الصين: أطفال ضحايا للعنف الأسري

18 اغسطس 2023
تباين حول العنف الأسري في المجتمع الصيني (زانغ بينغ/ Getty)
+ الخط -

أثار سقوط طفل من الطابق الخامس هرباً من أمه التي كانت تسيء معاملته جدلاً واسعاً في الصين حول قصور القوانين الخاصة بحماية القاصرين، كما خضعت قوانين حماية الطفل للتدقيق عبر منصات التواصل الاجتماعي، وطالب نشطاء بتشديدها، واتخاذ إجراءات رادعة لوقف العنف الأسري، والذي يستهدف الأطفال على وجه الخصوص.
وأظهر مقطع فيديو يعود إلى شهر يونيو/ حزيران الماضي طفلاً يبلغ من العمر نحو ست سنوات، يقفز من أعلى مبنى سكني في مقاطعة آن خوي (شرق)، بعد أن وجهت إليه أمه عدة ضربات بعصا، ووفقاً للشرطة المحلية، تم نقل الصبي إلى المستشفى بعد تعرضه لكسور في أنحاء جسمه.
وينص قانون حماية الطفل على قيام الحكومات المحلية أو الشرطة بتحذير أو توبيخ أوصياء الطفل إذا انتهكوا حقوقه، وبموجب قواعد الأمن العام المعمول بها، فإن العقوبة القياسية لمن يسيء إلى أحد أفراد أسرته هي خمسة أيام في الحجز إذا طلب الشخص المعتدى عليه ذلك، الأمر الذي يعتبره كثيرون تساهلاً قضائياً يدفع إلى مزيد من العنف ضد الأطفال.
ترفض تشاو لو إي، وهي أم لطفلين في المرحلة الابتدائية بمدينة شينزن (جنوب)، فكرة تدخل السلطات للفصل في قضايا العنف الأسري، وتقول لـ "العربي الجديد" إن "هناك مبالغة كبيرة في استخدام مصطلح العنف ضد الأطفال في مسائل تربوية وضرورية لتقويم سلوكهم والحفاظ عليهم. الأساليب التربوية القاسية ساهمت في صقل الجيل الأوسط، والذي لعب دوراً أساسياً في نهضة الصين الحديثة. بالنسبة لي، القسوة والتعنيف جزء في معادلة الترهيب والترغيب التي تعتمدها أغلب الأسر في تربية أبنائها، حتى إن الحكومات تتبع مع شعوبها سياسات مماثلة، وبالتالي لا يمكن النظر إلى الأمر باعتباره انتهاكاً للحقوق والحريات كما يدعي البعض".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وتلفت إلى أن "الأجيال الجديدة عرضة للكثير من المغريات في ظل هذا العصر الرقمي، ومن السهل استمالتهم أو استدراجهم إلى منزلقات خطيرة، لذلك لا بد من مضاعفة الرقابة الأسرية، واستخدام التعنيف إذا اقتضى الأمر ذلك، لضمان التزامهم بقواعد السلوك الجيد".
في المقابل تعتبر جين تشانغ أن "استخدام العنف ضد الأطفال بذريعة تربيتهم هو أسلوب رجعي لا يعبر عن الواقع، ولا يواكب التطور الذي شهدته البلاد في مجالات شتى أبرزها التعليم". وتوضح لـ "العربي الجديد" أن "مستوى الأسر الأكاديمي بات يختلف عما كان عليه الحال قبل عقود، فالأب لم يعد ذلك العامل الذي يقضي معظم وقته في الحقول أو المناجم، وكذلك الأم لم تعد تلك المرأة التي تكرس حياتها في تقديم فروض الولاء والطاعة في مجتمع ذكوري يقدس الرجل. معظم الآباء اليوم من حملة الشهادات الأكاديمية، وعلى دراية كافية بأساليب التربية الحديثة التي أسقطت خيار العصا في مقابل النقاش البناء، وإشراك الأبناء في شؤون الأسرة وقراراتها المصيرية. لجوء الآباء إلى الضرب هو تعبير عن العجز، لأن العنف لغة الضعفاء الذين تنقصهم القدرة على التعامل مع أبنائهم وفق قدراتهم العقلية".

يطالب صينيون بتشديد قوانين حماية القصر (زانغ بينغ/Getty)
يطالب صينيون بتشديد قوانين حماية القصر (زانغ بينغ/Getty)

من جانبه، يرى الباحث بمعهد قوانغ دونغ للصحة النفسية، دا وو وانغ، أن هناك سوء فهم لتوصيف ظاهرة العنف الأسري، وفي طريقة طرحها على الرأي العام، ما يحول دون القدرة على التعامل مع المشكلة. ويوضح لـ"العربي الجديد"، أن "العديد من الخبراء والنشطاء، وحتى وسائل الإعلام، يربطون بين العنف الأسري وأساليب التربية، في حين أن العنف الذي يمارس ضد الأطفال لا علاقة له بتقويم سلوكهم، وإنما هو تعبير عن أزمة نفسية يمر بها الآباء، كما أن هناك اختلاف كبير بين ترهيب الأطفال بهدف تنبيههم، وبين الإفراط في العنف للتنفيس عن الغضب أو الكبت الناجم عن ضغوط الحياة".

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويضيف: "بعض الآباء بحاجة إلى إيداعهم في مصحات نفسية نظراً لخطورة أوضاعهم التي قد تؤدي إلى حدوث كوارث اجتماعية. شتان بين من يضرب ابنه براحة يده لأنه أخطأ في جدول الحساب، وبين من يكوي ابنه بالنار، أو يستخدم أدوات حادة في معاقبته، كما حدث في مقاطعة سيتشوان مؤخراً، حين هاجم رجل في العقد الخامس طفلين من أقربائه بآلة حادة تسببت لهما في جروح خطيرة. هناك ضرورة للفصل بين من يعانون من اضطرابات نفسية تترجم في سلوك عدواني ضد الأطفال، وبين من يستخدمون جرعات خفيفة من الترهيب لتربية أبنائهم أو ضبط سلوكهم".
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أقرت الصين ما اعتبر "تعديلاً تاريخياً" لقانون حماية القصر الذي سن في عام 1991، وشمل التعديل إضافة 66 مادة جديدة تهدف إلى حماية أفضل للأطفال في المدرسة والمنزل والأماكن العامة وعلى شبكة الإنترنت، كما تم إنشاء نظام إلزامي للإبلاغ عن القضايا التي تتعلق بانتهاك حقوق القاصرين في المؤسسات الحكومية والخاصة.

المساهمون