"الفزعة"و"العونة"... فلسطينيون يحمون زيتونهم وأرضهم

03 نوفمبر 2021
يتصدّون للاحتلال (العربي الجديد)
+ الخط -

لم يتقاعس أحمد باكير (32 عاماً)، الذي يتحدّر من إحدى قرى نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، عن الالتحاق بالحملات التطوعية لمساعدة المزارعين الفلسطينيين خلال السنوات العشر الأخيرة، خصوصاً في المناطق الساخنة خلال موسم قطاف الزيتون، باستثناء عامين كان فيهما قيد الاعتقال في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
ومع بدء موسم القطاف، يشارك باكير بشكل فعال ودائم في حملات "عونة" و"فزعة" التي تنظمها جهات فلسطينية مختلفة، وتهدف إلى دعم المزارعين وتقديم العون لهم في هذا الموسم، خصوصاً في المناطق التي تتعرض لاعتداءات جيش الاحتلال والمستوطنين.
وعادة ما تنطلق حملات مساندة المزارعين الفلسطينيين مع بدء موسم الزيتون، وبتنظيم من المؤسسات الرسمية والشعبية والأهلية، وتستهدف المناطق الواقعة قرب المستوطنات ومعسكرات جيش الاحتلال، أو القريبة من جدار الفصل العنصري، وقد أثبتت نجاعتها في ردع المستوطنين؛ فعندما يتواجد مائة شخص في موقع ما، لا يستطيع المستوطنون مهاجمته.

همّة عالية
خلال الأسبوعين الماضيين، بدأ الثلاثيني باكير العمل في قطف الزيتون في قرى بورين وعورتا وبيتا جنوب نابلس، حتى أن أحداً لن يصدّق أنه مجرد متطوع. ويقول لـ "العربي الجديد": "لا يهمني من يقوم بالنشاط. اعتدت على التفرغ خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام لأكون بين المزارعين وأشاركهم هذه المهمة الوطنية التي يقومون بها من خلال التمسك بالأرض ومقارعة الأعداء".
القصة بدأت عام 2009 عندما تطوع باكير مع مجموعة من زملائه الجامعيين لمساعدة المزارعين في قرية بورين في موسم القطاف، في إطار تقديمة الخدمات الاجتماعية". التقى بالسيدة أم أيمن صوفان، التي كانت تملك منزلاً يقع بالقرب من مستوطنة "يتسهار" المقامة على أراضي جنوب نابلس، وكانت رمزاً للمقاومة الشعبية ضد المستوطنين الذين يحاولون على مدار عقود السيطرة على بيتها، وتركت أثراً بالغاً في نفسه، ومن يومها لم يتخلف عن اللحاق بالحملات التطوعية. يقول باكير: "أغادر بيتي مع الفجر، وأعود إليه مع حلول المساء. صدقاً، لا أشعر بالتعب طالما أنني أشارك دوري في حماية الأرض". واكتسب خبرة في مقارعة المستوطنين، إذ تراه بين المتقدمين في مواجهتهم إذا ما حاولوا الاعتداء على المزارعين وسرقة محاصيلهم.

موسم قطف الزيتون يتزامن مع الاستيلاء على الأراضي (الأناضول)
موسم قطف الزيتون واعتداءات المستوطنين (العربي الجديد)

سباق مع الزمن
تشارك المتطوعة ميسرة عمران (24 عاماً) بفعالية في حملة "عونة" التي ركزت جهدها هذا العام على المناطق التي تمنح فيها قوات الاحتلال أصحاب الأراضي فترة محددة لقطف الزيتون، كما يجري في المناطق القريبة من مستوطنتي "ألون موريه" و"ايتمار" المقامتين شرق نابلس، حيث يضطر الأهالي في قرى سالم ودير الحطب وبيتا وعورتا، إلى حشد أكبر عدد ممكن من الأشخاص لجمع ما يمكن من الزيتون قبل انتهاء المهلة التي لا تزيد في أحسن الأحوال على ثلاثة أيام.
وتقول عمران لـ "العربي الجديد": "هذا عامي الثالث مع عونة التي بالفعل تشكل عوناً للمزارعين. نتحرك مع ساعات الفجر ونعبر معهم البوابات العسكرية نحو أراضيهم ولا نعود إلا مع الغروب، محملين بأكياس ممتلئة بالزيتون". تتابع: "الأجواء التي ترافق القطاف جميلة، لكننا نكون في سباق مع الزمن. فالأراضي التي يسمح بالوصول إليها تحتاج إلى أسبوعين على الأقل لإتمام القطاف، ونحن مجبرون على إنهاء ذلك في يومين أو ثلاثة أيام فقط". ولا تخفي شعورها بالخوف حين يهاجمهم المستوطنون، قائلة: "تجمعت عصابة يزيد عدد أعضائها عن عشرين مستوطناً على هضبة قريبة من مكان تواجدنا، وكانوا يحملون العصي. هؤلاء مجرمون لا يترددون في ضربك أو حتى قتلك، لكن الله سلم بعدما تجمهرنا في مقابلهم وكنّا أكثر من مائة، فانسحبوا أذلاء. وهكذا تكون العونة قولاً وفعلاً".
بالنسبة لأصحاب الأراضي، فإنّ معاونتهم مهمة لإنجاز قطف ثمار محاصيلهم. ويوضح يوسف اشتية صاحب أرض من قرية سالم: "لا أنكر فضل (عونة) في مساعدتي، أملك عشرين دونماً مزروعة بالزيتون تقع على مرمى حجر من مستوطنة (ألون موريه)، ولا ندخلها إلا بتنسيق مسبق ولثلاثة أيام فقط في السنة، وجنود الاحتلال يفتحون البوابة الساعة السادسة حتى السادسة والربع فجراً؟ ومن يأتي بعد هذا الوقت لا يسمح له بالمرور، لذلك طلبت العون من (عونة) فلم يقصروا كما فعلوا في السنوات الماضي".
ووفق اشتية: "هناك آلاف الدونمات خلف بوابات جدار الفصل العنصري، تحتاج إلى شهر لجمع المحصول، لكن الفترة المسموحة أقل من ذلك بكثير، وهنا تبرز أهمية الدعم الشعبي والتطوعي، لقد تمكنا بفضل الله من إنجاز مساحة ممتازة من الأرض، بفضل جهودهم".

