أطفال غزة... الاحتلال الإسرائيلي يعتقلهم ويعذبهم

10 يناير 2024
إسرائيل لا ترحم الأطفال (عبد زقوت/ الأناضول)
+ الخط -

لا يستثني الاحتلال الإسرائيلي أطفال غزة خلال مداهماته واعتقالاته، ولا يتردد في ضربهم وتعذيبهم، هو الذي يستهدفهم خلال عدوانه المستمر على القطاع، ويروي المفرج عنهم بعضاً مما عانوه

في بدايات ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ارتكب الاحتلال الإسرائيلي مجازر عدة وأفعالاً جرمية في حي الزيتون شرق مدينة غزة، وكان أفظعها اعتقال أطفال وتعذيبهم. لم يستثن الاحتلال الأطفال دون السادسة عشر. وكان من بين الأكثر بشاعة ما تعرض له أطفال من عائلة الظاظا. 
وأفرج الاحتلال الإسرائيلي عن عدد من المعتقلين في منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كان من بينهم أطفال تتراوح أعمارهم ما بين العشرة أعوام وأحد عشر عاماً، وكان الاحتلال يحقق معهم معتقداً أنهم يكذبون في حقيقة أعمارهم. من بين هؤلاء الطفل أحمد سمير الذي بلغ في الثامن من يناير/ كانون الثاني 11 عاماً. وعند اعتقاله الشهر الماضي، لم يكن قد أتم الـ 11 عاماً. واعتقل الاحتلال الإسرائيلي الكثير من الأطفال من عائلته، يكبرونه بعام أو عامين، من دون أي اكتراث لصرخات الأمهات. وكان سمير قد سقط في إحدى المرات، فضربه الجندي على ظهره. 
يقول سمير لـ "العربي الجديد": "قبل عام، كنت سعيداً لأن الجميع يقولون لي بأنني أطول أطفال العائلة. وفي المدرسة، كانوا ينعتونني بالنخلة. لكن كرهت نفسي لأن طولي هذه المرة جعل الجنود يعتقلونني وقد صفعني أحدهم صفعة قوية". خلال العدوان الإسرائيلي الحالي، استشهد أكثر من 23357 فلسطينيين، من بينهم أكثر من 10 آلاف طفل، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي. وعمد الاحتلال الإسرائيلي إلى اعتقال وتعذيب الأطفال دون سن العاشرة في عدد من المناطق التي تعرضت لاقتحامات، كما رصدت بعض مؤسسات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية.

انتزاع طفلين من حضن والدتهما

بحسب شهادة عائلة الظاظا، وهي من سكان حي الشجاعية وحي الزيتون، اعتقل الاحتلال الإسرائيلي جميع رجال وادي العرايس وشارع كشكو وشرق أحياء مطلة على شارع صلاح الدين من حي الزيتون، ودهموا منزل المواطن رشدي الظاظا واعتدوا على عائلته قبل طردها من المنزل. ويقول قريب أحد الأطفال أحمد الظاظا، الذي كان معتقلاً وأفرج عنه بعد التحقيق معه، وطلب منه مغادرة حي الزيتون برفقة عدد من الرجال والنساء نحو الجنوب، إن الاحتلال كان قد نقل كثيرين من الحي الذي يقيمون فيه إلى منزل مجاور جمعت فيه عائلات من الحي، وبدأ جنود الاحتلال تعذيب العائلات المحتجزة بشكل وحشي، وكان جميعهم معصوبي الأعين ومكبلي الأيدي والأرجل، منهم أطفال ما بين 11 و15 عاماً.
واعتقل الاحتلال الاسرائيلي الطفلين محمد الظاظا (3 سنوات) وشقيقه زين (6 أشهر) بعدما انتزعهما من حضن والدتهما هديل الدحدوح، وهي من حي الزيتون، واعتدى عليها بالضرب. حاولت منع الجنود من اعتقال الطفلين فخلعوا حجابها ثم أخذوها إلى جهة غير معلومة برفقة أطفالها.

ويوضح أن جنود الاحتلال سألوا الوالد رشدي الظاظا عن ملامح طفليه الأشقرين واحتمال ألا يكون والدهما، فاستغرب السؤال إذ إن جميع المعلومات في حوزتهم. بعدها ضربوا الأب حين اعترض على إجراءاتهم. يقول الظاظا لـ "العربي الجديد": "كان جنود الاحتلال الإسرائيلي يحاولون خلق جو من الرعب. اعتقلوا أطفالاً بطريقة بشعة. كانوا يضربون رؤوس الناس بأعقاب بنادقهم، ويتعمدون تهديد النساء والأطفال إذا صمتوا أو لم يجيبوا عن بعض الأسئلة، التي ركزت على أماكن تواجدنا في  السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي".
يضيف الظاظا: "كان بكاء الأطفال يزعج الاحتلال الإسرائيلي، فيجبر الأمهات على إسكاتهم تحت التهديد والصراخ في وجوههن. كما اعتقل الاحتلال أطفالاً آخرين لا نعرف عنهم شيئاً".

