المجتمع والحرب يضاعفان تسرّب الفتيات من التعليم في اليمن

17 فبراير 2024
يعكس تسرّب الفتيات من التعليم وضعاً اجتماعياً واقتصادياً متدنياً (العربي الجديد)
+ الخط -

تزداد ظاهرة تسرّب الفتيات من التعليم في اليمن وتتعدد أسباب هذا الأمر، إذ يرتبط بالعديد من العناوين مثل الحرب، والفقر، ووجود المدارس القريبة، والعادات الاجتماعية الرجعية، الأمر الذي يتسبب بخسائر لا تقدّر بثمن.

تشعر شيماء كل صباح بحسرة من رؤية طلاب وطالبات يتوجهون إلى المدارس، في حين اضطرت للتوقف عن الدراسة في الصف العاشر فقط بعدما مُنعت من ذلك بحجة الاستعداد للزواج. تقول لـ"العربي الجديد": "حين أنهيت الصف العاشر تقدم شخص لخطبتي، ومُنعت من إكمال دراستي وتزوجت بعد عام من الخطوبة، ثم انشغلت بالإنجاب وتربية الأطفال،. كنت أرغب في إكمال دراستي، لكن زوجي رفض ذلك بحجة أنه يجب أن أهتم بتربية الأطفال". تضيف: "أصبحت العادة أن تتزوج الأنثى وتمنع من إكمال دراستها بضغط من الأسرة غالباً، علماً أن هذا الأمر يرتبط أيضاً بالخوف من شبح العنوسة، في حين يندر إيجاد أزواج متفهمين يسمحون بمواصلة زوجاتهم التعليم، والجمع بين الزواج والدراسة". 
تشبه قصة شيماء عشرات آلاف الفتيات في المجتمع اليمني الذي تزداد فيه ظاهرة تسرّب الفتيات من التعليم، خاصة في الصفوف الدراسية العليا، إذ يتم سحب الفتيات من التعليم فور أن يصبحن قادرات على القراءة والكتابة، لتصبح مهمتهن الأولى الاهتمام بالأسرة وتربية الأطفال. تتعدد أسباب تسرّب الفتيات من التعليم في اليمن بين اجتماعية واقتصادية، ما جعل الظاهرة تزداد في شكل غير مسبوق منذ اندلاع الحرب عام 2015 التي دمّرت عدداً كبيراً من المدارس كلياً أو جزئياً، وحوّلت أخرى إلى ثكنات عسكرية لأطراف النزاع، ما عطّل التعليم فيها. 
وكان تقرير سابق أصدرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) قد ذكر أن 2916 مدرسة دُمّرت (واحدة على الأقل بين كل 4 مدارس) أو تضررت جزئياً، أو استخدمت لأغراض غير تعليمية. وفيما تسببت الحرب في اليمن بنزوح مئات آلاف الأسر إلى محافظات أخرى أو إلى خارج البلاد، زادت معدلات تسرّب الفتيات من التعليم في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة وقطع الرواتب وفرص العمل وارتفاع الأسعار، وانهيار قيمة العملة الوطنية وتدني القيمة الشرائية للريال اليمني.

تقول خولة التي أوقفت دراستها في الصف الثامن، لـ"العربي الجديد": "نزحت أسرتي مع بدء الحرب من عدن إلى ريف تعز، وكنت في الصف الثامن حينها، وكانت المدرسة بعيدة عن منزلنا في القرية. وقد تركت الدراسة لأن أبي كان بلا عمل، وغير قادر على تأمين نفقات دراستنا، خصوصاً أننا ست بنات تركنا كلنا الدراسة التي أكملها صبيان فقط". وإلى التأثيرات السلبية للحرب يعتبر الزواج المبكر من أبرز أسباب تسرّب الفتيات من التعليم في اليمن، إذ ترى معظم الأسر، خاصة تلك التي تسكن في الأرياف، أن الزواج أهم للفتاة من التعليم، ما يجعل معظم الأزواج يمنعون زوجاتهم من إكمال تعليمهن ويحملنهن مسؤولية تربية الأطفال والاهتمام بهم. أيضاً تحارب الأعراف الاجتماعية في اليمن تعليم الفتاة من خلال أمثال شعبية تؤسس لمفاهيم خاطئة، مثل المثل الشعبي القائل "المرأة ما لها إلا زوجها" الذي جعل الزواج يمنع إكمال الفتيات التعليم خاصة في الأرياف.

