انهارت الحياة في مدينة جنديرس الواقعة بمحافظة حلب، شماليّ البلاد، عقب الزلزال الذي وقع في السادس من فبراير/ شباط الماضي، والذي دمّر أجزاءً واسعة منها. وقد حرمت تلك الكارثة الطبيعية سكان جنديرس، أهلها وكذلك النازحين إليها، المأوى. كذلك تعطّلت العملية التعليمية في مدارسها القليلة، الأمر الذي سبّب نكبة حقيقة.
ووفقاً لمعطيات المجلس المحلي لمدينة جنديرس، تضرّرت 24 من 45 مدرسة في المدينة، جرّاء الزلزال الذي وقع قبل أقلّ من عام في شمال سورية وجنوب تركيا. وتضرّر أكثر من نصف المدارس التي تُعَدّ في الأساس قليلة نسبةً إلى عدد التلاميذ، علماً أنّ نحو 40 ألف تلميذ كانوا يتابعون تعليمهم في هذه المدارس. وقد خُصّصت تسع مدارس من تلك التي لم تتضرّر لإيواء المهجّرين من جرّاء الزلزال، في حين عمدت المنظمات الإنسانية إلى خطة إسعافية، فأقامت 10 خيام لتعليم الأطفال الذين فقدوا مدارسهم.
وفي هذا الإطار، ومن أجل دعم العملية التعليمية، وضعت منظمة الدفاع المدني السوري، أمس الأربعاء، الحجر الأساس لإعادة بناء مدرسة خالد بن الوليد في جنديرس التي تُعَدّ من كبرى مدارس المدينة. وقال نائب مدير الدفاع المدني السوري، منير المصطفى، لـ"العربي الجديد" إنّ مدرسة خالد بن الوليد في مدينة جنديرس دُمّرت بالكامل من جرّاء الزلزال الذي ضرب المنطقة في السادس من فبراير 2023، مبيّناً: "نحن حالياً في طور إعادة إعمار المدرسة".
وأوضح المصطفى أنّ "المدرسة التي تتألف من أربع طبقات بمساحة تتجاوز ستة آلاف متر تضمّ 116 غرفة، ما بين قاعات تدريس ومختبرات وغرف للإدارة. وإعادة تأهيلها تأتي في سياق جهود المنظمة للتعافي"، مشدّداً على أنّ "الأولوية هي للتعليم ومستقبل سورية". أضاف المصطفى أنّ من غير الممكن ترك الأطفال في الوضع الذي وجدوا أنفسهم فيه بعد الزلزال، وبالتالي "من أوليات دعمنا دعم العملية التعليمية. ونحن في المرحلة الأولى من إعادة البناء". وأشار المصطفى إلى أنّ "هذا مشروع حيوي مهم جداً لدعم العملية التعليمية واستعادة سبل الحياة في المنطقة".
من جهته، أفاد المدرّس براء سالم، المقيم في جنديرس "العربي الجديد" بأنّ "الدمار الذي طاول المنطقة انعكس سلباً على التلاميذ المقيمين فيها"، مشيراً إلى أنّ "تسرّباً مدرسياً سُجّل بعد الزلزال، ولعلّ السبب الأوّل مغادرة السكان جنديرس وسكنهم في مخيّمات بعيدة عن المدارس، ولا سيّما أنّ كثيرين فقدوا القدرة على توفير وسائل لنقل أطفالهم إلى المؤسسات التربوية". وتابع سالم أنّ "تضرّر مدرسة خالد بن الوليد التي كانت تستقبل ثلاثة آلاف تلميذ مثّل سبباً إضافياً للتسرّب"، يُضاف إلى ذلك أنّ "نسبة من التلاميذ في جنديرس اتّجهت إلى العمل بعد الزلزال بسبب الضائقة المادية، فيما انتقلت عائلات من المنطقة، وفقد تلاميذ المعيل، ولم يعودوا بالتالي قادرين على متابعة تعليمهم".
