استمع إلى الملخص
- أعلن وزير التربية والتعليم العالي اللبناني إغلاق المؤسسات التعليمية في المناطق المتضررة واعتماد التعليم عن بعد لحماية الطلاب والمعلمين من المخاطر.
- عبر السكان عن مخاوفهم من استمرار التصعيد وتأثيره على حياتهم، مع تمسك البعض بالبقاء في منازلهم والتكيف مع الوضع الراهن، آملين في هدوء الأوضاع قريباً.
عادت مشاعر القلق والخوف إلى قلوب الآلاف من سكان العاصمة اللبنانية بعد أن طاولت الغارات الإسرائيلية، الأحد، مناطق كانت تعد "آمنة" نسبياً، كونها خارج نطاق الضاحية الجنوبية.
شهدت المناطق التي استهدفتها الغارات الإسرائيلية أمس الأحد في بيروت وضواحيها حركة نزوح كثيفة، خصوصاً من عين الرمانة والشياح والحدث، ومن منطقة رأس النبع وشارع مار الياس في قلب العاصمة، غير أن واقع النزوح اختلف هذه المرة، إذ اختلطت مشاعر الخوف مع الارتباك والحيرة لدى معظم الأهالي الذين باتوا يعتبرون لبنان بأكمله غير آمن، وعاد بعضهم إلى منازلهم بمجرد انتهاء الغارات، وتوقف مهام الإسعاف والإنقاذ، باستثناء أولئك الذين تضررت منازلهم.
وعلى وقع الذعر، تابع بقية أهالي بيروت والنازحين إليها تفاصيل الاستهدافات الإسرائيلية، ومن بينهم من أعرب عن تمسكه بالبقاء في مكان سكنه، وآخرون قرروا النزوح في حال زاد تدهور الأوضاع، ومن يرون أن القصف الإسرائيلي لم يعد يفرّق بين مختلف المناطق اللبنانية على اختلاف مكوّناتها، وأنه محاولة لفرض الشروط الإسرائيلية بالقوة من خلال التصعيد.
وعقب الغارات الإسرائيلية، أعلن وزير التربية والتعليم العالي اللبناني، عباس الحلبي، إقفال المؤسّسات التربوية الرسمية والخاصة ومؤسسات التعليم العالي الخاصة التي تعتمد التعليم الحضوري، يومي الاثنين والثلاثاء، في كل مناطق بيروت الإدارية، وساحل الشوف، وساحل المتن الشمالي، وبعبدا، وعاليه (جبل لبنان)، واعتماد التعليم عن بعد. ودعا مديري المدارس والثانويات والمهنيات والجامعات الخاصة التي يشملها الإقفال إلى توخي الحذر، والحرص على السلامة.
عاد بعض أهالي بيروت إلى منازلهم بمجرد انتهاء الغارات الإسرائيلية
يبدي جوزيف عماد، المقيم في منطقة الحدث المحاذية للضاحية الجنوبية لبيروت، لـ"العربي الجديد"، نيّته النزوح مجدّداً في حال توسّعت الاستهدافات. ويقول: "لا يمكننا البقاء، لأن القصف الإسرائيلي بات لا يميّز على الإطلاق. سبق أن تركت المنزل مع زوجتي وابني وعائلته، وهربنا من دون أن نحمل شيئاً ليلة اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصر الله، وقصدنا منزلنا في منطقة زغرتا (شمال)، ثم اضطررت للعودة لاحقاً لأخذ بعض الأغراض الأساسية".
يضيف عماد: "كنت قد أقنعت ابني بأن يواصل عمله عن بُعد رأفة بزوجته وطفله البالغ سنة وخمسة أشهر، غير أننا عدنا قبل نحو أسبوعين إلى منزلنا في الحدث، بعد أن فرضوا على ابني الحضور إلى مكان عمله في منطقة جسر الباشا (جبل لبنان)، على اعتبار أن القصف بعيد عن مكان سكننا، فشهدنا تلك الضربات القريبة التي أدت إلى أضرار في كنيسة سيدة النجاة والمباني المجاورة للمبنى المستهدف. حقائبنا جاهزة لأي حالة طارئة، لكننا نتمنى أن تهدأ الأحوال قريباً".
