يخشى المسؤولون في العراق أن يكون الصيف المقبل الأكثر جفافاً في تاريخ البلاد بسبب ندرة المياه في الأنهر الرئيسية والفرعية، في ظل تعمّد دولتي المنبع إيران وتركيا قطع المياه، وواقع احتلال العراق الترتيب الخامس في قائمة الدول الأكثر تأثراً بالتغيّرات المناخية في العالم، ما قلل المساحات الزراعية، وتسبب في هجرة الفلاحين والرعاة ونفوق المواشي.
وفي ظل التوقعات السلبية السائدة، تعتزم وزارة الموارد المائية تشييد 36 سداً لتخزين المياه عام 2025، تتوزع في مناطق صحراوية، ضمن محاولتها الإفادة من مياه الأمطار عبر تخزينها.
في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قال وزير الموارد المائية عون ذياب عبد الله إنه "بعد أربعة أعوام من الجفاف، سيشهد العراق، بحسب مؤشرات علمية متوفرة وصور رصدتها أقمار صناعية عالمية، هطولاً مبكراً للأمطار خريف العام الحالي وشتاء العام المقبل، ما سيساهم في تأمين مخزون مياه جيد للشرب والاستخدامات البشرية والزراعة"، مؤكداً "عزم الوزارة تشييد 36 سداً خلال عام 2025، بعد استكمال الدراسات لتحديد الاحتياجات ووضع التصاميم الهندسية. مواقع السدود ستتوزع في مناطق الصحراء الغربية ووادي السماوة، وأخرى في الشمال والجنوب والشرق".
وأشار عبد الله إلى أن "العراق يملك حالياً 25 سداً لتجميع المياه في مناطقه الشرقية والجنوبية، وأنها تخزّن أكثر من 300 مليون متر مكعب، إضافة إلى سدود حوران ومندلي وقزانية والأبيض الأول والثاني والثالث التي تخزّن وحدها كمية 70 مليون متر مكعب من المياه، وتستفيد منها مجتمعات الرعي في الصحراء".
ولفت أيضاً إلى أن "حجم التخزين يقل في بعض سدود شرق العراق تحديداً، بسبب جريان المياه في وديان ونقلها مواد طينية وحصى، ووزارة الموارد المائية تبذل مساعي حثيثة لمعالجة مشكلات المياه عبر إنشاء حواجز تهدف إلى تقليل الرواسب الطينية لمنع تسربها إلى السدود".
وعلّق مراقبون بأن إعلان العراق إنشاء سدود إضافية كان متوقعاً بعدما اعترفت وزارة الموارد المائية، بأن المخزون المائي هبط إلى أدنى مستوياته، وأنه لا يتجاوز 10 مليارات متر مكعب توجد في بحيرات التخزين الطبيعي، مثل الحبانية والثرثار، وبحيرات صناعية في سدود الموصل وحديثة ودوكان ودربندخان وحمرين والعظيم، وأخرى في مناطق تضم كميات من المياه الجوفية.
ويقول مدير الهيئة العامة للسدود والخزانات في وزارة الموارد المائية علي راضي، لـ"العربي الجديد"، إن "إعلان الوزارة تشييد نحو 36 سداً يندرج ضمن خطة وضعتها الوزارة لمنع هدر كميات الأنهر، وفرض ترشيد الاستهلاك. ستخصص السدود الجديدة لتخزين المياه، والإفادة من الإيرادات المائية وتغذية المياه الجوفية، وإنعاش المناطق الزراعية القريبة من السدود باستخدام تقنيات حديثة".
ويؤكد راضي أن "وزارة الموارد المائية تدرك حجم التحديات والمشكلات الناتجة عن أزمة نقص المياه، وأنها تتصدى لها باعتماد حلول علمية وواقعية، وبينها استمرار التواصل مع دول الجوار، وتنفيذ تدابير فعّالة في تخطي الأزمة، وعالجت الحكومة تجاوزات كثيرة على الأنهر، ووضعت آليات وضوابط لم تكن موجودة في محافظات عدة، ما أثرّ في واقع الزراعة وثروة الأسماك، وهي تعتقد بحسب الجداول والدراسات الموضوعة بأن سدود تجميع مياه الأمطار ستعزز فرص العراق في إنعاش موارده".
