دخل الاحتقان بقطاع التعليم في المغرب منعطفاً مفصلياً، بعد أن قررت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة الاستعانة بسلاح التوقيفات المؤقتة عن العمل وتوقيف الأجور، في مواجهة الأساتذة الذين يقودون حراكاً تعليمياً منذ الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لإسقاط النظام الأساسي الجديد لموظفي القطاع ولتحقيق مطالبهم بتحسين أوضاعهم.
وتوصل، اليوم الجمعة، عشرات الأساتذة، من بينهم أعضاء في المجلس الوطني لـ"التنسيقية الوطنية لأساتذة التعليم الثانوي التأهيلي"، يعملون في المديريات الإقليمية بمكناس وخريبكة وخنيفرة والدار البيضاء وفاس وإفران وسطات والجديدة والصويرة والحاجب، بقرارات التوقيف المؤقت عن العمل، وفق ما كشفت مصادر من التنسيقية لـ"العربي الجديد"، في وقت ينتظر أن تشمل القرارات أساتذة آخرين خلال الساعات القادمة.
أساتذة المغرب يتوصلون بقرارات توقيف
وجاءت التوقيفات بعد دعوة وزير التربية الوطنية شكيب بنموسى مديري الأكاديميات الجهوية والمديريات الإقليمية إلى التعامل بالحزم والصرامة اللازمتين بتنسيق مع السلطات المحلية مع السلوكيات المعيقة لسير الدراسة.
وشدّد الوزير المغربي في مذكرة وجهها إلى مسؤولي الأكاديميات الجهوية والمديرين الإقليميين على ضرورة اتخاذ جميع الإجراءات التي تُتيحها المقتضيات التنظيمية والقانونية الجاري بها العمل، للتصدي لكل الأفعال والسلوكيات التي تعوق سير المرفق التربوي العمومي، والحرص على سيادة الضوابط التربوية والإدارية داخل مؤسسات التربية والتعليم العمومي، وعدم التساهل مع أية ممارسة من هذا القبيل.
ولفتت المذكرة إلى أن هذا الحزم يهدف لتأمين زمن التعلم وإنجاز الحصص الدراسية بجميع المؤسسات التعليمية، ولتفادي كل الصعوبات والتصرفات التي من شأنها عرقلة السير العادي للدراسة بمؤسسات التربية والتعليم العمومي، باعتبارها مرفقا عموميا، سواء تعلق الأمر بعدم تمكين التلميذات والتلاميذ من ولوج الفصول الدراسية أو بإخراجهم منها، أو بالحيلولة دون التحاق أطر هيئة التدريس والإدارة بالمؤسسات التعليمية لمنعهم من تأدية واجبهم المهني.
من جهة أخرى، شدّد بنموسى على العمل الذي قامت به الحكومة والوزارة من أجل الارتقاء بالأوضاع المادية والمهنية لنساء ورجال التعليم، من خلال الاستجابة لمختلف الملفات المطلبية المتعلقة بمختلف الأطر التربوية والإدارية العاملة بالقطاع، إذ جرى إقرار زيادة عامة مهمة في الأجور، والعمل على مراجعة شاملة لمضامين النظام الأساسي.
بالمقابل، وصف عضو لجنة الإعلام في "التنسيقية الوطنية للأساتذة وأطر الدعم الذين فرض عليهم التعاقد" (إحدى التنسيقيات التي تخوض منذ الخامس من أكتوبر الماضي إضرابات أسبوعية عن العمل مصحوبة بوقفات ومسيرات احتجاجية) مصطفى الكهمة، قرارات التوقيف الصادرة في حق عدد من الأساتذة بـ"التعسفية"، وبأنها "خارج القانون".
وأضاف موضحاً: "هذه التوقيفات المؤقتة عن العمل لو كانت ذات مشروعية لكانت الوزارة قد لجأت إليها في المراحل الأولى للحراك التعليمي في المغرب. وهي حين تلجأ إليها اليوم، فإنها دليل على أنها وصلت إلى مستوى عدم قدرتها على إقناع الشغيلة التعليمية بالعودة إلى الفصول الدراسية".
وقال الكهمة لـ"العربي الجديد": "بعد فشل الوزارة والحكومة في الاستجابة للمطالب العادلة والمشروعة للنساء ورجال التعليم، ولجوئها إلى مناورة الحوارات المغشوشة للتمويه بالاستجابة لتلك المطالب، وتسخير البيروقراطيات النقابية من أجل العمل على إرجاع الأساتذة إلى الفصول من خلال التعبئة المضادة، انتقلت الآن إلى شنّ حملة من التوقيفات التعسفية في حق الأساتذة على المستوى الوطني من أجل ترهيبهم، والعمل على تحوير المعركة النضالية من المطالبة بتحقيق مطالبهم إلى المطالبة بالتراجع عن تلك التوقيفات وإلغائها".
وتابع: "السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح اليوم هو كيف ستعمل الوزارة على تعويض الزمن المدرسي المهدور، وهي تقوم بإصدار توقيفات بالجملة في حق الأساتذة المعنيين باستدراكه وفق الخطة التي كانت قد أعلنت قبل أيام عنها. إنه وضع لا يمكن أن يتقبله عاقل، لكنه يثبت عدم حرص الوزارة الوصية على القطاع على مصلحة التلاميذ، وسوء نيتها تجاه الأساتذة بعد مرورها إلى السرعة القصوى بترهيبهم، بعد أن طالبوا بحقهم العادل والمشروع في وظيفة قارة وظروف عمل حسنة".
من جهته، عبّر التنسيق الوطني للتعليم عن استنكاره هذه القرارات وعن استعداده لخوض كل الأشكال النضالية التصعيدية والمساندة الفعلية لكل الأساتذة المعنيين بالتوقيفات، بتنسيق مع التنسيقيات الميدانية.
واعتبر التنسيق، في بيان له صدر اليوم، قرارات التوقيف المؤقت عن العمل الصادرة في حق العديد من المضربين "دليلاً على حالة التخبط والعشوائية التي تعيشها الحكومة، ومعها وزارة التربية الوطنية، وفشلهما الذريع في تدبير المرحلة وإخماد وتيرة الاحتقان".
وأكد أن "الأزمة وجب التعامل معها بجدية وبحكمة، وليس بفرض أساليب الزجر التي تبين أن الوزارة تفتقد للتدبير الإداري والتشريعي والتربوي الذي عبر عنه العديد من المسؤولين الإقليميين والجهويين الذين يجتهدون بدون سند قانوني في تعاملهم مع الشغيلة التعليمية خلال الإضرابات كحق دستوري".
ويخوض آلاف الأساتذة في المغرب منذ الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي إضرابات ووقفات ومسيرات واعتصامات احتجاجية، مطالبين بإسقاط النظام الأساسي الجديد لموظفي قطاع التعليم، ومعبرين عن رفضهم لاتفاق 10 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، بين الحكومة والنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية، والذي كان من أهم مخرجاته زيادة 1500 درهم (نحو 150 دولاراً) في أجور موظفي التعليم.
ولم ينجح توقيع اللجنة الوزارية الثلاثية والنقابات الخمس الأكثر تمثيلية اتفاق 26 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وجلسات وضع اللمسات الأخيرة على الصيغة النهائية للنظام الأساسي الجديد التي انطلقت أول من أمس الثلاثاء، في نزع فتيل الاحتقان والغضب، ودفع آلاف الأساتذة إلى العدول عن مواصلة الإضرابات والاحتجاجات الأسبوعية منذ ما يقارب ثلاثة أشهر، والتي كان آخرها تنظيم مسيرة حاشدة أمس الخميس بالرباط.