الرهاب الاجتماعي في الصين بين الواقع والمبالغة

24 ابريل 2022
ترفيه بعيداً عن المجتمع والواقع (غريغ بايكر/ فرانس برس)
+ الخط -

أظهر مسح أعدّته صحيفة "تشاينا يوث ديلي" الصينية أنّ نحو 80 في المائة من طلاب الجامعات الذين استُطلعت آراؤهم يعتقدون بأنّ لديهم أعراضاً خفيفة من الرهاب الاجتماعي. ووجد المسح الذي استند إلى الإدراك الذاتي أنّ نحو سبعة في المائة قالوا إنّهم يعانون من أعراض خطيرة. كذلك أظهرت دراسة محلية ذات صلة أنّ 32 في المائة من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 16 و29 عاماً في الصين يعانون بالفعل من الرهاب الاجتماعي. وبحسب ما يرى مراقبون، فإنّ الاستخدام واسع النطاق لوسائل التواصل الاجتماعي وتحسين الاتصال الرقمي كانا من الأسباب الرئيسية لزيادة القلق الاجتماعي. وقد عدّوا ذلك أمراً شائعاً بين الشباب الذين يُفترض أنّهم في سنّ الفضول والاستكشاف، لكنّهم يرفضون في الغالب الخروج من منازلهم ويعتمدون بشكل مفرط على التواصل الافتراضي في فضاء الإنترنت.

في المقابل، قلّل خبراء في الصحة النفسية من تداعيات ارتفاع معدّلات انتشار الرهاب الاجتماعي بين صفوف الشباب في الصين، ورأوا أنّ نتائج الأبحاث والدراسات غير دقيقة، نظراً إلى اعتمادها على آراء شخصية، مشيرين إلى أنّه استُسهل تداول هذا المصطلح بين العامة، وأنّ المراهقين عمدوا إلى استخدامه ذريعةً للتهرّب من المناسبات الاجتماعية والتكلّف في العلاقات، بخلاف واقع الحال على منصات التواصل الاجتماعي.
شين قوه (20 عاماً) طالبة في جامعة بكين للغات، تقضي أوقات فراغها بمعظمها في تصفّح مواقع التسوّق الإلكترونية ومتابعة أخبار المشاهير والدخول إلى غرف الدردشة لإجراء محادثات مع أصدقاء افتراضيين. تقول لـ"العربي الجديد": "في المحادثات الإلكترونية أشعر بأنّني شخص آخر، إذ يتملّكني الاندفاع والقدرة على التحدّث بطلاقة في كلّ المواضيع، وهذا غير قائم في الواقع. فأنا خجولة جداً، وفي أحيان كثيرة أتجاهل أسئلة أساتذتي في الجامعة، على الرغم من معرفتي الإجابة، وذلك تجنّباً لتسلّط أنظار الطلاب عليّ في قاعة المحاضرات، فهذا أمر يربكني كثيراً". تضيف شين قوه: "أتحدّث في غرف الدردشة مع شباب كثيرين، لكنّني لا أتخيّل نفسي جالسة أمام أحدهم وجهاً لوجه في مقهى أو مطعم. وأظنّ أنّهم مثلي، وإلا ما الذي يدفعهم إلى قضاء يومهم في التحدّث مع أصدقاء افتراضيين بأسماء وصور مستعارة؟".
من جهتها، تقول يي تسانغ (23 عاماً)، وهي كذلك طالبة في جامعة تيانجين، إنّها تفضّل التعارف على مواقع التواصل الاجتماعي لأنّه "أكثر أماناً، ويمنح هامشاً أكبر للتعبير عن النفس والتحدّث في مواضيع قد يكون من الصعب الخوض فيها في اللقاءات المباشرة. وعمّا إذا كانت تعدّ ذلك هروباً، تؤكد يي تسانغ لـ"العربي الجديد" أنّ "لا مشكلة لديّ في توصيف هذه الحالة. ثمّة من يقول إنّ ذلك يندرج تحت بند الرهاب الاجتماعي، لكنّني لا أرى الأمر من هذا المنظار. أنا شخصياً لا أخاف من المجتمع ولديّ عدد من الأصدقاء، لكنّني في النهاية أفعل ما يحلو لي"، لافتة إلى أنّه "في المفاضلة ما بين المجتمع الواقعي والمجتمع الافتراضي، أختار فضائي الخاص الخالي من الكذب والنفاق والخداع".

