أزمة لحضانات الأطفال والأهل في تونس

07 أكتوبر 2020
وقاية (ياسين قائدي/ الأناضول)
+ الخط -

يتخوف التونسيون من إيداع أطفالهم في الحضانات، وذلك بسبب عودة انتشار فيروس كورونا الجديد، واحتمال إصابة الأطفال، على الرغم من التزام الحضانات الشروط الصحية المطلوبة، ما يترك القطاع بأكمله في أزمة اقتصادية

"على الرغم من أنّ ابني لم يتجاوز أربع سنوات ولا يُمثل فيروس كورونا خطراً على الأطفال، وفق تأكيدات أغلب الخبراء في القطاع الصحي، وعلى الرغم من كونه يحتاج إلى البقاء في إحدى حضانات الأطفال خلال عملي، فقد قررت ألّا ألحقه بأيّ حضانة في ظل تفاقم انتشار العدوى بفيروس كورونا. ولم يكن لديّ من حلّ بديل سوى بقائه في رعاية أمي في البيت". هذا ما تتحدّث به لمياء الدهماني لـ"العربي الجديد"، معبّرة عن مخاوفها من إصابة ابنها بفيروس كورونا وخيارها بعدم المجازفة في ظلّ الجائحة. تتابع الدهماني أنّها لا تثق بأيّ إجراءات قد تُتخذ داخل الحضانات، خصوصاً أنّ صغار السن يصعب عليهم فهم أيّ إجراءات صحية أو تدابير وقائية، ولا سيما مع اكتظاظ العديد من الحضانات بالأطفال داخل المدن". تضيف أنّ "تواتر أنباء عن تسجيل بعض الإصابات بفيروس كورونا داخل الحضانات لا يطمئن".  

قرار الدهماني ليس فريداً، إذ يؤكد عدد من أصحاب الحضانات تراجع إقبال أولياء الأمور عن تسجيل أبنائهم فيها بسبب المخاوف من الإصابة بالعدوى، على الرغم من إجراءات التعقيم والوقاية ومحاولة ضمان التباعد بين الأطفال. لكنّ هذه الأزمة لا تؤثر في الأهل فقط ممن يضطرون إلى اتخاذ إجراءات غير معتادة للتمكن من الذهاب إلى أعمالهم، بل إنّ الأثر الاقتصادي الضخم يلحق بقطاع ما قبل المدرسة بأكمله. وشهد نشاط حضانات الأطفال والمدارس توقفاً خلال فترة انتشار الوباء في تونس، ما سبّب خسائر مادية لعدد كبير منها، وهو ما دفع القائمين عليها إلى مطالبة السلطات بالتعويض عن الضرر أو تقديم مساعدات، سواء من طريق الإعفاء الضريبي، أو منح قروض من دون فائدة.
بعض الحضانات تضرر كثيراً من جراء فترة الحجر الصحي الشامل وتوقفها عن العمل قرابة شهرين. وقد انطلقت بعض المندوبيات الجهوية للمرأة والأسرة والطفل في عدّة جهات في تنفيذ برنامج دعم رياض الأطفال (صفوف دراسية تعتمد منهجاً لما قبل المرحلة الأساسية) والحضانات (منشآت تربوية لا تتبع منهجاً دراسياً) التي لحقتها أضرار بسبب أزمة فيروس كورونا. وجرى تمكين سبع مؤسسات بقروض بلغت قيمتها المالية 8 آلاف دولار. وستجري خلال الأسابيع المقبلة دراسة بقية الملفات المتعلقة بالحضانات التي تشكو من صعوبات مالية كبيرة. لكن، على الرغم من دعم بعض الحضانات، فإنّ القطاع بأكمله يمرّ بوضع حرج بسبب تواصل انتشار فيروس كورونا، وبسرعة أكبر مقارنة بالموجة الأولى التي سجلتها تونس منذ فبراير/ شباط الماضي. وقد وجد العديد من أولياء الأمور في مقاطعة الحضانات حلاً موقتاً مطلوباً لحماية أبنائهم من خطر الوباء، إلى أن تجري السيطرة عليه مجدداً، وهو ما أدى إلى تراجع نسبة الإقبال على التسجيل في الحضانات وتهديد نشاط المئات منها. يشار إلى أنّ قطاع رعاية الأطفال في تونس يوفر الخدمات لنحو 190 ألف طفل، ويضم 4500 روضة أطفال و390 حضانة خاصة و2000 حضانة مدرسية.
من جهتها، تقول عربية، وهي صاحبة إحدى حضانات الأطفال لـ"العربي الجديد" إنّها كانت توظف خمس مربيات داخل الحضانة، لكنّها اضطرت إلى تقليص العديد إلى ثلاث مربيات بعد تراجع عدد الأطفال في المؤسسة إلى أقل من النصف. تضيف: "أغلب حضانات الأطفال تشهد عادة خلال هذه الفترة إقبال العديد من الأطفال بسبب العودة المدرسية وانتهاء العطلة الصيفية. لكن لاحظت هذا العام تراجع الإقبال على تسجيل الأبناء في الحضانات، على الرغم من أنّ أغلب أولياء الأمور يعملون، ولا بديل لديهم من الحضانات عادة". تتابع أنّ "أغلب الحضانات تقيدت بإجراءات الوقاية والتعقيم، وبالاكتفاء بنصف طاقة الاستيعاب بعد استئناف نشاطها في مايو/ أيار الماضي، كذلك تنشر أغلب الحضانات القانونية باستمرار صوراً عن تلك الإجراءات الوقائية التي تجريها أسبوعياً. مع ذلك، لم تشعر عائلات كثيرة بالاطمئنان، نظراً لعودة تفشي الفيروس بوتيرة أسرع من المرة الأولى".

بدورها، تشير نبيهة كمون، رئيسة "الغرفة الوطنية النقابية لرياض ومحاضن الأطفال" لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "أغلب أصحاب مؤسسات رعاية الأطفال يعانون من مشاكل مالية بسبب توقفها عن العمل خلال الحجر الصحي الشامل، فيما لم يستعد بعضها نشاطه نتيجة تراجع الإقبال عليها، خصوصاً في الفترة الراهنة، وهو ما أدّى إلى عدم قدرة أصحاب تلك المؤسسات على تحمّل الأعباء المالية من أجور المربين وبدلات الإيجار والخدمات، خصوصاً بعد توقفها عن العمل قرابة شهرين، وهو ما أدى أيضاً إلى إحالة عدد كبير من العمال والمربين على البطالة". تضيف أنّ "الغرفة لاحظت تراجع الإقبال على الحضانات بعد عودة تفشي الوباء في تونس، ومخاوف أولياء الأمور من إصابة أبنائهم بالعدوى، على الرغم من طمأنات أصحاب الحضانات وتعهدهم بتوفير شروط السلامة والوقاية عبر التعقيم المستمر". وفي المقابل، تشير رئيسة الغرفة إلى أنّ العديد من أولياء الأمور يضطرون إلى إيداع أبنائهم لدى نسوة بتن يمتهنّ حضانة الأطفال في البيوت. وغالباً ما يختارون إحدى النسوة التي تعيش قرب المنزل أو في الحيّ نفسه، إذ يشعرون بأنّ ذلك أضمن وأكثر أماناً للأطفال، ولا سيما أنّ انتشار الحضانات العشوائية وعدم تقيدها بأيّ إجراءات صحية أثّر في سمعة القطاع ككلّ".

المساهمون