علق أهالي الجنوب الليبي، يوم الجمعة الماضي، احتجاجات دامت قرابة الأسابيع الثلاثة على خلفية تدهور الخدمات في مناطقهم الذي يتناقض مع واقع احتضانها موارد النفط الرئيسية في البلاد، ما دفع البعض إلى المطالبة بتشكيل كيان إداري مستقل.
وأشعل تردي الخدمات المعيشية الاحتجاجات الشعبية في مدن وقرى عدة في جنوب ليبيا للمطالبة بتوفير الخدمات المعيشية. واشتكى المحتجون من النقص الحاد في التموين والوقود والغاز، والغياب الكامل لمشاريع التنمية في ظل استمرار تهالك البنى التحتية، وبينها شبكات الطرقات التي تعد شريان الحياة الوحيد الذي يربط مناطق الجنوب الصحراوية بتلك المناطق في الساحل الشمالي.
ويؤكد المحتجون أن الموارد المالية التي توفرها مناطق الجنوب باعتبارها المنبع الرئيس للنفط الذي يعد مصدر الدخل الأساسي والوحيد للدولة لا تجلب أي منافع لهم، لذا دعوا إلى إقفال منابع النفط، وأكبرها حقلا الشرارة والفيل، ومنع تدفق النفط منها إلى موانئ التصدير في الشمال.
وفي خطوة أظهرت حجم الغضب الكبير في مناطق الجنوب، رفض المحتجون نتائج الاتصالات التي أجريت مع مسؤولي حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس وحكومة مجلس النواب، شرق البلاد، وشددوا على ضرورة حصر التفاوض على المطالب مع مسؤولي وزارة النفط والغاز والمؤسسة الوطنية للنفط.
وارتفعت ضغوط المحتجين الى حدّ المطالبة بتشكيل كيان إداري مستقل عن الحكومتين في الشرق والغرب لضمان وصول الخدمات الأساسية إلى مناطقهم، وقد اتهموا الحكومتين بالانشغال في الصراع الدائر بينهما، وإهمال الأوضاع المعيشية والخدماتية في الجنوب. ويصف موسى طنيبة، وهو أحد نشطاء حراك أهالي الجنوب، في حديث لـ"العربي الجديد"، الأوضاع المعيشية في مناطق الجنوب بأنها "كارثية"، ويوضح أن "المطالب لا تنحصر في خفض الأسعار وتوفير التموين والوقود والغاز، بل كل شيء، من مستشفيات ومدارس ومصارف وفروع للإدارات الخاوية كلها، والتي تكاد تنهار بالكامل".
يضيف: "وصل سعر ليتر الوقود الى أكثر من دينارين (40 سنتاً)، في بعض مناطق الجنوب، في حين أن السعر الأصلي هو 15 درهماً (3 سنتات فقط)، كما بلغ سعر أنبوبة غاز الطهي 180 ديناراً (37 دولاراً)، بينما ثمنها الأصلي دينارين (40 سنتاً فقط). والأهالي في مناطق الساحل يستهلكون هذه السلع بثمنها الأصلي، في حين أنها غالية جداً في الجنوب ويبحث عنها السكان طويلاً من دون أن يجدوها".
وليست هذه الاحتجاجات الأولى لأهالي الجنوب الذين سبق أن أطلقوا حراك "غضب فزان" عام 2018، ومارسوا ضغوطاً لإغلاق منابع النفط، لكن أي شيء لم يتحقق بدليل الواقع السيئ الذي يعيشونه حالياً ويدفعهم إلى الاحتجاج مجدداً ورفع سقف المطالب". ويرد طنيبة على تصريحات أدلى بها رئيس حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس عبد الحميد الدبيبة، وبرر فيها غياب الوقود وارتفاع أسعاره في الجنوب بمشكلات التهريب، بالقول إن "ضبط الوضع الأمني ليس من مسؤولية المواطنين الذين لن يمسك أي منهم السلاح لملاحقة المهربين، فهذه قضية الدولة والحكومات".
وتسيطر مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على الجنوب الليبي، في حين تدير حكومة مجلس النواب بلديات مناطقه، لكن كلا الجانبين لم يعلقا على الاحتجاجات وتردي الأوضاع المعيشية. وهنا يتساءل الناشط المدني رمزي المقرحي عن مواقف نواب مناطق الجنوب، ويقول لـ"العربي الجديد": "لا شك في أن أسباب تهميش الجنوب سياسية وتتعلق بالصراع، بينما لا تتوفر فيه مجموعات لممارسة ضغوط سياسية والتحذير من خطورة الأوضاع المعيشية السائدة. وفي كل الأحوال لا يعلم أحد من يقف وراء هذه الأوضاع السيئة وأهدافها التي لا نستبعد أن تكون تكثيف الضغط على السكان للانتقال الى الساحل الشمالي للبلاد من أجل تحقيق أهداف مستقبلية أكثر عمقاً، الأمر الأكيد حالياً أن الفاتورة يدفعها المواطنون العاديون".
يتابع: "تتكرر كل عام مثلاً أزمة موت الناس بسم العقارب، رغم أن الحكومات تعلن أنها تستورد الأمصال وتنقلها إلى المراكز الصحية في الجنوب، لكنها ليست متوفرة في المستشفيات، فمن يقف وراء التأزيم والتصعيد، وأي فاتورة سيدفعها المواطنون قبل تحديد الأسباب الحقيقية؟".
من جهته، يتحدث مرعي الوشاح، الذي يسكن في سبها، لـ"العربي الجديد"، عن الغلاء الفاحش في أسعار الأدوية وحليب الأطفال والمكمّلات الغذائية والشحّ في المؤن الأساسية والنقص الحاد في الخدمات الصحية، ويلفت إلى أن "عدداً من المدارس متهالك ولا يصلح للتعليم، كما أنه لا سيولة نقدية في المصارف أحياناً، ويعاني مواطنون كثيرون من قضية الحصول على أوراق ثبوتية بسبب مشاكل تتعلق بقضية صحة جنسيتهم الليبية المعلّقة منذ عقود طويلة، وتنتظر تنفيذ وعود الحكومات".