشهر في سجن مجدو، حيث وضع في العزل الانفرادي لمدة 10 أيام قبل أن يفرج عنه. وفي الوقت الحالي، تقول عائلته إنه في إجازة بسبب ظروفه النفسية والصحية.
ويقول الشقيق الأصغر للمحرّر أحمد الرجوب (32 عاماً) لـ "العربي الجديد": "قبل نحو عشر سنوات، اعتقلت قوات الاحتلال نبيل لمدة ثمانية عشر شهراً. وعقب الإفراج عنه، لاحظنا أنه يعاني من النسيان، وقد عولج لدى أحد الأطباء النفسيين لمدة شهر واستعاد عافيته"، لافتاً إلى أنه "لم يكن يستطيع التعرف إلا على بعض أفراد الأسرة".
ويعاني الرجوب انهياراً عصبياً من جراء العزل الانفرادي وقسوة تجربة الاعتقال الأخيرة. وقضى، كما أكدت عائلته، نحو أسبوع في العزل. ولم تتمكن عائلته من زيارته خلال ثمانية أشهر بحجة تداعيات فيروس كورونا، ومنعت إدارة سجون الاحتلال المحامين من التواصل معه، أو إعلام عائلته بأي معلومات عن حالته النفسية أو ظروف اعتقاله.
ويوضح أحمد: "كانت صدمتنا كبيرة عندما رأينا نبيل في هذه الحالة، وخصوصاً عندما توجهت إلى الحاجز لاستقباله بعد الاعتقال. وبعدما توجهنا إلى مستشفى الخليل الحكومي لعلاجه لمدة ثلاثة أيام، حاولنا جاهدين تثبيته على السرير ولم نستطع. كان يتعمد إسقاط نفسه على الأرض. ثم عدنا إلى المنزل بعدها بتوجيه من الطبيب، إذ إن نبيل كان يظن أن غرفة المستشفى هي الزنزانة، كونه يُمنع على المرضى الاختلاط بالكثير من الناس والمراجعين. ومن الأفضل بحسب الطبيب أن يختلط بالناس ويرى تفاصيل الحياة اليومية ليتحسن قليلاً".
يُتابع أحمد: "كنت أضع له منشفة مبللة بالمياه على رأسه. وإذا ما غبت عنه قليلاً أعود إليه لأراه وقد غطى بها عينيه. ربما كان السجانون يفعلون به الأمر نفسه. لا نعلم حتى الآن ما الذي حصل معه داخل سجون الاحتلال".
يعاني الرجوب من النسيان، وعدم القدرة على التعرف على بعض أفراد عائلته. وانتشر مقطع فيديو يظهر أنه كان يجد صعوبة في التعرف على والدته المسنة سارة الرجوب (63 عاماً). "في بعض لحظات اليقظة، أخبرنا أنه على الرغم من تعرّضه للاعتقال الإداري الذي لا يتعرض فيه المعتقلون غالباً للمحاكمة ولا توجه لهم تهمة، كان يخضع لجلسات تحقيق وعزل، أي أنه تم عزله أكثر من أسبوع ولا يعلم الأهل ولا المحامون عن الأمر، لانتزاع اعترافات معينة من المعتقلين ومن بينهم نبيل"، يقول أحمد. ويُذكر مشهد نبيل الرجوب بآخر مماثل عاشه الفلسطينيون قبل حوالي ثمانية أشهر، حينما أفرجت سلطات الاحتلال عن الأسير منصور الشحاتيت من مدينة دورا، وقد خرج من الأسر في حالة نفسية صعبة أيضاً.
ويقول نائب رئيس نادي الأسير الفلسطيني عبد الله الزغاري لـ "العربي الجديد": "يخضع الأسرى بعد تحريرهم للعلاج في المستشفيات الفلسطينية من الناحيتين الجسدية والنفسية بسبب تبعات الاعتقال. وفي حال عدم توفر علاج معين لأحد الأسرى، يحول إلى مستشفيات أُخرى حتى لو كانت في الخارج". ويوضح أنّ هناك تحركا قانونيا ليس جديداً يتعلق باستصدار الملف الطبي لكل أسير تعرض لتجربة مرضية صعبة ربما تكون قد أودت بحياته وأدت لاستشهاد بعض الأسرى داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي. وهناك متابعة قانونية للحصول على التفاصيل الطبية الكاملة من خلال المحامين، وتوثيق كل ما تعرض له الأسير بما يشمل شهادات الأسرى الآخرين، من أجل طرح قضية الأسرى ضمن مباحثات في محاكم دولية في فترة لاحقة، في ظل إنغلاق الأفق السياسي الدولي أمام السلطة الفلسطينية".
يضيف: "لدى الجهات القانونية في نادي الأسير الفلسطيني وهيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية، العديد من الشهادات والملفات الموثقة حول حجم الجرائم التي ارتكبت بحق الأسرى في سجون الاحتلال، من دون استكمال أي ملف لأي أسير حتى الآن، أو النجاح في ملاحقة ضباط وسجانين إسرائيليين".