الأردن: جرائم خطرة تقلق المجتمع

24 يوليو 2022
الحكومة متهمة بعدم تحمل مسؤوليتها (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
+ الخط -

خلال الفترة الماضية، شهد الأردن ارتفاعاً في نسبة الجرائم، وقد خلق بعضها تفاعلاً كبيراً على وسائل التواصل الاجتماعي بعدما شغلت الرأي العام. هذه الجرائم تمثلت في مقتل الطالبة في جامعة العلوم التطبيقية إيمان إرشيد على يد شاب من خارج الجامعة، في وقت شهدت مدينة الرمثا شمال البلاد جريمة راح ضحيتها طفلتان على يد والدهما الذي دفنهما في محيط منزله، واعترف بعد التحقيق معه بضرب إحداهما بواسطة عصا الأمر الذي أدى إلى وفاتها ولم يكن منه إلا دفنها. وبعد أيام، توفيت الابنة الثانية نتيجة الضرب فرماها في حفرة إلى جانب المنزل. وفي عجلون (شمال البلاد)، قتل رجل سبعيني ابنيه رمياً بالرصاص نتيجة خلافات مالية سابقة بينهم. 
في هذا السياق، تقول أستاذة علم الجريمة خولة الحسن لـ "العربي الجديد": "يجب دراسة الجرائم في الأردن بشكل منفرد وأسلوب علمي معمق بهدف تحديد أسباب ارتفاع وتيرتها في الفترة الأخيرة، سواء كانت نتيجة خلافات أسرية أو مالية". تضيف: "السبب الحقيقي لوجود هذه الخلافات مجهول". وتسأل: "ما هي الخلافات التي قد تدفع أب إلى قتل أولادة بطريقة شنيعة أو أصدقائه أو عائلته؟". 
تتابع الحسن: "يواجه المجتمع الأردني مشكلة تتعلّق بالتعامل مع الآخرين؛ إذ يحاول البعض إلقاء مسؤولياتهم على الآخرين"، مشيرة إلى أن الخلافات بين الرجل وزوجته تتسبب بقتل وخسارة الأبناء، محملة جزءاً من المسؤولية للجهات المعنية بالإصلاح الأسري. تضيف: "هناك حالة من التذمر والسخط وعدم الرضا"، موضحة أن "المنافسة غير شريفة في العمل والمدرسة والجامعة، كما أن العلاقات غير سليمة في البيت". وتحذر من أنه "في حال لم يكن هناك حلول وتحديد لأسباب هذا السخط، ستصبح الأمور أصعب في المستقبل".   
وفي ما يتعلق بأسباب الجريمة، تقول: "ما من سبب واحد، بل هناك أسباب متداخلة ومتشابكة، من بينها الظروف الاجتماعية والاقتصادية. كما ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في ارتفاعها وخصوصاً أنها تنشر تفاصيل عن تلك الجرائم". تضيف: "أصبح هناك استنساخ للتهديدات بعد جريمة جامعة المنصورة في مصر (راح ضحيتها طالبة بعد إقدام طالب على ذبحها أمام بوابة الجامعة)، لافتة إلى أن هناك من يحاول تطبيق ما يراه في الأفلام على أرض الواقع، إذ تكشف الكثير من التحقيقات مع مرتكبي الجرائم مدى تأثرهم بأفلام معينة.  
وترى الحسن أن الجرائم باتت مثل الترند؛ فعندما تقع جريمة تتبعها جرائم عدة لتستمر حلقة العنف. ويعد توالي الجرائم ونوعيتها جديداً في المجتمع الأردني على غرار الجرائم الأخيرة. فما الذي يدفع رجل سبعيني إلى قتل ابنيه من دون الوصول إلى تفاهمات وحل المشاكل بأسلوب بسيط؟". تضيف: "أصبح المواطنون يشككون في كل نتائج التحقيقات وهذه مشكلة في حد ذاتها"، مشيرة إلى أن "ردود الفعل على الجرائم أصبحت مسيئة، إذ يطعن بشرف الجميع في الكثير من الجرائم، عدا عن انتهاك خصوصية الضحايا وأهلهم".  

