لقي 28 عاملاً مصرعهم بمدينة طنجة، شمالي المغرب، الإثنين، إثر تعرضهم لصعقة كهربائية ناتجة عن غمر مياه فيضانات لآليات المصنع غير القانوني الذي يعملون فيه، في حين تم إنقاذ 10 آخرين، وتمكنت الشرطة، مساء الإثنين، من القبض على صاحب المصنع، في سياق التحقيقات لتحديد المسؤوليات عن الحادث المفجع.
وقالت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، إنّ الفيضانات الناتجة عن الأمطار غمرت آليات العمل الكهربائية الموجودة في طابق تحت الأرض، ما تسبب في حدوث "ماس" كهربائي نتجت عنه وفاة العمال صعقا.
وكشفت السلطات المحلية لولاية جهة طنجة- تطوان- الحسيمة، أن الواقعة تتعلق بوحدة صناعية غير مرخصة للنسيج كائنة في مرأب تحت الأرض بفيلا سكنية عرفت، صباح الإثنين، تسرباً لمياه الأمطار، ما تسبب في محاصرة عدد من الأشخاص الذين كانوا يعملون بداخلها. وأفادت بأنّ مصالح الوقاية المدنية تمكّنت من إنقاذ 10 أشخاص، نقلوا إلى المستشفى الجهوي لتلقي الإسعافات الضرورية. فيما تستمر عمليات البحث لإنقاذ بقية الأشخاص المحاصرين.
في غضون ذلك، طالب أعضاء من الأغلبية والمعارضة بمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي)، خلال جلسة الأسئلة الأسبوعية لمراقبة عمل الحكومة، بفتح تحقيق متكامل، معتبرين أن العمال هم "ضحايا لقمة العيش في قطاع غير مهيكل، وسياسة اقتصادية غير موفقة".
وسادت أجواء من الحزن والغضب بين أهالي الضحايا الذين هرع عدد منهم إلى مكان الحادث، وقال شقيق أحد عمال الشركة الذين تم إنقاذهم، لـ"العربي الجديد"، إن "من يتجول في أحياء طنجة السكنية سيلاحظ العديد من ورشات النسيج أسفل العمارات والفيلات، والتي يشتغل فيها مئات الأشخاص في مساحات ضيقة لا تحترم أدنى شروط السلامة. هناك أسئلة عدة تثار حول عدم تحرك السلطات قبل وقوع الكارثة".
وأوضح أن "حصيلة الضحايا مرتفعة لأن المصنع يضم أكثر من 130 عاملا تراوح أعمارهم بين عشرين وخمسين سنة، كما تأخرت عمليات الإنقاذ، والعديد من أقارب العمال ما زالوا يجهلون مصير ذويهم".
وبينما أعلنت السلطات فتح تحقيق تحت إشراف النيابة العامة، للكشف عن ظروف وحيثيات الحادث، وتحديد المسؤوليات، أعادت الواقعة إلى الأذهان حوادث سابقة ذهب ضحيتها العديد من العمال نتيجة عدم الالتزام بمعايير السلامة في المنشآت الصناعية، وعدم مطابقتها لشروط الترخيص بمزاولة عملها.
من جهته، اعتبر الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل (اتحاد عمالي)، علي لطفي، أن ما حدث يدق ناقوس الخطر بشأن استهتار وزارة الشغل والاندماج المهني بحقوق وأرواح الآلاف من العمال، رغم أن المسؤولية تقع على عاتقها في ما يخص مراقبة المصانع غير القانونية المنتشرة في العديد من المدن الكبرى. وأوضح لـ"العربي الجديد"، أن "مصرع 26 عاملا يقتضي تقديم وزير الشغل والاندماج المهني لاستقالته، لأن ما حدث لا يمكن أن يمر مرور الكرام، ويقتضي أن يتحمل مسؤوليته في مراقبة ظروف العمل المتعلقة بالصحة المهنية".
وأضاف لطفي أن "هناك استغلالا بشعا لليد العاملة واستهتارا بأرواحهم في المعامل والمصانع، وكذا الورشات الزراعية التي تعرف استغلالا لعاملات يشتغلن في ظروف صعبة ومحفوفة بالمخاطر نتيجة استعمال مواد كيماوية خطيرة".
وطالب مرصد الشمال لحقوق الإنسان، بالتوقيف الفوري للمسؤولين الإداريين، وعلى رأسهم والي جهة طنجة تطوان الحسيمة، وفتح تحقيق مع جميع الجهات ذات العلاقة، بما في ذلك السلطات المحلية والجماعة الحضرية، والشركة الإسبانية المكلفة بتدبير قطاع الماء والكهرباء والتطهير في المدينة، وأكد المرصد الحقوقي في بيان، أن "مسؤولية السلطات المحلية واضحة، إذ كيف يمكن لعشرات العمال والعاملات أن يعملوا لسنوات في مرآب بناية سكنية وسط حي سكني من دون انتباه السلطات، وكيف يمكن لوحدة صناعية قائمة في مرآب فيلا سكنية الحصول على التيار الكهربائي من دون الحصول على الرخص من السلطات المختصة، والتي تكون بناء على تقرير لقطاعات الوقاية المدنية ومكتب حفظ الصحة والسلطات المحلية".
وكان المغرب قد عرف في السنوات الأخيرة تكرار حوادث مميتة في منشآت صناعية، من أبرزها أحداث مصنع "روزامور" بالدار البيضاء، في 26 إبريل/ نيسان 2008، وأدت إلى مقتل 56 عاملاً وجرح 17 آخرين، إثر حريق شب في المصنع، نتيجة المواد السريعة الاشتعال التي يستعملها المصنع من إسفنج وخشب وجلد ومواد كيميائية.
وقال مصدر مسؤول إن التساقطات المطرية القياسية التي عرفتها المدينة، صباح اليوم، أدت إلى غرق عدد من الأحياء، وحدوث شلل كبير في الحركة، مع توقف اضطراري للدراسة في بعض المؤسسات التعليمية بالمدينة بسبب دخول المياه إلى الفصول.