ويعد العراق بين دول العالم الأكثر غنىّ بالثروة المائية لأنه يملك نهري دجلة والفرات اللذين ساعدا في تأسيس حضارات بلاد الرافدين، إضافة إلى فروع أنهر مهمة، مثل العظيم والزاب الكبير والزاب الصغير والخابور ونهر ديالى ونهر الدجيل ونهر الكارون ونهر شط العرب، وأكثر من 35 نهراً في الشرق وفي منطقة الأهوار، وأخرى تصل من إيران، لكن السنوات الماضية شهدت تراجعاً كبيراً في الايرادات المائية بسبب قطع وصول المياه من تركيا وإيران.
وفتحت إيران، مطلع العام الماضي، نهر الكارون الذي يصب في شط العرب، في حين تؤكد الحكومة العراقية أن قضية المياه مع تركيا مسألة سياسية لأن تركيا تربطها بقضية تصدير النفط وحزب العمال الكردستاني، لذا أنشأت سدوداً تفوق حجم الحوض المائي.
ويقول عضو جمعية "النشاط البيئي" في العراق صاحب الحريشاوي، لـ"العربي الجديد"، أن "السدود الجديدة لتخزين المياه ستعتمد على الأمطار، لكن أي مسؤول في وزارة الموارد المائية لم يسأل ماذا سيحدث في حال عدم هطول كميات جيدة من الأمطار، في وقت تشير تقديرات إلى أن موسم الأمطار سيكون ضعيفاً. لا شك في أن السدود مهمة، وهي موضع حديث خبراء منذ نحو 10 سنوات، ولا أعتقد شخصياً أن تشييد السدود سيحصل خلال العام المقبل بسبب سيطرة عشائر وأحزاب على بعض الأنهر والمصبات".
ويرى أنه "تجب معالجة الخلل في أزمة المياه بالتواصل مع تركيا وإيران، لكن المفاوضات التي أجراها العراق معهما فشلت في السنوات الماضية. والعراق يملك في الأصل سدوداً بسعات تخزين ضخمة، لذا يعتبر الحديث عن تشييد سدود جديدة تهرباً من المشكلات التي تدمّر قطاع الزراعة وتهجّر آلاف السكان".
بدوره، يلفت الخبير في شؤون المياه عادل المختار، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن "بناء 36 سداً لتجميع مياه الأمطار قد يحتاج إلى أكثر من ثلاث سنوات، وليس إلى عام واحد، بحسب ما يقول المسؤولون، حتى إذا كانت صغيرة وتتركز في منخفضات ووديان وسهول. ويمكن القول إن فشل وزارة الموارد المائية وبقية المؤسسات والجهات الحكومية المعنية بأزمة المياه دفعها إلى التفكير بحلول السماء والاعتماد على الأمطار".
يضيف: "ليست السدود هي الحل، في حين أن تلك الموجودة حالياً والتي تستطيع تخزين كميات كبيرة من مياه الأمطار فارغة. يجب ضبط الحصص ومنع التجاوزات ومعالجة الإخفاقات في ملف الترشيد والسقاية، واعتماد وسائل حديثة".
وخلال الفترة الأخيرة، لجأ العراقيون إلى المياه الجوفية لمواجهة الشحّ الكبير في المياه، خصوصاً في مدن الجنوب والوسط والشرق، وحفروا بالتعاون مع السلطات مئات من الآبار لمحاولة توفير مياه الشرب وسط الجفاف.
وتزامن ذلك مع تقليص السلطات مساحة الأراضي التي تشملها الخطة الزراعية الموسمية إلى النصف، وصولاً إلى استبعاد محافظات معيّنة من الخطة بالكامل، بسبب موجة الجفاف غير المسبوقة في البلاد بتأثير قطع إيران روافد نهر دجلة.
ولوّحت الحكومة مرات باللجوء إلى المؤسسات الدولية لفرض تطبيق إيران اتفاقات دولية تسمح بحصول العراق على حصصها من المياه، لكنها لم تتخذ أيّ خطوة في هذا الشأن رغم رفض إيران كل الحلول التي طرحها العراق.
وأفاد تقرير سابق نشرته الأمم المتحدة عن الأمن المائي بأنّ 17 من 22 دولة عربية مصنّفة أنها على خط الفقر المائي، بينها 12 تحت خط الفقر المائي المدقع، أحدها العراق.
لكنّ العراق حقق عامي 2019 و2020 اكتفاء ذاتياً في إنتاج أكثر من 10 محاصيل زراعية، أبرزها القمح والشعير، وأخرى استهلاكية مثل الخيار والبطاطس والطماطم، ثم تراجعت المساحات الزراعية بتأثير انحسار المياه، ما حتم رفع السلطات الحظر عن استيراد هذه المنتجات، التي تدفّقت مجدداً من إيران وتركيا تحديداً.