فجر كلّ يوم، منذ أواخر يونيو/ حزيران الماضي تنطلق فاطمة وبناتها نحو مزارع التين الشوكي (الصبّار أو الصبّير)، في رحلة عمل يومية تستمر حتى بداية نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. تحمل في يدها عصا طويلة في نهايتها قطعة حديدية تشكل ثلاثة أسنان طويلة لالتقاط حبات التين العالية، مع دلو صغير تضع فيه الثمار التي تجمعها، قبل وضعها في صناديق معدّة للغرض. وتتقاضى مقابل الصندوق الواحد ما يعادل دولاراً أميركياً واحداً.
تقول فاطمة لـ"العربي الجديد" إنّها تعمل في هذه المهنة الموسمية التي تستمر أربعة أو خمسة أشهر منذ خمسة أعوام، لتعمل في بقية العام في غيرها من الأعمال الفلاحية. لكن، تبقى عملية جمع ثمار التين الشوكي من أكثر الأعمال مشقة وصعوبة وخطورة: "إذا كانت الريح تهب بسرعة فإنّنا نعاني كثيراً من الأشواك الرقيقة التي تصيب أعيننا وأجسادنا عموماً، لا سيما أنّنا نعمل من دون نظارات واقية أو بدلة تحمي أجسادنا، فيما تدمي الأشواك الحادة أيدينا لأنّنا نعمل من دون قفازات. ولا نسلم حتى من لدغات الأفاعي والعقارب التي تتخذ من أشجار الصبّار أوكاراً لها. هي مهنة شاقة فعلاً ومتعبة، لكنّها توفر لنا الخبز". تضيف فاطمة أنّ بعضهن يعانين من حساسية وحكة جلدية كبيرة بسبب وخز الأشواك باستمرار طوال الموسم. وبالرغم من ذلك، تعمل في هذا القطاع النسوة أكثر من الرجال. وحتى أصحاب الأراضي يفضلون تشغيل النسوة لانخفاض أجورهن مقارنة بالرجال. وكثيراً ما يتعرض بعضهن إلى لدغات الأفاعي أو العقارب ولا يتكفل المشغل بعلاجهن.
بدورها، تذهب ربح (55 عاماً) يومياً إلى مزارع منطقة السابقين في محافظة منوبة وبعض المناطق الأخرى المجاورة والمليئة بنبات الصبار. تختار الحبات الناضجة منها وتقطفها بعصاها، ثم تضعها على الأرض، ليتولى ابناها، اللذان يساعدانها خلال العطلة، بمسح تلك الحبات ببعض أوراق الشجر الخضراء لتنظيفها من الأشواك، قبل وضعها في الصناديق التي يجمعها في نهاية اليوم صاحب الأرض، ويسلّمها إلى أحد تجار الجملة. ساعات العمل الطويلة والتجول في المزارع أكثر من ست ساعات في اليوم تتعبها: "نعمل منذ السادسة صباحاً إلى ما بعد الظهر، وأحياناً طوال اليوم لنجمع أكبر كمية من التين، إذ نتقاضى أجرتنا بحسب الكمية التي نجمعها، والتي تتراوح بين دولارين وخمسة دولارات في اليوم الواحد".
تنبت أشجار الصبار في محافظات تونسية جنوباً وشمالاً بما فيها الساحل. تنتشر خصوصاً حول الأراضي الزراعية، ويزرعها أصحابها لرسم حدود أراضيهم. لكنّها باتت تمثل تجارة مربحة للعديد من أصحاب تلك الأراضي، ورزقاً لعدد كبير من النسوة. هذه الزراعة المربحة دفعت العديد من أصحاب الأراضي لا سيما في محافظات الشمال إلى زراعة أراضٍ شاسعة بالصبار، بعدما أصبحت ثماره من التين الشوكي، تلقى رواجاً كبيراً في الأسواق الداخلية، وتُصدّر بكميات كبيرة نحو العديد من الدول. تقول ربح إنّ ضيق الحال، وقلة فرص العمل خصوصاً في فصل الصيف الذي تقل فيه زراعة الخضروات، تدفعها للعمل في جمع ثمار الصبّار، حتى لو كان مليئاً بالأشواك. هي تعمل رفقة نحو خمسين امرأة يومياً. يتنقلن بين مزارع عدة بمسافات طويلة. ولا يقتصر عملهنّ على جمع ثمار التين الشوكي، بل يزرعنه أيضاً منذ بداية سبتمبر/ أيلول وصولاً إلى أكتوبر/ تشرين الأول. ويجري اقتطاع أوراق الصبّار الخضراء متوسطة الحجم خلال جمع بعض الثمار وتركها ليومين لتجفّ قليلاً، ثمّ تغرس في الأرض في خطوط مستقيمة. لتنبت مع بداية الشتاء وهطل الأمطار، بحسب ربح.
منذ سنوات، انتشرت في تونس عدّة مصانع لاستخراج الزيوت من ثمار التين الشوكي ومن أوراقه، فيما بذوره التي تتوفر على كمية من الزيوت تباع بأثمان عالية نظراً لاستعمالها في صناعة منتجات التجميل في أوروبا خصوصاً. ويتراوح سعر اللتر الواحد من زيت بذور التين الشوكي بما بين 250 دولاراً و400، فيما يتطلب استخراج لتر واحد منه نحو طن أو طن ونصف من الثمار.
كذلك، هناك مصانع لتحويل قشور وأوراق التين إلى علف للحيوانات. وتوفر تلك المصانع أكثر من 3 آلاف وظيفة، تمثل فيها النساء النسبة الأكبر من اليد العاملة بنحو 90 في المائة. سواء خلال عملية جمع المحصول أو استخراج البذور من حبات التين الشوكي أو عملية تجفيفه وفرزه. وقد خلقت تلك المصانع المتمركزة أساساً في المناطق الريفية فرص عمل هامة لتلك الجهات التي تفتقر لمشاريع تنمية وتشغيل.