شابة صينية وعالم افتراضي في الصين (كيفن فريير/ Getty)
انعزال في العالم الافتراضي (كيفن فريير/ Getty)

يعيد الباحث في مركز "خاي ديان" للدراسات الاجتماعية، لي وان تشو، أسباب انتشار الرهاب الاجتماعي إلى سياسات تحديد النسل التي اتّخذتها السلطات الصينية قبل عقود لخدمة خططها التنموية طويلة الأجل. ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "جيلاً كاملاً نشأ في ظل سياسة الطفل الواحد، وتمتّع بمزايا استثنائية لجهة الرعاية الأسرية والدلال من قبل الآباء والأجداد، فلم يكن في حاجة إلى الانخراط في المجتمع، فضلاً عن الرقابة المفرطة والحرص الزائد من قبل الأهل، الأمر الذي تسبّب في نشوء جيل مشوّه العواطف ومتردّد في كثير من الأحيان". يضيف لي وان تشو أنّ "لا أشقاء لأطفال هذا الجيل، وهو ما عزّز شعورهم بالوحدة والعزلة، إلى جانب الانطلاق في التحصيل العلمي، نظراً إلى التنافسية العالية في سوق العمل. وقد حتّم عليهم ذلك قضاء وقت مضاعف في الدراسة على حساب علاقاتهم الاجتماعية"، مشيراً إلى أنّه "من المؤسف أن تجد شخصاً يحمل شهادة دكتوراه وهو غير تزوّج حتى الآن، إذ إنّه ببساطة ليس قادراً على مواعدة فتاة بسبب الرهاب الاجتماعي".
من جهته، يرى أستاذ علم النفس في مركز "دا شينغ" للصحة النفسية، وو جيانغ، أنّ "الأشخاص الذين يصنّفون أنفسهم على أنّهم يعانون من الرهاب الاجتماعي ليسوا جميعاً كذلك بحقّ. فكثيرون من بينهم يستخدمون هذا المصطلح ذريعةً لتجنّب المناسبات والأنشطة الاجتماعية وبعضهم يصرّح بمعاناته علانية من دون أن يُشعره ذلك بالخجل". يضيف وو جيانغ لـ"العربي الجديد" أنّ "الصين جزء من المجتمع الدولي الذي تهيمن عليه وسائل التواصل الاجتماعي، ومن غير المنصف الافتراض أنّ المصابين بهذا الرهاب هم ضحايا التكنولوجيا، بل يعود الأمر إلى عوامل بيئية وظروف اجتماعية لها علاقة بالنشأة والتربية". ويلفت وو جيانغ إلى أنّ "كثيرين من الذين يقصدون عيادتي ويعانون من الرهاب الاجتماعي لا يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، وثمّة أشخاصاً من بينهم لا يملكون حسابات شخصية على المنصات الإلكترونية".

تجدر الإشارة إلى أنّ عدد مستخدمي الإنترنت في الصين يقترب من مليار مستخدم، وبحسب مركز معلومات شبكة الإنترنت الصيني بلغ عدد مستخدمي الإنترنت في البلاد 989 مليوناً في نهاية عام 2020، بزيادة 85 مليوناً على أساس سنويّ. ومن بين هؤلاء، بلغ عدد مستخدمي الهاتف المحمول 986 مليوناً، وبلغ معدّل انتشار الإنترنت 70.4 في المائة.

المساهمون