أيتام أفغانستان بلا مأوى

10 ديسمبر 2021
أطفال أفغان داخل دار للأيتام (فريد زهير/ Getty)
+ الخط -

عاش الطفل الأفغاني عبد الله جان، المعروف بين أسرته باسم "الصغير"، حياة قاسية بعد موت والده وزواج أمه من عمه، لكن مسار حياته تغير تماماً عندما انضم إلى صفوف المقاتلين التابعين لحركة طالبان، ثم انتهت سريعاً بمقتله خلال إحدى المعارك في مدينة بلخ شمالي أفغانستان.
قتل والد عبد الله في إحدى المعارك أيضاً، وحينها كانت أمه ما زالت حاملاً به، فلجأت الأم إلى باكستان مع إخوة زوجها، لتعيش أياماً صعبة هناك، وبعد أن وضعت طفلها، تقرر أن تتزوج من شقيق زوجها الراحل ليكفلها وطفلها اليتيم.
كان عبد الله مدللاً من الأسرة كونه الطفل الوحيد في المنزل، لكن حين بلغ عمره سبع سنوات، أنجبت أمه طفلاً آخر من الزواج الثاني، لتتغير طريقة تعامل زوج أمه معه، على الرغم من أنه عمه في ذات الوقت، إذ كان يشتمه ويضربه، ومن دون سبب أحياناً.
ألحقته الأم بالدراسة في مدرسة دينية بمدينة بيشاور في شمال غرب باكستان، وكانت المدرسة تسمح للطلاب بالبقاء داخلها، وكان الهدف إبعاده عن تنكيل زوجها، قضى عدة سنوات في المدرسة، ثم انضم إلى صفوف حركة طالبان من دون أن تعرف أمه؛ لكنها لاحقاً لاحظت انقطاع التواصل بينهما.

وفي أحد الأيام، جاء بعض أقرانه إلى المنزل، وأخبروا الأسرة أنه قتل خلال معركة مع القوات الحكومية الأفغانية في ولاية بلخ، وذلك قبيل سقوط العاصمة كابول في يد حركة طالبان في منتصف أغسطس/ آب الماضي.
قصة عبد الله جان ليست استثناء، وإنما تكررت مع آلاف من الأطفال الأفغان اليتامى، فكثير منهم ينضم إلى جبهات القتال المختلفة أملاً في توفير ما يعينه على نفقات الحياة، ومعظم هؤلاء مصيرهم مجهول، ويخلف موتهم الكثير من المآسي.
بعد استيلاء حركة طالبان على العاصمة كابول، تغير كل شيء في البلاد، وكان لدور الأيتام نصيب من ذلك التحول أيضاً، يقول مسؤول إدارة رعاية الأيتام في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، فيضان الله كاكر، لـ"العربي الجديد"، إن "عدد دور الأيتام في أفغانستان يبلغ 68 داراً، من بينها 28 داراً تمولها الحكومة الأفغانية، و40 أخرى تأسست برعاية مؤسسات خيرية دولية مختلفة، وهي تقوم بتوفير كل احتياجاتها".
ويضيف كار أن "عدد الأطفال في هذه الدور يقدر بنحو عشرة آلاف، وغالبيتهم يدرس في داخل تلك الدور، لكن نحو خمسين في المائة منهم تم إرسالهم إلى منازلهم، أو إلى منازل أقاربهم، بعد التغييرات الأخيرة التي عاشتها البلاد، والتي نجم عنها تراجع الوضع المعيشي الهش بالأساس، وتوقفت مؤسسات غير حكومية عن العمل، كما أن حكومة طالبان لم تتمكن حتى الآن من ترتيب الأمور لتوفير الدعم اللازم لتلك الدور".

خلفت الحرب آلاف اليتامى في أفغانستان (نور الله شيرزادة/فرانس برس)
خلفت الحرب آلاف اليتامى في أفغانستان (نور الله شيرزادة/ فرانس برس)

وأوضح أن "بقية الأطفال الذين تقرر إبقاؤهم في دور الأيتام هم الذين لم يعد لديهم أسر، أو تعيش أسرهم في ظروف صعبة لا تمكنها من التكفل بهم، وهؤلاء نحاول التكفل بهم بكل السبل، وطرق كل باب، سواء المسؤولين في حكومة طالبان، أو المؤسسات الدولية، للحصول على الدعم الذي يمكننا من تسيير أمور دور الأيتام، فهم شريحة مظلومة، ولا ذنب لهم ليتحملوا أعباء ما يجري في البلاد، ولكننا فشلنا إلى حد كبير، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه الآن، فسوف تغلق دور الأيتام أبوابها في وجه جميع اليتامى".
لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، وإنما ثمة مشكلة أكبر تتمثل في وجود عدد كبير من البنات، وبينهن طالبات، من بين اليتامى الذين ليس لديهم أحد يتكفل بهم، وغالبيتهن يردن أن يكملن دراستهن، وعند إغلاق أبواب تلك الدور ستتحول حياتهن إلى مأساة، بحسب فيضان الله كاكر.
من بين قلة من اليتامى في إحدى الدور الموجودة بالعاصمة كابول، الطفل أحمد ويس الدين، يقول لـ"العربي الجديد": "كان أبي جندياً في الجيش الأفغاني، وقتل خلال المعارك مع حركة طالبان في ولاية كابيسا، وبقيت مع والدتي، وكنا نعيش في مديرية تشك بولاية ميدان وردك، وكان إمام المسجد رحيماً، فأخذني إلى كابول، وتركني في دار الأيتام هذه، وكنت أدرس بالمجان، وألعب مع أقراني، وتحسنت حالتي الصحية، والآن لا أريد الذهاب إلى المنزل؛ لأنني حينها سأترك دراستي، ورفاقي، وأرجع إلى وضع كنت فيه عاطلاً عن كل شيء".
يأمل ويس الدين، ومثله كثير من الموجودين في دار الأيتام أن تتولى حركة طالبان القضية، وأن تتعامل معها كسلطة تحكم البلاد، وأن يسعى المجتمع الدولي إلى تولي أمور الأيتام في أفغانستان، يقول: "نتوقع أن تتحسن الأمور قريباً، وأن حكومة طالبان، أو المجتمع الدولي، ستأخذ زمام المبادرة، وتتولى تدبير أمور دور الأيتام".

ويقول يتيم آخر في ذات الدار، هو سيد ولي كلاب، وهو من ولاية كابول، إن أباه كان يبيع الفواكه، وقتل في انفجار وقع في دوار صدارت، وإن خاله تولى تربيته لفترة وجيزة؛ ولكنه عجز لاحقاً عن رعايته لأن لديه أولاداً كثراً، ووضعه المعيشي ضعيف؛ لذا جاء به إلى دار الأيتام، وهو يدرس فيها، ويذهب إلى منزله مرة واحدة شهرياً.
وتقول الناشطة الأفغانية مريم أشرفي لـ"العربي الجديد" إن "مشكلة الأيتام أكبر مما نتصور، وإغلاق دور الأيتام لا يعني فقط حرمان هذه الشريحة من التعليم، بل دفعهم إلى مساوئ أكبر، من بينها الوقوع في فخ الإدمان، أو الانضمام إلى صفوف التنظيمات المسلحة.

المساهمون