غزة (علي جاد الله/ الأناضول)
يُرعب الاحتلال الأطفال (علي جاد الله/ الأناضول)

200 طفل وامراة في الاعتقال

في 27 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، انتشر فيديو لجيش الاحتلال الإسرائيلي وهو يعتقل عشرات المواطنين  في ملعب بمدينة غزة، يظهر فيه طفلان بين رجال فلسطينيين من مختلف الأعمار تحتجزهم قوات الاحتلال مجردين من ملابسهم، وكان الطفلان يرتديان فقط ملابس داخلية ويسيران رافعين أيديهما.
وقال المرصد الأورومتوسطي إنه بعد التدقيق، تحدد الموقع الجغرافي وهو ملعب اليرموك في مدينة غزة، علماً أن جيش الاحتلال رفض التعليق على الفيديو. وبحسب شهادات جمعها المرصد، فقد اعتقل الاحتلال أطفالاً آخرين غير اللذين ظهرا في الفيديو. أضاف أنه "تم إجبار الذكور، بمن فيهم الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم 10 سنوات وكبار السن الذين تزيد أعمارهم على 70 عاماً، على خلع جميع ملابسهم باستثناء الملابس الداخلية والوقوف في طوابير مهينة أمام النساء المحتجزات في الملعب نفسه"، داعياً المجتمع الدولي التحقيق في صور الاعتقال.

​  غزة (علي جاد الله/ الأناضول)  ​
​ تعمل منظمات على إعداد ملف يرصد الانتهاكات بحق الأطفال (علي جاد الله/ الأناضول) ​

وفي وقت تشير تقديرات أولية للمرصد إلى تسجيل أكثر من 3 آلاف حالة اعتقال تشمل ما لا يقل عن 200 امرأة وطفل، لا تتوفر أي معلومات رسمية عن مواقع احتجازهم أو التهم الموجهة إليهم". ويشير إلى عدم وجود "إحصائيات دقيقة لعدد المعتقلين من غزة حتى هذا اليوم، وذلك نظراً لحوادث الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي داخل القطاع، فضلاً عن صعوبة تلقي البلاغات بسبب تشتت العائلات وانقطاع الاتصالات والإنترنت شبه الدائم". وأشار إلى خطورة حادث "اختطاف ضابط إسرائيلي لرضيعة فلسطينية من داخل منزلها في قطاع غزة، بعد مقتل أفراد عائلتها في غارة إسرائيلية".

ملف انتهاكات حقوق الأطفال في المحاكم الدولية

إلى ذلك، تقول المحامية الفلسطينية إيمان عرفات المتخصصة في قضايا الأطفال، والتي عملت في مشاريع عدة لدعم حقوق الأطفال قانونياً وبالشراكة مع منظمات معنية بحقوق الأطفال الفلسطينيين والدفاع عن حقوقهم، إن عدداً من المنظمات الحقوقية الفلسطينية تعمل على رصد انتهاكات حقوق الأطفال وإعداد ملف لتقديمه إلى المحكمة الجنائية الدولية بهدف محاكمة الاحتلال الإسرائيلي.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وتقول عرفات إن الاحتلال انتهك القانون الإنساني الدولي واتفاقية جنيف والقرار 1612 الصادر عن الأمم المتحدة والخاص بحماية الأطفال في أوقات النزاع المسلح، مشيرة إلى أن استشهاد أكثر من 10 آلاف طفل واعتقال آخرين وتعذيبهم دون مراعاة سنهم القانونية يصنف في خانة جرائم حرب. وتوضح عرفات في حديثها لـ "العربي الجديد": "لو كان طفلاً من دولة ما غير فلسطين لعقدت الكثير من الجلسات للبحث في حقوقه. للأسف، ينظر إلى الأطفال في فلسطين كأرقام، ويكتفي المعنيون بالاستنكار والإدانة. لكننا نعد ملفاً متكاملاً يتضمن وثائق وأدلة عن اعتداءات مباشرة وقتل الأطفال واعتقالهم وتعذيبهم، بالشراكة مع عدد من المنظمات الفلسطينية".
وتشير عرفات إلى أن اندفاع دولة جنوب أفريقيا لتقديم دعوى قضائية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية في لاهاي خطوة دفعت الكثير من المنظمات الحقوقية الفلسطينية والحقوقيين للحصول على دعم من بعض الدول، وإعداد مذكرات قانونية ورصد انتهاكات الاحتلال، سعياً إلى محاكمة الاحتلال الإسرائيلي أكثر من أي وقت مضى.
وأصدرت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال بياناً يدين مقتل الأطفال واعتقالهم في قطاع غزة والضفة الغربية، علماً أن الحركة تسعى إلى الدفاع عن الأطفال وحماية حقوقهم استناداً إلى اتفاقية حقوق الطفل الدولية، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، ومن خلال تزويد المنظمات الدولية بمعلومات حول مسار حقوق الأطفال في العالم.

وتشير إلى أن معدل قتل الأطفال على يد الاحتلال العام الماضي غير مسبوق، ما يدل على أنهم أهداف رئيسية للاحتلال. ويتوقع ارتفاع عدد الشهداء من الأطفال بشكل كبير خصوصاً في قطاع غزة، في ظل وجود آلاف المفقودين واستمرار الاعتقالات وغير ذلك. وتوضح أن الاحتلال الإسرائيلي اعتقل خلال عام 2023 الأطفال وعذبهم في المعتقلات العسكرية بشكل تعسفي، وتقدر اعتقال الاحتلال سنوياً ما بين 500 و700 طفل.

المساهمون