زادت عمليات التهريب خلال السنوات الأخيرة لتصبح مورد رزق الآلاف من سكان المناطق الحدودية بين تونس والجزائر من جهة، وبين تونس وليبيا من جهة أخرى. ويؤمّن التهريب قوت مئات العائلات، خصوصاً تلك القاطنة على مقربة من الحدود. وارتفعت وتيرة تهريب الوقود والمواد الغذائية والأدوية ومختلف أنواع المخدرات وغيرها، خصوصاً خلال السنوات الأخيرة من جراء الانفلات الأمني في كلا الجانبين التونسي والليبي.
عمليات التهريب هذه أدت إلى انتشار القوات العسكرية والأمنية، خصوصاً على الشريط الحدودي مع ليبيا، ما ساهم في إحباط آلاف عمليات التهريب. كما كُثّفت عمليات المراقبة عند أبرز النقاط الحدودية التي تنشط فيها عمليات التهريب، إذ يلجأ المهربون إلى وسائل شتى لتفادي الدوريات الأمنية. ويعمد المهربون إلى إرسال سيارة من دون حمولة لاستكشاف الطرقات الصحراوية، ويطلق على سائقها اسم "الكشاف"، تتبعه سيارات محملة بالمواد المهربة من بنزين وتجهيزات إلكترونية ومنزلية بالإضافة إلى المواشي والسجائر وغيرها من المواد الأخرى.
ويضطر بعض المهربين إلى السير كيلومترات طويلة في الطرقات الصحراوية ليلاً من دون دليل، أو حتى من دون أي إنارة ترشدهم إلى الطريق مخافة اكتشافهم من قبل الدوريات الأمنية، واتباع الطرقات الوعرة التي لا تصل إليها تلك الدوريات. فهاجسهم الوحيد هو تهريب السلع نحو ليبيا أو إدخالها إلى تونس وتوزيعها على بقية المحافظات.
ويلجأ آخرون إلى حيل أخرى تضمن وصول سلعهم إلى المكان المُراد، تفادياً لاحتمال القبض عليهم في حال تمكنت الدوريات العسكرية أو الأمنية من اكتشاف عمليات التهريب تلك. ويعمد البعض إلى تهريب سلع على ظهور الدواب من حمير أو إبل أو حتى أبقار، تسلك طرقاً اعتادتها بمفردها، لتصل إلى النقطة المراد الوصول إليها. وفي حال اكتشاف أمرها، فلن يكون أي مهرّب في خطر.
وفي 24 مارس/ آذار عام 2018، أعلنت وزارة الدفاع أنّ الوحدات العسكرية في المنطقة الحدودية العازلة في قطاع تطاوين رمادة (جنوب تونس)، تمكنت من اعتراض عدد من الدواب المعدّة لتهريب السلع في الاتجاهين. وحجزت نحو 790 علبة جعة على متن دابتين كانتا متجهتين إلى ليبيا من دون مرافق. وعلى مدى السنوات الماضية، أحبطت العديد من عمليات التهريب عبر الحدود مع الجزائر كانت فيها السلع محملة على ظهور الحمير من دون مرافق.
وأعلنت وزارة الدفاع بداية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، عن إحباط عملية تهريب 1154 هاتفاً جوالاً من خلال ثلاثة من الإبل من دون مرافق.
في بداية الشهر الحالي، أُحبطت عملية تهريب 1154 هاتفاً جوالاً
ومن خلال الطرقات الوعرة في مدينة عين دراهم في محافظة جندوبة، تنشط عمليات التهريب في العديد من النقاط هناك، وتُهرّب السجائر والسلع الإلكترونية ومختلف أنواع المخدرات عبر الاستعانة بالحمير، كما تعلن أحياناً الوحدات الأمنية والعسكرية في المنطقة التي تكتشف عمليات التهريب.
ويقول عبد الكريم (35 عاماً)، وهو أحد سكان المنطقة لـ "العربي الجديد": "تهريب البضائع من خلال الحمير هو طريقة متبعة منذ سنوات بين المهربين التونسيين والجزائريين على حدّ سواء. وتعد أكثر أماناً بالنسبة إليهم في حال اكتشاف عمليات التهريب، لتحجز البضائع من دون التمكن من القبض على المهربين والمتورطين في تلك العمليات". يضيف: "الجميع يعلم تلك الطريقة التي لا تعد غريبة في تلك المنطقة. وغالباً ما تُدرّب الحمير على مدى أسابيع لتعتاد قطع بعض المسافات في طرقات وعرة يومياً تربط بين نقطتين رئيسيتين لتبادل البضائع، ولا سيما تلك الإلكترونية، على أن يتم تغيير تلك الطرقات مرات عدة حتى لا يكتشف أمرهم".
وتنشط في تلك المناطق تربية وتجارة الحمير التي تباع بأثمان باهظة مقارنة بتلك التي تباع في مناطق أخرى، كونها مدرّبة على السير في طرقات تلك المناطق الوعرة، بالإضافة إلى قدرتها على حمل البضائع المهربة والسير بها مسافات طويلة.
ويقول محمد، وهو أحد العناصر العسكرية لـ "العربي الجديد": "العديد من عمليات التهريب اكتشفت على الحدود مع الجزائر في مناطق عدة على غرار الكاف وجندوبة والقصرين. لكن لا يتم اعتقال أي شخص لأنّ المحملين بالبضائع ليسوا إلّا بعض الحمير التي يتم تدريبها على القيام ببعض عمليات التهريب في الغابات والمراعي والمرتفعات التي لا تستطيع الوحدات الأمنية الوصول إليها إلّا سيراً على الأقدام، خصوصاً في منطقة جندوبة شمال غربي البلاد. لكن بسبب وجود عناصر إرهابية في تلك المناطق، باتت الدوريات الأمنية تقوم بعمليات سيراً على الأقدام في بعض الطرقات الجبلية، وتضبط عشرات الأنواع من البضائع المهربة من الجزائر". ويشير إلى تهريب العديد من رؤوس الأغنام والأبقار بتلك الطريقة، أي دون مرافق. ويعمد بعض المهربين إلى رعي تلك الأغنام في المناطق الحدودية. وعند الوصول إلى نقطة معينة يصعب فيها وجود مراقبة أمنية، يتم إدخال الأغنام أو الأبقار إلى الجزائر أو ليبيا.
يشار إلى أن الجهات الأمنية في الجزائر، وتحديداً في ولاية سوق أهراس، أكدت وجود إقبال كبير في المنطقة على تجارة الحمير بسبب اعتمادها في عمليات التهريب مع تونس.