يجب أن تتضافر الجهود لمواصلة تعليم الفتيات في كل المراحل (أحمد الباشا/ فرانس برس)
يجب أن تتضافر الجهود لمواصلة تعليم الفتيات في كل المراحل (أحمد الباشا/ فرانس برس)

عقلية تقليدية

من جهتها، تتحسر سلوى (19 عاماً) على العمر الذي فقدته من دون تعليم، وتقول لـ"العربي الجديد": "يعتقد الآباء في قريتنا أنه من المعيب أن تدرس الفتاة لذا لم يُلحقني أبي بالمدرسة، وحين كبرت شعرت بأسى لأنني لا أعرف القراءة والكتابة، وتمنيت قراءة القرآن الكريم، لذا التحقت بدروس محو الأميّة في المسجد، كي أتعلم القراءة والكتابة، لكنني لا أزال أشعر بندم حين أرى فتيات بعمري عائدات من المدرسة أو الجامعة". أيضاً ترفض العقلية التقليدية لمعظم أبناء المجتمع اليمني تعليم الفتيات في مدارس مختلطة. وبسبب قلة المدارس الخاصة بالبنات يمنع معظم أرباب البيوت البنات من إكمال تعليمهن في مدارس مختلطة. وتقول المعلمة سميرة الشرعبي لـ"العربي الجديد": "تكاد نسبة تسرّب الفتيات من التعليم في المدن أن تكون أقل منها في الأرياف بسبب وجود مدارس خاصة بالبنات. والخوف من الاختلاط يدفع أولياء الأمور إلى منع البنات من إكمال التعليم".

تأثيرات الوضع المعيشي

يشكل ارتفاع تكاليف الرسوم الدراسية أحد أسباب عزوف الأسر عن تدريس الفتيات. ويقول عبد الرحمن القاضي، وهو رب أسرة، لـ"العربي الجديد": لدي ولد وثلاث بنات. مع بداية الحرب نزحت من صنعاء إلى تعز حيث لم تتواجد مدرسة حكومية في المنطقة التي أقمت فيها، بل مدارس خاصة عدة. ونتيجة ارتفاع الرسوم الدراسية سجلت الولد فقط، لأن مستقبل البنات هو الزواج، وهن لا يحتجن للدراسة مثل الذكور". من جهته، يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز، الدكتور محمود البكاري، لـ"العربي الجديد": "أصبح التسرّب من التعليم مشكلة كبيرة في اليمن بسبب الحرب وتدهور الوضع المعيشي للمواطنين. في بعض الحالات يكتفي رب الأسرة بتعليم الذكور فقط، علماً أن التسرّب يرتبط أيضاً بظواهر أخرى منها عمالة الأطفال والتسوّل وجنوح الأحداث". يُضيف: "يعكس تسرّب الفتيات تحديداً من التعليم وضعاً اجتماعياً واقتصادياً متدنياً، في حين أن العكس صحيح، إذ يمكن أن يشير تعليم الفتاة إلى وضع اجتماعي واقتصادي مستقر ومشجع، خاصة في المناطق الريفية حيث ما زالت نسبة الأميّة مرتفعة بين النساء. وتعقّد الظاهرة المشكلة وتزيد تفاقمها، على غرار الزواج المبكر الذي ينظر إليه كقيمة وميزة اجتماعية، لكنه فعلياً أحد أهم عوامل التسرّب من التعليم".