بدوره، يسأل فيليب فرج، المقيم في منطقة عين الرمانة: "أين يمكننا الذهاب؟ هل نقصد البحر؟ لا مكان آمناً بعد اليوم، لذا سنبقى في منزلنا، فلا خيار أمامنا سوى الهجرة". ويحكي لـ"العربي الجديد" عن هواجس الأهالي ومخاوفهم بعد أن كانت المنطقة خارج نطاق الاستهداف. يقول: "كأنه كان ينقصنا العدوان الإسرائيلي بعد أن سرقنا السياسيون والزعماء ووصلنا إلى أزمة اقتصادية خانقة. كيفما استدرنا فلا نجاة، ولا أحد يعرف إن كان مستهدفاً أم لا. صارت كل الاحتمالات واردة، والغارات تتنقل من محافظة البقاع إلى محافظة الجنوب إلى الضاحية الجنوبية وحتى قلب العاصمة".
يتابع فرج: "الخوف لم يعد يفارقنا، والخطر قائم إن بقينا في المنزل، وإن نزحنا. كان ابني قبل يومين في منطقة السوديكو القريبة من رأس النبع، حيث وقعت الغارة الإسرائيلية، ولا نريد سوى الفرج، ولا نتمنى سوى الأمان لأولادنا، فنحن لم نتّخذ قرار الحرب، بل تمّ جرّنا إليها، واليوم ندفع الثمن".
تعددت مرات نزوح أسماء وهبة التي تنحدر من قرية كفرحمام الحدودية، والتي دمرت بالكامل، ودمر فيها منزل عائلتها وأرزاقهم. تقول لـ"العربي الجديد": "نزحت من حارة حريك في الضاحية الجنوبية إلى منطقة الأشرفية، ثم إلى منطقة بدارو القريبة من الغارات الإسرائيلية حيث يمكن سماعها بوضوح. وضعي صعب، ولم يعد أمامي أي مكان آمن أقصده، كما لم يعد هناك منازل شاغرة حتى لو دفعنا آلاف الدولارات. لبنان كله مستهدف، وربما يأتي ذلك ضمن الخطة الإسرائيلية للضغط باتجاه قبول التسوية المطروحة. المخاوف متعددة، وفي حال استمرت الحرب سنكون كوننا نازحين أمام كارثة حقيقية، لأن مخراتنا شارفت على الانتهاء".
تضيف: "سيكون مصيرنا الشارع قريباً نظراً لتوقف أشغالنا مع ارتفاع الإيجارات بشكل قياسي، والتحدي الثاني سيكون تدمير منزلي وشركتي في الضاحية الجنوبية، عندها ستحل النكبة، ولا أعرف ماذا سأفعل حينها، ناهيك عن أن العدوان الإسرائيلي جعل من الضاحية منطقة غير صالحة للعيش، فالدمار كبير، وتنتشر الروائح الكريهة والمواد السامّة. لقد علقنا في هذا الجحيم".
يتذكر محمد، المقيم في منطقة رأس النبع، هول الصدمة بعد الغارة الإسرائيلية التي استهدفت البناء الذي يقع خلف منزله مباشرة، ويؤكد لـ"العربي الجديد"، أن المنزل لم يتعرض لأضرار جسيمة، لكن ابنه وابنته أصيبا بانهيار عصبي، إذ إنها المرة الثانية التي يتم فيها استهداف المنطقة.
