أعاد مقتل ثمانية أشخاص بانفجار حصل في مستودع للعطور ومواد التجميل في منطقة عين ولمان بولاية سطيف شرقي الجزائر، الحديث عن المخاطِر التي تهدّد بعض الأحياء السكنية الجديدة في البلاد، بسبب الفوضى السائدة في عمليات إنشاء المباني وتجهيزها، وتخزين سلع خطرة في مستودعات ومعامل صناعية ومحلات تجارة غير حائزة تراخيص.
وشبّه بعضهم حادث مدينة عين ولمان بانفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/ آب 2020، رغم الاختلاف الكبير في حجم الانفجار والأضرار وعدد الضحايا، فالأسباب تكررت على صعيد الفوضى الإدارية وعدم احترام معايير السلامة، وغياب المسؤولية. وكشفت التحقيقات أنّ صاحب المبنى خزّن عطوراً ومواد تجميل بلا مراعاة شروط السلامة البشرية.
والواقع أن غالبية المباني شبه الجاهزة، وهي ملك للقطاع الخاص، تستخدم لتخزين بضائع أو إنشاء ورش غير قانونية، حيث يستغلها أصحابها في مشاريع استثمار كمستودعات لمختلف أنواع السلع التجارية، مع تعمد مخالفة قوانين السكن والتجارة.
وفي معظم الأحياء السكنية بالجزائر، تضم عشرات المباني ورشاً تحتضن معظم النشاطات الصناعية، مثل النجارة والحدادة وكراجات تصليح السيارات وصنع العطور ومواد التجميل التي تستخدم مواد سريعة الاشتعال، ما يشكل خطراً على حياة السكان، رغم أن ضوابط قانونية تنظم كل الأنشطة التجارية والحرفية والصناعية.
وكان الديوان الوطني للمخاطر الكبرى نبّه في تقرير نشره قبل فترة للكوارث التي تشهدها الجزائر من خلال الانتشار غير المسبوق للورش التجارية والمستودعات خصوصاً في الأحياء الشعبية وتلك السكنية المشيّدة حديثاً، علماً أن أحياء جديدة عدة أنشئت على أطراف مدن تشكل مراكز لهذه النشاطات، خصوصاً تأجير مخازن في مبان آهلة بالسكان من دون أن يحصل أصحابها على تراخيص لمزاولتها.
ويعتبر المهندس الاختصاصي في المشاريع السكنية محمد بوفناية، وهو عضو في المجمع الجزائري للمهندسين، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "هناك ضرورة لإعادة النظر في التراخيص التي تمنح لفتح نشاطات خدماتية في الأحياء السكنية، ومراقبة مستودعات التّخزين في المجمعات السكنية، والتي تزداد مع امتداد إنشاء المباني، وكذلك بعض كراجات تصليح السيارات والدراجات النّارية. أيضاً، يجب أن ينظم المسؤولون المهن والنشاطات، وتعيد وزارة التجارة تحديداً تعيد النظر في إبقاء هذه النشاطات في المجمعات السكنية، ما يجعلها مصدر خطر كبير جداً، إذ لا يعقل أن يسمح لورش الحدادة والنجارة والميكانيك التي تزعج آلاتها المستخدمة السكان وتقض سكينتهم، بالتواجد في قلب أحياء، ويجب نقلها الى مناطق خاصة" .
وتشهد الجزائر منذ سنوات توسّعات سكنية في مختلف الولايات، لكن متخصصين كُثراً حذروا من الفوضى في البناء، وعدم مراعاة المعايير التقنية والسلامة. ويمكن ملاحظة تزايد عدد المصانع والمستودعات في المدن الجديدة خلال العقدين الأخيرين، خصوصاً في وهران وقسنطينة وعنابة وسطيف والجزائر العاصمة والبليدة. وتطرح في السياق تساؤلات عدة حول الطبيعة القانونية التي تضعها السلطات المعنية لممارسة نشاطات تجارية وورش في هذه التجمعات السكنية، ومقدار توافقها مع معايير السلامة والأمن.
ويرى الاختصاصي في علم الاجتماع السكاني في جامعة وهران (غرب) نور الدين بن صافي، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "السلطات يجب أن تتدخل للحد من الفوضى العمرانية، فغالبية القاطنين يشيّدون مبانيَ من طوابق عدة غير مكتملة يستغلّونها لتحقيق أرباح عن طريق تأجيرها لتجار وأصحاب ورش صناعية أو لتخزين سلع، فيما يحوّل البعض الطوابق الأرضية من هذه المساكن إلى مستودعات لأصحاب نشاطات ومهن لا تخضع لأي ترخيص، وتضرب عرض الحائط بجمال الأحياء السكنية والسلامة البشرية".
ويشير بن صافي إلى أن "الأحياء الجديدة في المدن الجزائرية التي شهدت توسعاً عمرانياً باتت تشكل امتداداً لمبان سكنية لا تهتم بالطابع العمراني وجمال المدن، ولا تحترم مقاييس البناء ومعايير ممارسة النشاطات فيها، إذ تشهد بعض العمارات رواجاً في احتضان نشاطات تجارية وورش صناعية وحرفية لا تنسجم مع الطابع السكني، ويستغلها أصحاب مشاريع خاصة كمحلات بدلاً من مرأب لركن السيارات على سبيل المثال، فيقلقون السكان ليلاً نهاراً من الفوضى والضجيج. وأحياناً تستعمل ورش الكهرباء بضغطٍ عالٍ، وأفراناً ومواد كيميائية قد تتسبب في كوارث".
وإلى مشكلات إزعاج السكان والآثار البيئية المرتبطة بأنشطة لا تنسجم مع الأحياء السكنية، والتي يواجهها عدد كبير من الأحياء الجديدة في ضواحي العاصمة الجزائرية، مثل باب الزوار وبرج الكيفان ودرقانة في الضاحية الشرقية، أو سيدي عبد الله وألاد فايت في الضاحية الغربية، تشمل المشكلات الأخرى النقص في الكهرباء والمياه، باعتبار أن غالبيتها تحتاج إلى كميات كبيرة من مصادر الطاقة.
ويشدد الاختصاصيون على ضرورة إعادة السلطات النظر في أنظمة العمار، واستبعاد الأنشطة التجارية والحرفية والصناعية من الأحياء السكنية، وفرض تدابير لضمان احترام السلامة البشرية والبيئة وإخضاعها لقواعد وقوانين على صعيد تخطيط المشاريع، ووضع مقاييس تستجيب لها المباني لتنظيم النشاطات المختلفة داخل الأحياء السكنية، وحماية البيئة العمرانية.