شهدت الصين، خلال الأيام الماضية، أكبر حملة لتوظيف معلمين متقاعدين، تمهيداً لإعادتهم إلى الفصول الدراسية. وأطلقت وزارة التربية والتعليم و9 إدارات أخرى خطة عمل وطنية تهدف إلى توظيف نحو 120 ألف معلم متقاعد خلال السنوات الثلاث المقبلة، وطالبت مختلف الدوائر الحكومية بالتنسيق في ما بينها لتحفيز المعلمين المتقاعدين المؤهلين على العودة إلى الفصول الدراسية، لكن من دون تحديد إجراءات لفعل ذلك.
وتأتي الخطة في وقت تزداد الشيخوخة السكانية بمعدلات غير مسبوقة في الصين، إذ تفيد إحصاءات رسمية بأن عدد السكان الذين تزيد أعمارهم على 60 عاماً سيتجاوز 300 مليون بحلول عام 2025، حين يصل عدد المعلمين المتقاعدين إلى ذروته أيضاً.
وتتمتع الصين بأدنى سنّ للتقاعد في العالم بين الاقتصادات الكبرى، وهو 60 عاماً للرجال، و55 عاماً لموظفات المكاتب، و50 عاماً للعاملات في مهن حرة.
وكان نحو 68 في المائة من العمال المتقاعدين قد أبدوا رغبة قوية في مواصلة العمل، لكن كبار السن يواجهون في كثير من الأحيان تحديات في سوق العمل، بينها التمييز على أساس العمر ونقص المهارات التي تحتاج إلى سرعة في الأداء.
يقول وو جيا لينغ (63 عاماً)، وهو مدرس متقاعد يقيم في مدينة شانتو (جنوب)، قدم قبل أيام في مكتب التعليم بالمدينة طلباً للحصول على وظيفة في إحدى المدارس الابتدائية، لـ"العربي الجديد": "تزامن موعد تقاعدي مع دخول العالم في أزمة وبائية بسبب جائحة كورونا. كنت حينها أخطط للسفر إلى الخارج لتنفيذ جولة سياحية برفقة زوجتي، لكننا أرجأنا الرحلة بسبب عمليات الإغلاق. وفي العام الثاني من الوباء أصيبت زوجتي بالفيروس، وظلت طريحة الفراش نحو ثلاثة أشهر قبل أن تفارق الحياة. ومنذ ذلك الحين أعاني من وحدة قاتلة، فأولادي جميعاً متزوجون، ويقيمون مع عائلاتهم في مدن أخرى، ولا ألتقيهم إلا مرة واحدة سنوياً".
يتابع: "حاولت أن أعثر على عمل منذ مطلع العام الحالي، لكنني لم أنجح بسبب تقدمي في السن، إذ يفضل أرباب العمل الشبان على من هم في عمري. وحين قرأت أخيراً الإعلان عن وظائف للمتقاعدين في سلك التدريس، قدمت طلباً على الفور لأنني في حاجة ماسة إلى عمل، ليس لتلبية احتياجات مادية، لكن لأنني أشكو من الوحدة، وأحتاج إلى ميدان أو منصة تسمح لي بالتواصل مع الآخرين".
من جهته، يقول لو تشانغ (66 عاماً)، وهو أستاذ سابق، لـ"العربي الجديد": آمل أن أحصل على وظيفة كي أستطيع تغطية احتياجاتي المعيشية. مرتب التقاعد ضئيل جداً (1500 يوان شهرياً تعادل 220 دولاراً). لذا، أعتبر القرار الجديد فرصة لمن تقطعت بهم السبل مثلي بعد التقاعد". ويوضح أنه يعيش وحيداً منذ 15 عاماً بعد وفاة أفراد أسرته في حريق نشب في بيته قبل سنوات، ويقول: "يبحث عشرات الآلاف من المتقاعدين عن عمل، بينما يعاني عدد كبير منهم من أمراض مزمنة، ويحتاجون إلى رعاية صحية خاصة، ما يمنعهم من العودة إلى الميدان. وخطوة الحكومة باستدعاء المتقاعدين مهمة جداً، لكن المبادرات لا يجب أن تقتصر على الحاجة إلى سدّ فجوة نقص العمالة، بل تأخذ بالاعتبار احتياجات كبار السن، وخصوصاً المرضى، في ظل انعدام الرعاية الأسرية".
ورداً على سؤال وجهته "العربي الجديد" عن أبعاد الحملة الحكومية، يوضح أستاذ العلوم الاجتماعية في جامعة قوانغ دونغ، دا شوان، أن "حملات توظيف المعلمين المتقاعدين ليست جديدة في الصين، وبدأت قبل نحو خمس سنوات حين شعرت السلطات بتراجع عدد المدرسين في قطاع التعليم، لكن حملة التوظيف الأخيرة تعتبر الأكبر في البلاد".
ولفت إلى أن وزارة التعليم عيّنت 20 ألف معلم متقاعد منذ عام 2018، لدعم توفير التعليم في المناطق الريفية التي تعاني تراجعاً حاداً في الكادر التعليمي، بسبب الهجرة الجماعية إلى المناطق الحضرية.
وعن تفاصيل الخطة، أوضح دا أنه "سيجري تشجيع المعلمين في سنّ التقاعد وما فوقها على العودة إلى العمل في كل المستويات، وبينها التعليم المهني والخاص. ويشترط القائمون على الحملة أن يكون عمر المعلمين المتقاعدين الذين ينفذون مهمات التدريس التقليدي غير المتصل بالحاسوب في المدارس الابتدائية أقل من 65 عاماً، وأن يكون عمر أولئك الذين يدرسون في باقي المستويات أقل من 70 عاماً، بينما لا عمر محدداً للمعلمين الذين يجيدون استخدام تقنيات التعليم الحديث".
وأشار إلى أنه سيكون هناك طلب كبير على المعلمين في مجالات الموسيقى والتربية البدنية والفنون الجميلة، علماً ان وزارة التربية والتعليم ذكرت في نشرة دورية أنها تحتاج إلى حشد نطاق أوسع من القوى لتسريع ترميم وبناء قطاع التعليم، وأكدت إمكان اكتساب ميزات عدة من العدد الهائل من المعلمين المتقاعدين".
وتورد سجلات رسمية أن عدد المدارس الابتدائية في المناطق الريفية في الصين تقلص من نحو نصف مليون عام 2005 إلى 150 ألفاً عام 2020. وانتقدت بكين مرات الإغلاق غير المعقول للمدارس في الريف، وأعلنت عزمها على تنفيذ خطط استراتيجية لمواجهة الأزمة، علماً أن نشطاء حمّلوها مسؤولية هذا الأمر، وحذروا من أن انخفاض عدد المدارس المستمر سيحوّل الريف إلى مدن أشباح.