يتابع: "لا خيار أمامنا سوى الصمود، وتحمّل صوت المسيّرات، والرعب الدائم، لكننا نستغرب أن تُعقد اجتماعات لمسؤولين وإعلاميين من المفترض أنهم يتحلون بالوعي والمسؤولية في قلب منطقة مكتظة بالأهالي والعائلات النازحة، من دون إدراك لخطورة الوضع. لقد استشهد عدد من الأبرياء الذين لا ذنب لهم، والمؤسف أن بيروت برمّتها لم تعد آمنة. لذا اقتصر النزوح هذه المرة على سكان المباني المحيطة بالمبنى المستهدف".
من المنطقة ذاتها، يصف عماد المولى المشهد، قائلاً: "كل الناس مرتعبة منذ استهداف المنطقة للمرة الثانية، والمخاوف كبيرة، والصدمة قوية. لكننا لن نترك منازلنا، فلم يعد هناك مكان آمن، وعلينا أن نتحمل ونصمد".
بدوره، يرفض المتحدر من الجنوب أحمد مطر، المقيم في منطقة الشياح، مغادرة منزله، ويقول لـ"العربي الجديد": "كانت الضربة الإسرائيلية بعيدة عن منزلي نحو خمسين متراً فقط، واقتصرت الأضرار على الزجاج. رغم خوفي على زوجتي وطفلتي التي لم يتجاوز عمرها السنتين، لكنني لن أغادر، فهنا وُلدت وترعرعت، وهنا حياتي وذكرياتي وعملي، وقد ازددت إيماناً بأن الاعتداءات الإسرائيلية لا تستهدف طائفة محددة، وإنما مختلف الطوائف، وكل لبنان".
وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية في لبنان، أمس الاثنين، بانتشال أربعة شهداء و22 جريحاً من الموقع الذي استهدفته الغارة الإسرائيلية في شارع مار الياس، مساء الأحد، وانتهاء أعمال الإطفاء.
غادر رامي مزنّر شارع مار الياس، في عام 2016 إلى منطقة الشياح، لكن الحرب أجبرته على العودة أدراجه إلى شارع مار الياس، فكان شاهداً على الغارة الإسرائيلية. ويقول لـ"العربي الجديد": "اعتقدنا أن المنطقة آمنة نوعاً ما، لكن بعد الغارة التي استهدفت مبنى قريباً من مكان سكننا، من الطبيعي أن نشعر بالخوف كوننا نتمسك بحب الحياة، لكن في النهاية لم يعد هناك أي منطقة آمنة، فمن نزحوا من محافظة الجنوب باتجاه جبل لبنان وغيرها من المحافظات لاحقهم القصف إلى أماكن نزوحهم".
يضيف: صرنا نعيش كل يوم بيومه، ولا نفكر بمغادرة المنزل، كوننا تعلمنا من تجارب غيرنا، فهناك عائلات تنقلت بين أربعة منازل، وفي الأخير أصيب أفرادها. علينا التكيف، ومحاولة ملازمة المنزل قدر الإمكان، والخروج فقط للعمل وقضاء الأمور الضرورية".
ويروي مزنر كيف اهتز المنزل عقب الغارة، وشهدت المنطقة حالة من الهلع والهرج في الشارع، وسط أصوات أبواق السيارات والدراجات النارية. يتابع: "شاهدنا ألسنة النيران، وانتشرت روائح الحريق الذي خلفته الغارة، لكننا لم ننزل إلى الشارع كي نفسح المجال أمام فرق الإسعاف والإنقاذ والإطفاء. كلنا أمل في أن تهدأ الأحوال وتتوقف الحرب، وأن ننعم براحة البال والطمأنينة، ونبني البلاد من جديد. حركة النزوح اقتصرت على أهالي المبنى المتضرر، وعادت الحياة في اليوم التالي إلى طبيعتها في شارع مار الياس، ربما لأن اللبنانيين اعتادوا التفجيرات والغارات، واعتادوا الحروب، حتى إنك ترى البعض يندفعون على الدراجات النارية لتصوير أماكن الاستهداف الإسرائيلي".