الصين: استراتيجية مكافحة كورونا تُربك المواطنين

05 نوفمبر 2021
تُجرى فحوصات الحمض النووي بكثافة في شيجياجوانغ (ليو لي/Getty)
+ الخط -

أثار تشديد السلطات الصينيّة إجراءاتها في مكافحة فيروس كورونا، حالة من الإرباك والقلق في المجتمع الصيني، وطرح تساؤلات حول أسباب هذا التشديد على الرغم من أن عدد الإصابات اليومية في الصين لا يزال أقل بكثير من معدل الإصابات في غالبية الدول. وأخضعت السلطات المحلية خلال الأسبوع الماضي ثلاث مدن للإغلاق تضم نحو 6 ملايين صيني، من بينها بعض الأحياء السكنية في العاصمة بكين، بالإضافة إلى مدينة لانجو عاصمة مقاطعة قانسو شمال غربي البلاد، ومدينة إيجين القريبة من منغوليا والتي تضم 35 ألف نسمة.
وخضع أكثر من 1.6 مليون مواطن في تلك المناطق لاختبارات كوفيد-19، وألغيت رحلات طائرات وقطارات سريعة، إلى جانب تعليق خدمات الحافلات وسيارات الأجرة، وطالبت السلطات السكان بالبقاء في منازلهم وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى.
واعتمدت الصين أخيراً نهجاً أكثر تشدداً في تتبع ومعالجة البؤر الجديدة، يختلف عما كان الوضع عليه أثناء الظهور الأول للفيروس في مدينة ووهان عام 2019، إذ يكفي تسجيل إصابة واحدة لفرض إغلاق كامل على منطقة محددة وإخضاع المخالطين لاختبار الحمض النووي، كما أنها لم تتساهل مع أي تقصير على مستوى مسؤولي الحزب في المقاطعات. ففي منطقة شيجياجوانغ، عاصمة مقاطعة خبي القريبة من بكين، أوقف مطلع الأسبوع الجاري ما لا يقل عن ثلاثة مسؤولين بسبب سوء الاستجابة للوباء. وبحسب وسائل إعلام حكومية، أقيل كل من نائب رئيس محافظة شينزي جيا جوانغ، ورئيس دائرة الصحة في المحافظة نفسها جيا ويدونغ، ورئيس الحزب الشيوعي في بلدة دا شياو تو، قاو هاي شيا.
وأرجع مراقبون هذا التشديد إلى حرص السلطات الصينية على تصفير حالات الإصابة قبل بدء دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في العاصمة بكين العام المقبل. وقال هؤلاء إن الصين لا ترغب في أن يعكّر فيروس كورونا صفو الأجواء، أو يتسبب في تعطيل الجهود الحثيثة التي بذلتها على مدار السنوات الماضية لاستضافة هذا الحدث العالمي.

وما تسبّب في إرباك الصينيين أخيراً هو البيان الذي نشر على موقع وزارة التجارة الإلكتروني، والذي يدعو المواطنين إلى تخزين مواد غذائية استعداداً لحالات طوارئ لم يحددها، الأمر الذي تعامل معه السكان بشيء من القلق والحذر. وفسر بعضهم الدعوة باحتمال ظهور طفرة جديدة من فيروس كورونا أكثر فتكاً، بينما ذهب آخرون إلى الاعتقاد بأن ذلك له علاقة بضربة عسكرية قد تقدم عليها الصين لاستعادة جزيرة تايوان، مستندين في اعتقادهم إلى توتر الأجواء السياسية والعسكرية في المنطقة، والتهديدات والتصريحات النارية التي يطلقها مسؤولون في الحزب الشيوعي ضد الحزب التقدمي الديمقراطي الذي يحكم الجزيرة.

حالة قلق
ويقول مبرمج صيني يعمل في العاصمة بكين وي زانغ، لـ "العربي الجديد"، إن الأخبار ما زالت متضاربة حيال الإجراءات والتوجيهات الجديدة، لافتاً إلى أن عدد حالات الإصابة في الخارج وصل إلى معدلات قياسية. مع ذلك، تسير الحياة بشكل طبيعي. أما في الصين، فيشعر المواطن بأن البلاد مقبلة على وباء قاتل. يضيف أنه يثق بالحكومة الصينية، لكنه لم يحصل على إجابات شافية حول هذا التشدد، معتقداً بأن هناك شيئا ما تخفيه السلطات قد يشكل خطراً على الحياة العامة.

الصين (غريغ بايكر/ Getty)
يخشى مواطنون الأسوأ (غريغ بايكر/ Getty)

من جهتها، تقول تساي بين، وهي مترجمة تقيم في مقاطعة خبي التي تخضع للحجر الصحي، إنها لم تغادر منزلها في منطقة شيجياجوانغ منذ أسبوعين بسبب الإغلاق الكامل للمنطقة، مضيفة أن القلق يسيطر عليها وعلى جميع أفراد أسرتها، لأنهم لا يعلمون ماذا يحدث في الخارج، وإلى متى سوف يستمر الحجر. وتلفت إلى أن عدد حالات الإصابة في المنطقة بلغ 26 حالة، وهو أقل بكثير من الفترة التي انتشر فيها الوباء في المنطقة مطلع العام الحالي.

بؤر متزامنة
وفي ما يتعلق بالإجراءات الجديدة، يقول الباحث الصيني في معهد الدراسات والعلوم الإنسانية بمقاطعة فوجيان، تشين يونغ، لـ "العربي الجديد"، إن حالة القلق طبيعية لأن الإنسان يخاف المجهول، ونظراً لعدم وجود تفسيرات واضحة ومحددة، فإن باب الاجتهاد سيبقى مفتوحاً وسنشهد العديد من التأويلات المبالغ فيها. لكنه يشدد على أن أي قرار تتخذه الحكومة يأتي في صالح المواطن، وبالتالي يجب الالتزام بتلك الإجراءات تحسباً لأي طارئ. يضيف أن التفسير المنطقي للإجراءات المشددة هو تزامن توقيت ظهور الفيروس في مناطق عدة، ما يشير إلى قصور أو استهتار في مكان ما، سواء على مستوى التزام المواطنين، أو تعامل وتصرف المسؤولين في تلك المناطق. يضيف أنه حتى في ذروة الوباء، أي قبل عام من الآن، لم تكن هناك بؤر متزامنة، وكانت الإجراءات تتركز على بؤرة الفيروس كما حدث في مدينة ووهان، بينما اليوم نحن أمام ثلاث مدن ينتشر فيها الوباء بما فيها العاصمة بكين التي من المفترض، أن تتزين لاستقبال العرس الأولمبي بدلاً من فرض إغلاقات وحجر صحي في مناطق متفرقة، على حد قوله.

المساهمون