السويد: سجال حول عودة نساء وأطفال "داعش"

11 سبتمبر 2021
من يومياتهن في مخيم الهول (بولنت كيليتش/ فرانس برس)
+ الخط -

 أثارت عودة ثلاث نساء سويديات مع أطفالهن من معسكر الاعتقال الذي تديره قوات كردية في مخيم "الهول" للاجئين في شمال شرق سورية جدلاً حول ما يتوجب على السويد فعله حيالهن وحيال بقية المعتقلين هناك. ومساء الإثنين الماضي، حطت الطائرة التي أقلّت النساء مع ستة أطفال في مطار استوكهولم أرلاندا، فجرى اعتقالهم على الفور وأخذت السلطات الاجتماعية الأطفال بعيداً. وأدى الكشف عن ذلك إلى سجال قانوني واجتماعي حول ما يتوجب فعله، وسط هجوم شديد على حكومة يسار الوسط التي قبلت بعودتهن إلى بلادهن، بعد سنوات من سياسة متشددة ترفض مساعدة أي ملتحق بتنظيم "داعش". 
وأعلنت السلطات القضائيّة السويدية أنها في صدد إعداد لوائح اتهام بـ"ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية" بحق اثنتين من العائدات على الأقل. على الرغم من ذلك، لم يخفف بيان المدعي العام السويدي، الذي نشرت مقتطفات منه صحف محلية، من وطأة الانتقاد إلى السلطات، ليس فقط لقبولها عودتهن، بل لما سمي خرقاً لمبادئ "عدم تقديم أي مساعدة للمنخرطين في الإرهاب بالعودة إلى السويد". وتبيّن أن نساء مخيم "الهول" السويديات، وبينهن السويدية الثلاثينية ليزا أندرسون، التي اشتهرت قصتها محلياً، والتي قد يُطلق سراحها لعدم إثبات ارتكابها أي مخالفة قانونية بالسفر إلى زوجها في سورية عام 2013 وهي شابة صغيرة، قد جرى "ترحيلهن" من الشمال السوري للتغلب على صرامة القوانين المانعة لأي مساعدة. وقررت "الإدارة الذاتية" في "قسد" الكردية، التي تدير مخيمي "الهول" و"روج" في شمال شرقي سورية، إبعاد النساء للتغلب على رفض استوكهولم المتكرر جلب مواطنيها من المخيمين. 
ويبدو أن قرار "الإبعاد - الترحيل"، الذي جعل النساء وأطفالهن قادرين على المغادرة إلى بلادهم، قد غير من رأي وزيرة الخارجية السويدية آنا ليند، التي أكدت سابقاً أن بلادها "لن تقبل عودة المنضوين في داعش". واضطر موظفو الخارجية السويدية إلى دخول الشمال السوري "لمساعدة الأطفال من أجل الوصول إلى مطار للمغادرة"، رداً على الانتقادات العنيفة التي أدت إليها العودة، يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين. وتشير وسائل الإعلام السويدية إلى أن "مناورة الأكراد ستتكرر مع 26 امرأة وأطفالهن باعتبارهم مبعدين" لإجبار السلطات السويدية على استقبال مواطنيها عبر التواصل المباشر معهم. 
وجوبهت خطوة حكومة يسار الوسط بقبول العائدات بانتقادات لاذعة من قبل يمين الوسط. واعتبر وزير الداخلية ميكائيل دامبيرغ أنه رسمياً لم تتم مساعدتهن، "بل دفعن بأنفسهن أسعار تذاكر سفرهن ولم يمنحن أي مساعدة. كل ما في الأمر أنه لا يوجد خط طيران من شمال سورية إلى السويد، وكنا أمام خيار واحد لمساعدة الأطفال للوصول إلى المطار". وبررت استوكهولم خطوتها قائلة إن قرار الإبعاد كان يمكن أن يجعل النساء "يختفين عن متابعة السلطات لهن، ويعدن إلى السويد من دون مراقبة".  

