الصين: كبار في السنّ يعوّضون الأحفاد بالكلاب

26 يونيو 2022
لا يمكنه الاستغناء عن كلبه (وانغ زاو/ فرانس برس)
+ الخط -

في مجتمع يعد الأكبر على مستوى العالم لناحية عدد المسنّين (تضم الصين ما لا يقل عن 250 مليون مسنّ)، لا يجد كبار السنّ بداً من اللجوء إلى تربية الكلاب للتغلب على الشعور بالوحدة والحاجة إلى من يرافقهم ويؤنسهم في ما تبقى لهم من عمر في هذه الحياة. ويعيش أكثر من 145 مليون مسنّ في البلاد من دون معيل ولا يحصلون على الرعاية اللازمة بسبب انشغال الأبناء والأحفاد في المدن والمناطق الحضرية. يضع هؤلاء الكلابَ في مرتبة لا تقل عن مكانة الابن والحفيد، ويطلقون عليها أسماء أحفادهم، ويعاملونها كأولاد حقيقيين، بل ينظر مجتمع المسنّين في الصين إلى الكلاب على أنها أكثر وفاء وإخلاصاً ممن تخلوا عنهم في أصعب الظروف والأوقات. 

قضايا وناس
التحديثات الحية

جيانغ مينغ، وهي مسنّة صينية في عقدها الثامن، تعيش وحدها مع كلب صغير في العاصمة بكين، منذ أن تركها حفيدها الوحيد لاستكمال الدراسة قبل خمس سنوات. تقول لـ "العربي الجديد": "توفي زوجي منذ أكثر من عقدين. وخلال تلك الفترة، كان أولادي الثلاثة يتناوبون على الاعتناء بي. لكن مع زيادة مسؤولياتهم تجاه عائلاتهم، اضطروا إلى السفر للعمل خارج المنطقة التي كنا نعيش فيها في مقاطعة غوانغدونغ جنوب البلاد، فبقيت وحدي لسنوات عدة قبل أن يأخذني ابني الأكبر للعيش معه في العاصمة بكين. وبعد عامين من مكوثي هناك، توفي بمرض السرطان، فكان عليّ أن أعتني بحفيدي الذي كان يبلغ من العمر آنذاك 14 عاماً. لاحقاً، كان عليه الذهاب إلى الجامعة لاستكمال دراسته في مدينة أخرى فصرت وحيدة مجدداً. لذلك، قررت أن أقتني كلباً يؤنس وحدتي. وعندما فعلت ذلك، تكامل شعوري بالدفء والأمان ولم أعد أشعر بأنني في حاجة إلى أحد".

أما تسان يانغ (76 عاماً)، فتعيش وحيدة في شقتها مع كلبها الذي أسمته "آرتزي"، وتعني باللغة الصينية ولدي. تتحدث لـ "العربي الجديد" عن معاناتها بعدما تخلى ولداها عنها بحجة أنها تتدخل في حياتهما وشؤونهما الخاصة. تقول إنها كانت حريصة على مستقبل ولديها. ولأنها رفضت زواج أحدهما بفتاة تكبره سناً، قرر هجرها بينما خضع الآخر لرغبة زوجته وقرر إيداعها في مركز لرعاية المسنّين، قبل أن تكسب دعوى قضائية ضده وتعود لتسكن في منزل الأسرة الذي نازعها عليه. تضيف: "منذ ست سنوات، أقيم وحيدة مع طفلي المخلص (أي كلبها)"، لافتة إلى أنه "أكثر وفاء وإخلاصاً من ولدي، ولا يكاد يبتعد عني لحظة واحدة، ولا نفترق إلا عند النوم. وفي ليالي الشتاء الباردة، أشعر به حين يقترب مني ليشد الغطاء عليّ. وفي كل صباح يلعق وجهي لأصحو باكراً، كما أنه يقوم بأشياء لا تجعلني أشعر بأنه مجرد حيوان. عند المساء يطفئ النور، وفي الصباح يفتح ستارة الغرفة لدخول أشعة الشمس. حتى أنه يضغط على الأزرار في المصعد الكهربائي لأنه يعرف في أي طابق نسكن وإلى أين نريد أن نذهب".

يشعر بسعادة لوجود كلبه إلى جانبه (Getty)
يشعر بسعادة لوجود كلبه إلى جانبه (Getty)

يعزو الباحث في مركز "خاي ديان" للدراسات الاجتماعية، لي وان تشو، أسباب انتشار ظاهرة تبني الكلاب بين المسنّين إلى خلل في المنظومة الاجتماعية. ويقول في حديث لـ "العربي الجديد": "يمكن النظر إلى القصتين باعتبارهما من مآسي سياسة الطفل الواحد التي شوهت العواطف وتركت جيلاً من المسنّين بلا رعاية، إما بسبب نقص في نسبة الشباب، وإما بسبب سحق تلك الأنفس تحت عجلة الاقتصاد وما يترتب على ذلك من قتل للمشاعر ووأد للقيم الإنسانية". يضيف: "تبرز مثل هذه القصص معاناة شريحة كبيرة من المسنّين على هامش الحياة الصناعية ومتطلباتها القاسية، والظروف التي دفعتهم للاستنجاد بالحيوان من فرط وحشة الحياة وجشع الأبناء والأحفاد".
يضيف: "خلال أربعة عقود من سياسات تحديد النسل الصارمة، كان لا بد من الوصول إلى هذه النتيجة. فجيل الطفل الواحد عاش وترعرع في بيئة اجتماعية غير صحية لناحيتي التربية والرعاية، لأن ظروف الحياة الصعبة حتمت على الآباء ترك أبنائهم والهجرة إلى المدن الحضرية للعمل، فتحول الأجداد الذين هم بالأصل في حاجة إلى رعاية لمدبرين لمنازل تفتقر إلى الأجواء الأسرية. ومع التقدم في السنّ، باتوا عاجزين عن خدمة أنفسهم في وقت ينصرف الأحفاد إلى التحصيل العلمي ليجد الجد نفسه وحيداً في مأوى وفي أحسن الأحوال في شقة صغيرة". ويقول: "هذا الواقع دفع مئات الآلاف من المسنّين إلى البحث عن بدائل، فكانت الحيوانات الأليفة الحل الأمثل لشريحة تنشد المؤانسة في ما تبقى لها من سنوات في هذه الحياة".

يشار إلى أن الصين تعتبر واحدة من أكثر الدول اقتناء للكلاب. وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن الجمهورية الشعبية تضم 172 مليون كلب أليف. وبحسب بيانات أصدرتها الجمعية الصينية للرفق بالحيوان، فإن حوالي 73.55 مليون شخص في المناطق الحضرية يملكون حيوانات أليفة، ما يعني أن نحو 9 في المائة من إجمالي 814 مليوناً من سكان المدن لديهم حيوانات أليفة. وعلى الرغم من أن فئة النساء تستأثر بنحو 85 في المائة من مالكي الكلاب في الصين، فإن المسنّين هم أكثر فئات المجتمع إقبالاً على اقتناء الكلاب قياساً إلى نسبتهم في المجتمع الصيني مقارنة بالشباب.

المساهمون