بدوره، يقول مستشار الطب الشرعي وخبير الأمم المتحدة في مواجهة العنف هاني جهشان، لـ "العربي الجديد" إن "القتل المرتبط بالعلاقات بين الأشخاص يعد الأكثر انتشاراً في الأردن، وذلك بسبب وجود نزاع بين الجاني والمجني عليه، أو لقيام الجاني بعقاب المجني عليه لأسباب اجتماعية وثقافية واقتصادية. ومن أبرز هذه الجرائم القتل المرتبط بالنوع الاجتماعي، والقتل العرفي (جرائم الشرف وتلك العاطفية)، والقتل الجماعي للأسرة. وفي هذه الجرائم، عادة ما يكون الجاني والمجني عليه مقيمين في مسكن واحد أو تربطهما علاقة اجتماعية. وترتبط جريمة القتل بعوامل عاطفية أو اقتصادية أو قانونية". يتابع: "الحد من هذه الجرائم لا يعتمد على تشديد العقوبات للردع، بل على برامج الوقاية الأولية المتعلقة بمعالجة العوامل التي تشكل خطراً أو تهديداً ما قبل حدوث الجريمة، وبرامج الوقاية الثانوية الموجهة لفئات من المجتمع معرضة للخطر أكثر من غيرها". 
ويقول إن تنفيذ جريمة القتل يتطلب أن يكون هناك دافع للقتل وتخطيط وظروف تسمح بالتنفيذ وسياق يوفر أداة الجريمة ومكانها وقدرة على التنفيذ ترتبط بماهية العلاقة ما بين الجاني والمجني عليه. يضيف: "للأسف، يغيب عن ذهن كثيرين أن جريمة القتل تكتمل بسبب تراخي وعجز الحكومة". ويوضح أن "الحكومة ما زالت تنأى بنفسها عن مهمة رئيسية تتعلق بحياة وصحة الإنسان وهي الوقاية من العنف والإصابات، على الرغم من توصيات منظمة الصحة العالمية بإنشاء مديرية الوقاية من العنف والإصابات قبل سنوات عدة، والتي لم تبادر للعمل على الإطلاق".  
ويشير إلى شيوع الأمراض والاضطرابات النفسية والإدمان في ظل ضعف الاستجابة لها على المستوى الوطني من خلال الوقاية وتوفير العلاج والتأهيل والعمل على تطوير التشريعات المتعلقة بالطب النفسي. ويرى أن الحكومة فشلت في مواجهة الفقر والبطالة، وتشكل الأخيرة أحد عناصر عوامل الخطورة المجتمعية لارتكاب جرائم القتل سواء داخل الأسرة أو خارجها. كما يشير إلى شيوع التعاطي والاتجار بالمخدرات وخصوصاً تلك المصنعة محلياً. ويقول جهشان إن الفجوات في التشريعات الأردنية ما زالت تسمح بالإفلات من العقاب وخصوصاً جرائم قتل النساء والأطفال داخل الأسرة المتعلقة بإسقاط الحق الشخصي. 

تحاول الشرطة ضبط الأمن (Getty)
تحاول الشرطة ضبط الأمن (Getty)

يشار إلى أنه بحسب التقرير الجنائي الصادر عام 2021، فقد بلغ عدد جرائم الجنايات والجنح 1087 جريمة شكلت ما نسبته 5.18 في المائة من مجموع الجرائم الكلي. وأفاد بأن جريمة الإيذاء البليغ شكلت أعلى نسبة في جرائم الجنايات والجنح التي تقع على الإنسان وبلغت 60.44 في المائة، تلتها جريمة الشروع بالقتل بنسبة 26.68 في المائة. 
وكشف التقرير أن معدل ارتكاب الجريمة في الأردن بلغ 19 جريمة لكل 10 آلاف نسمة، بواقع 20.991 جريمة عام 2021. وفي عام 2020، فقد سجل التقرير وقوع 90 جريمة قتل عمداً إلى جانب تسع جرائم ضرب أفضى إلى الموت، وبلغ عدد الجناة في جرائم القتل العمد والقصد 201 شخص، فيما بلغ عدد المجني عليهم في هذه الجرائم 99 شخصاً. 

المساهمون