من جهته، يرى المتحدّث القانوني باسم حزب "الاعتدال" (يمين الوسط)، يوهان فورسيل، أن التبريرات مرفوضة، مؤكداً أنه "بالطبع، كان يمكن مساعدتهن لو كن على حدود السويد، بيد أن المشكلة تكمن في استقبال ومساعدة إرهابيين بشكل نشط وتشكيل لجنة للترحيب بهن، في وقت وجدت حكومتنا صعوبة في مساعدة المترجمين الأفغان للقدوم إلى السويد على الفور". 
وفجرت العودة سجالاً حول "كيفية تعامل مجتمع السويد مع نساء داعش"، بحسب التلفزيون السويدي "إس في تي". ووجه الحزب "الليبرالي" انتقادات لاذعة للصحافة السويدية التي وصفت النساء بـ"العائدات من دون اعتبارهن إرهابيات".
وتعدّ قضية نساء وأطفال "داعش" في الدول الاسكندينافية شائكة، من بينها النرويج، التي استقبلت، الشهر الماضي، امرأة متهمة بالإرهاب، والدنمارك، التي تنتهج سياسة متشددة ترفض تماماً مساعدة مواطناتها والأطفال في مخيمي الاعتقال الكرديين. 

نساء في مخيم الهول (كايت كيراغتي/ الأناضول)
نساء في مخيم الهول (كايت كيراغتي/ الأناضول)

ففي وقت اعتبرت الدنمارك عام 2014 أن الانضمام إلى تنظيم "داعش" يعرض أصحابه لملاحقة قضائية لكونه انضماماً إلى تنظيم إرهابي، تأخرت استوكهولم سنوات قبل أن تتخذ الخطوة نفسها، ما يصعب ملاحقة من التحقوا بالتنظيم خلال فترة مبكرة، كحال بعض السويديات اللواتي سافرن إلى سورية عام 2013، أو تقديم مقاتلي التنظيم الذين عادوا قبل أن يصبح القانون السويدي صارماً في اعتبار تصرفاتهم إرهابية. لهذا، تفتش السلطات القضائية السويدية عن اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق العائدين والعائدات بعد 2016، بمن فيهن النساء المتبقيات في سورية.  
ويعيش العشرات من العائدين والعائدات في ضواحي المدن السويدية، حيث لم يستطع القضاء السويدي تطبيق القوانين بمفعول رجعي عن سنوات الالتحاق بالتنظيم. ويخشى منتقدو العودة إلى البلاد من أن يطلق سراح العائدين في نهاية المطاف، وتواجه السلطات السويدية صعوبة في تقديم العائدات إلى القضاء بتهمة الإرهاب أو ارتكاب جرائم حرب. 

ويقدر جهاز الاستخبارات السويدي (سابو)، وجود نحو ألفي "متطرف إسلامي" في عموم البلاد، ومن بينهم نحو 150 ممن عادوا من القتال، فيما قتل العشرات في العمليات القتالية للتنظيم في سورية والعراق حتى عام 2017. 
ويعتقد متخصصون في الملاحقات الجنائية السويدية أنه "من السذاجة الاعتقاد بأنه سيجري الحكم على العائدات إلى السويد بتهم الإرهاب وجرائم الحرب"، وذلك لتعقيدات القانون السويدي. ومنذ عام 2019، يدور سجال كبير في المجتمع السويدي في ما يتعلق بجلب النساء ونحو 50 طفلاً من مخيمي "الهول" و"روج". وأدخلت الحكومة السويدية في ذلك العام تعديلاً قانونياً يتيح ملاحقة المنضوين مع "داعش" والعائدين بتهم "ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية"، حتى لو كانت الأعمال قد ارتكبت خارج الأراضي السويدية. وأتاح التعديل القانوني ملاحقة مقيمين من رواندا وإيران بالتهم نفسها. 

المساهمون