الأكيد أن شخصاً أنانياً لا يمكن أن ينفق موارده لزيادة سعادته. لكن ما يؤكده باحثون كُثر أن العطاء الممنوح للآخرين تنتج عنه فوائد نفسية وصحية وفيزيولوجية كبيرة لا تجعل تلقي الأموال الوسيلة الوحيدة للشعور بقيمة الحصول على مكافأة مرضية، لأن بعض أساليب العطاء تبدو أكثر فاعلية في إكساب الناس حالات الشعور بالرضا.
يقول مايكل نورتون، أستاذ إدارة الأعمال في كلية هارفارد للأعمال، لموقع "بغ ثنك": "يصعب فهم سبب كون العطاء يجعلنا سعداء، فالعمليات العصبية الدقيقة التي تكمن وراء فوائد العطاء غير واضحة".
وكانت دراسة أجريت بالرنين المغناطيسي الوظيفي عام 2006 قد قدّمت أدلة قوية على أن العطاء ينطوي على تفاعل معقد بين عدة مناطق في الدماغ قد يساهم في تخفيف الاكتئاب لمدة طويلة، ويساعد حتى في إطالة العمر.
وفوائد العطاء عالمية، إذ وجدت دراسة أجريت عام 2013 علاقة إيجابية بين العطاء والسعادة في 120 من أصل 136 دولة. كما لاحظت فوائد حتى بين أشخاص يعانون من صعوبات مادية.
ويعتبر خبراء أن "الاستعداد للعطاء متجذر في التطور الذي يقضيه الإنسان في الانتقال من مرحلة الأطفال الصغار إلى الأطفال الذين يستطيعون، إلى حد ما، الاعتماد على أنفسهم. وخلال هذه المراحل يعيش الأطفال بمساعدة العائلة وأحياناً المجتمع، فيتعزز لديهم شعور الالتزام برعاية الضعفاء الذي لا يتعارض مع فكرة تشارلز داروين عن البقاء للأصلح، لكنه يخضع للانتقاء الطبيعي الذي يتطلب إظهار الفرد أو الجماعة الاستعداد للتضحية، وإلا لن يدوم العطاء طويلاً".
ويشير هؤلاء إلى أن إحدى فوائد العطاء تتمثل في منح الشخص الإحساس بالمعنى والهدف عبر تقديم أشياء تتماشى مع قيمه. ومن المهم، بحسب نورتون، أن يجني الشخص فوائد العطاء عبر إدراك الفعل من خلال إجراء مراجعة ذاتية لتصنيف عادات الإنفاق على نفسه وعلى الآخرين أيضاً.
يتابع نورتون: "حين يلتزم الشخص بالتدقيق مع نفسه يغيّر واقع إنفاقه بما يتماشى مع أهدافه. على سبيل المثال، في المرة القادمة التي يشعر فيها شخص بالحاجة إلى شراء زوج حذاء جديد لا يحتاج إليه فعلياً، فالأفضل أن يفكر في سبب رغبته في شرائه. وإذا كان حقاً يريد أن يجعل نفسه أكثر سعادة، فالأفضل أن ينفق أمواله في مكان آخر، وربما على شخص آخر".