تتعرض الفتيات لخطر الزواج المبكر حين يخرجن من المدرسة (أحمد الباشا/ فرانس برس)
تتعرض الفتيات لخطر الزواج المبكر حين يخرجن من المدرسة (أحمد الباشا/ فرانس برس)

برامج "يونيسف"

يقول ممثل "يونيسف" في اليمن بيتر هاوكنز لـ"العربي الجديد": "يواجه اليمن أزمة تعرض الأطفال عموماً لاضطرابات في التعليم، والذي يشمل خطر الزواج في سن مبكرة بالنسبة إلى الفتيات اللواتي يتواجدن خارج المدارس. وانطلاقاً من حقيقة أن عرقلة تعليم الأطفال يؤثر في نموهم المعرفي والعاطفي وصحتهم العقلية، تدعم يونيسف نظام التعليم في اليمن عبر تنفيذ برامج تسمح بالتحاق 1.4 مليون طفل بالمدارس، وبينها إعادة تأهيل منشآت تعليم، وتوزيع مواد تعليمية وتدريب معلمين ومنحهم حوافز لهم، وتوفير دعم نفسي واجتماعي للأطفال النازحين". ويشير هاوكنز إلى أن "نحو 2.7 مليون فتاة وفتى في سن الدراسة في اليمن هم خارج المدرسة الآن (1.4 مليون فتى و1.2 مليون فتاة) بسبب الفقر والصراع ونقص فرص التعلم، وهذا العدد أكثر من ضعف العدد الذي كان عام 2015 (890 ألفاً)".

دور الحكومة

تحصي وزارة التربية والتعليم في عدن 8.6 ملايين طفل في سن الدراسة (من 5 سنوات إلى 15 سنة)، وتشير إلى أن عدد الطلاب المسجلين في التعليم يبلغ 5.9 ملايين، في حين يبلغ العدد التقديري للأطفال الذين لا يذهبون إلى المدارس نحو 2.6 مليون، وإجمالي الأطفال النازحين في سن الدراسة 1.4 مليون. ويتمثل دور الجهات الحكومية في محاولة الحدّ من ظاهرة تسرّب الفتيات من التعليم من خلال تنفيذ برامج لتوعية الأسر من خطورة ظاهرة التسرّب من التعليم للفتيات ضمن برامج المساحات الصديقة والآمنة، وأندية التوعية المجتمعية، في حين يطالب نشطاء الحكومة بوضع قوانين وتشريعات خاصة بإلزامية ومجانية التعليم، والتركيز على بناء مدارس خاصة بالفتيات، تحديداً  في المناطق الريفية، ودعم البرامج الخاصة بتعليم الفتيات.

نشر الوعي

تقول رئيسة اللجنة الوطنية للمرأة، الدكتورة شفيقة سعيد، لـ"العربي الجديد" إن "الوضع الاقتصادي الذي يمر به اليمن، وانخفاض معدل دخل الأسر نتيجة الأزمة والصراع المسلح في البلاد، من أهم أسباب تسرّب الفتيات من التعليم، إضافة إلى ارتفاع نسبة عمالة الأطفال الذي يجبر الفتيات على الخروج للعمل وترك الدراسة وتحمّل أعباء المنزل، وأيضاً الزواج المبكر والقسري الذي ينتشر في شكل كبير حتى في المدن". وتشير إلى أن "اللجنة الوطنية للمرأة تحاول نشر الوعي بأهمية التعليم، ووضع برامج وخطط للقضاء على ظاهرة تسرّب الفتيات، وإيجاد حلول تمهيداً لرفعها إلى صانعي القرار من أجل تبنيها كاستراتيجيات تنفذ بالتنسيق مع الجهات المختصة". وتتحدث عن وضع برامج لتشجيع عودة فتيات سلكن درب التسرّب من التعليم من خلال تعزيز دور جهاز تعليم الكبار، ومحو الأميّة، والتنسيق مع الجهات المختصة والمنظمات المانحة والدولية ومؤسسات ومنظمات المجتمع المدني لمنع التسرّب، وضمان استمرار تعليم الفتيات في كل المراحل.

المساهمون