بمجرد أن تبدأ تلك الطائرة الصغيرة بالتحليق، ويُسمع صوتها في سماء قطاع غزة، تنقبض القلوب وتشخص الأبصار إلى السماء لمتابعة "الزنانة"؛ وهو الاسم الذي يطلقه الغزيون على طائرة الاستطلاع المسيرة التي يستخدمها الاحتلال في تصوير المناطق، والتي تسبب معاناة إضافية للغزّيّين.
تواصل الزنانة التحليق في سماء القطاع ليل نهار منذ بداية العدوان من أجل التصوير والتدقيق، وهي معروفة جيداً بصوتها المزعج الذي اعتاده الجميع، حتى الأطفال. تقول مروة صلاح (35 سنة) لـ"العربي الجديد": "الحرب والقتل والدمار والتهجير كوم، والزنانة كوم ثاني، فصوتها يتسبب في انتفاض جسدي، وقد أصبحت مرافقة لنا منذ بداية الحرب، وطفالي لا يستطيعون تحمل صوتها المزعج".
وتؤكد صلاح التي نزحت من بلدة بيت لاهيا في شمالي القطاع إلى ساحة مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح (وسط): "كل من يتواجد في المنطقة التي تحلق فيها تلك الطائرة لا يملك سوى مراقبتها طوال تواجدها في السماء، فهي نذير شؤم على المواطنين، خاصة النازحين الذين تركوا بيوتهم ومناطقهم بحثاً عن الأمان، ووجودها ينذر بخطر محدق، فبعد رصدها للمنطقة تتعرض المنازل للقصف. أحاول إشغال أطفالي خلال تحليق الزنانة حتى لا يخافوا من صوتها المزعج الذي يرعبهم مع ارتباط وجودها بالقصف في أذهانهم".
ويصف أحمد عبد الكريم (42 سنة) من مخيم النصيرات في وسط قطاع غزة، صوت الزنانة بأنه أصعب من صوت الصواريخ، "فهي لا تتوقف عن إصدار تلك الزنة المزعجة التي ترافق تحليقها الذي ينذر باقتراب الخطر. يربط المواطنون تحليق الزنانة بقرب وصول الطائرات الحربية التي تستهدف الأشخاص والمنازل بصواريخ القتل والدمار، والتي لا تفرق بين صغير وكبير".
ويتابع: "منذ بداية الحرب، لا يتوقف تحليق الزنانات من الصباح الباكر حتى منتصف الليل، وأصبحنا على ثقة بأن صوتها المزعج لن يختفي إلا بانتهاء الحرب على قطاع غزة. ونتمنى أن تتوقف قريباً آلة القتل ويعود الأمن إلى القطاع المكلوم بفقدان آلاف الشهداء وإصابة عشرات الآلاف".
لا يتوقف تحليق الزنانة في سماء قطاع غزة منذ بداية العدوان الإسرائيلي
وترى إيمان جمعة (38 سنة) من مدينة رفح جنوبي القطاع، أن "صوت الزنانة يشكل مصدر ضغط وإزعاج كبيرين منذ بدء الحرب، والتوتر أصبح ملازماً لها، كما أن المسكنات لا تخفف من آثار الصداع الناجم عن صوتها المزعج، أو ربما أصبحت لا تؤثر. السماء تكاد تمتلئ بطائرات الاستطلاع على مدار الساعة، وهي تحلق قريباً من الأرض وعلى ارتفاعات منخفضة؛ خاصة خلال ساعات الليل التي أصبحت لا تختلف عن ساعات النهار من ناحية القصف، وأصواته المرعبة التي تسمع بين الفينة والأخرى، وتقلق الجميع، خاصة كبار السن والأطفال، حتى أصبحت سبباً في عدد من الأمراض المنتشرة بين المواطنين، خاصة النازحين الذين يقطنون في العراء والبرد، ومنها ارتفاع ضغط الدم، وحالات نفسية تشمل القلق والتوتر".
ويعتبر محمد أبو شاويش (34 سنة) من مخيم النصيرات، أن "صوت الزنانة ينذر بخطر قريب، ويدفعنا إلى توقع أي شيء. مجرد ما بتطلع الزنانة بنحكي الله يستر، والحياة على وقع أصوات الطائرات المسيرة ليس لها طعم، وأصبح ذلك معاناة مضاعفة، فنحن نحاول الحفاظ على جزء من الاستقرار النفسي والمعنوي في مواجهة حجم القتل والدمار الهائل، لكننا لا نملك فعل شيء مع معاناة الأطفال مع الاضطرابات النفسية التي تلازمهم منذ بداية الحرب، ويجتهد الأهالي للسيطرة على مخاوف أبنائهم بينما هم أيضاً خائفون".
ويوضح أبو شاويش أنه يشعر بصداع شديد بسبب الصوت المزعج الناتج من طائرة الاستطلاع الزنانة، ولا ينفع معه أي مسكن أو مهدئ، ويأمل أن تنتهي الحرب سريعاً، وأن تتوقف آلة الدم والدمار، واستهداف المواطنين العزل الذين يعيشون أياماً قاسية من أدنى مقومات الحياة الآدمية.
وتؤكد جميلة السيد (56 سنة) من مخيم البريج (وسط)، أن "التوتر أصبح ملازماً لجميع الغزيين نتيجة صوت الزنانة المزعج، والحياة أصلاً صعبة مع استمرار القصف، حتى أصبحنا نحلم بقدر من النوم أو الراحة. صوت طائرات الاستطلاع في سماء القطاع يعلو على كل الأصوات، والأطفال أصبحوا يميزون صوتها. أحاول عادة إشغال نفسي بأي عمل عندما أسمع أصوات تحليق طيران الاحتلال العسكري، لكنني أجد نفسي أعيش في توتر لا يمكن للبشر احتماله. كنا نناشد أصحاب الضمائر الحية والمعنيين بحقوق الإنسان الضغط على الاحتلال لإنقاذ ما تبقى من غزة قبل فوات الأوان، لكننا فقدنا الأمل في أن ينقذنا العالم، ونلجأ إلى الله القادر على وقف القتل والدمار".