ولفت سالم إلى أنّ "ثمّة منظمات أقامت في جنديرس مشاريع خيم تعليمية مؤقتة، يقصدها الطفل لتلقي التعليم وكذلك الترفيه"، ورأى أنّ "لوضع الحجر الأساس للمدرسة وقعاً إيجابياً على التعليم، علماً أنّ مخيمات عشوائية كثيرة لا تضمّ أيّ مدارس".
سكان جنديرس وصدمة الزلزال
في سياق متصل، أوضح محمد عبد السلام، وهو أحد المقيمين في جنديرس لـ"العربي الجديد" أنّ "السكان ما زالوا، حتى الوقت الحالي، يعيشون حالة من الصدمة من جرّاء الزلزال"، مضيفاً أنّ "هزّات خفيفة تحدث ما بين فترة وأخرى في المنطقة، والأطفال ما زالوا يخافون. فما حدث كان صعباً، ونحن كأهالٍ لم نهتمّ بمتابعة تعليم أولادنا في الفصل الثاني من العام الدراسي السابق في المنطقة، إذ لم نكن قادرين على استيعاب ما نحن فيه، ولا سيّما مع تنقّلنا من مكان إلى آخر بحثاً عن مأوى".
وأكمل عبد السلام أنّ "في الوقت الحالي، مع حالة شبه الاستقرار، بدأنا نركّز مجدداً على متابعة أطفالنا تعليمهم"، لافتاً إلى أنّ "ابنتي الكبيرة في الصف الثالث الابتدائي، وحتى الوقت الحالي ما زالت في مرحلة التعافي". وبالنسبة إليه، فإنّ "إعادة أعمار المدارس في المنطقة سيكون لها أثر إيجابي كبير على التلاميذ"، آملاً أن "تعود كلّ المدارس إلى العمل".
وتعليقاً على عملية إعادة تأهيل المدارس، قال الإعلامي رمضان سليمان، المقيم في جنديرس لـ"العربي الجديد" إنّ "عدد النازحين إلى المنطقة يفوق عدد أهلها، والمنطقة في حاجة إلى مدارس وإلى بنى تحتية للمدارس"، مشيراً إلى أنّ "مدارس في حاجة إلى ترميم، فيما أُزيلت أخرى، ولعلّ أبرز المدارس في المنطقة مدرسة خالد بن الوليد".
من جهة أخرى، بيّن سليمان أنّ ما بين 200 و300 تلميذ قُتلوا من جرّاء الزلزال الذي أثّر كثيراً بالمنطقة عموماً، وبالتعليم فيها، كذلك فقدنا 16 مدرّساً وكادراً تعليمياً". وأشار إلى أنّ "المدارس قبل الزلزال كانت تضمّ أعداداً كبيرة في الصف الواحد، ما بين 70 و80 تلميذاً، أمّا في الوقت الحالي فما بين 50 و75 تلميذاً". وأكد سليمان أنّ "التعليم في المنطقة كان يعاني عموماً من صعوبات تزايدت بعد الزلزال، ولا سيّما أن لا مدارس في مخيمات النازحين".
يُذكر أنّ جنديرس تتبع إدارياً لمنطقة عفرين، وتضمّ 62 تجمعاً سكنياً، من بينها 33 قرية و29 مزرعة. وتُعَدّ أراضيها من أهم مناطق الإنتاج الزراعي في عفرين، وتشتهر بمحاصيل الزيتون وبإنتاج زيت الزيتون، إلى جانب الحبوب والشمندر السكري والعنب والسمسم والبطيخ والتبغ.
وجنديرس من المناطق ذات الغالبية الكردية، وقد سيطرت عليها "وحدات حماية الشعب" الكردية على مدى سنوات، ثمّ القوات التركية وفصائل المعارضة السورية بعد العملية العسكرية التي أُطلق عليها "غصن الزيتون" في مارس/ آذار من عام 2018. وبعد ذلك، صارت مقصداً لنازحين كثيرين من أرياف دمشق وحماة وإدلب الذين فرّوا من سيطرة النظام السوري على مدنهم وبلداتهم، علماً أنّ أعداداً منهم قضت في زلزال فبراير 2023.