لم يسمح له جنود الاحتلال بالوصول إلى أرضه (عباس موماني/ فرانس برس)
لم يسمح له جنود الاحتلال بالوصول إلى أرضه (عباس موماني/ فرانس برس)

14 فريقاً
وتشير هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية إلى أن العام الحالي شهد ارتفاعاً كبيراً في الاعتداءات المنظمة من مجموعات المستوطنين بالمقارنة مع الأعوام السابقة، فقد نفذوا 23 اعتداءً على المزارعين شمال الضفة الغربية خلال جنيهم ثمار الزيتون في الفترة الممتدة من 15 إلى 18 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، غالبيتها في المناطق المحيطة بمستوطنة "يتسهار" المقامة على أراضي ست قرى جنوب نابلس.
ويقول مسؤول التوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان قاسم عواد، لـ "العربي الجديد"، إن "حملة فزعة تضمّ 14 فريقاً ميدانياً متحركاً باتجاه المناطق الأكثر سخونة، هي عبارة عن متطوعين ولجان شعبية ولجان هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، وتلك الفرق مقسمة إلى أربعة أقسام". القسم الأول عبارة عن فرق جاهزة للتحرك السريع تجاه أي منطقة يحدث فيها اعتداء من قبل المستوطنين. ويقول عواد: "لدينا شبكة إنذار مبكر شاملة لكافة الأراضي الساخنة في الضفة الغربية، ونستطيع التحرك بالسرعة الممكنة". أمّا القسم الثاني من الفرق، بحسب عواد، فمهمته "مد يد العون للمزارع الفلسطيني في الأماكن التي يصعب الوصول إليها. إذ لا يسمح للمواطن الفلسطيني بالدخول إلى بعض الأماكن كونها مناطق نفوذ للمستوطنين، أو مناطق عسكرية مغلقة. في هذا الإطار، تعمل فزعة على بعث رسالتين للاحتلال من خلال المد البشري، وهما أننا نؤمن بأن الشعب الفلسطيني شعب واحد في مواجهة الاحتلال ومستوطنيه، بالإضافة إلى حق المواطن في التمسك بأرضه ووجوب مساندته".
أما الفريق الثالث، فيعمل على توثيق الجرائم. ويقول عواد: "نعي جيداً أن الزيتون واحد من صادرات فلسطين المهمة جداً التي يسرقها الاحتلال ومستوطنوه ويصدره لدول أوروبية". وأخيراً، تكمن مهمة الفريق الرابع في مخاطبة العالم بهذه الجرائم وفضحها بسبع لغات. ويوضح عواد: "نبث ما توثقه فزعة من تقارير، بالتنسيق مع وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية ومؤسسات دولية فاعلة، عدا عن عرض الجرائم التي يتعرض لها المواطن من عصابات (تدفيع الثمن) الاستيطانية الإرهابية، في تقرير رسمي كشكوى إلى المحاكم الدولية".

حب الأرض وأشجار الزيتون يدفعهما إلى العمل (مجدي فتحي/ Getty)
حب الأرض وأشجار الزيتون يدفعهما إلى العمل (مجدي فتحي/ Getty)

صف واحد
وتحرص الحملات التطوعية على تقدم المساعدات اللوجستية للمزارعين، والتي تساعدهم على الإسراع في جمع الثمار. ويقول الناشط في المقاومة الشعبية وائل الفقيه، في حديث لـ "العربي الجديد": "نقدم للمزارعين الآلات اليدوية للإسراع في القطف، في ظل انخفاض أعداد المتضامنين الدوليين بعد تفشي فيروس كورونا الجديد وملاحقة الاحتلال لهم. والهدف من العمل التطوعي بعث رسالة إلى الاحتلال ومستوطنيه تؤكد وقوف الناس إلى جانب المزارعين الفلسطينيين في وجه الاعتداءات المتزايدة بحقهم، والتي ترتفع وتيرتها خلال موسم قطف الزيتون".
يشار إلى أن "العونة" و"الفزعة" هما من العادات القديمة التي توارثها الفلسطينيون جيلاً بعد جيل. سابقاً، كانت تحمل طابعاً اجتماعياً خالصاً يكرس قيم التعاون والتكاتف وروح العمل الجماعي المشترك، كأن يلجأ الجار لمساعدة جاره، الأمر الذي ينسحب على ابن الحارة والقرية والأصدقاء والأقرباء الذين يساعدون بعضهم بعضاً. ومن ينتهي من قطف ثمار حقله، يذهب لمساعدة جاره"، يقول الفقيه.
عادات تشكل اليوم جزءاً من الحالة النضالية الفلسطينية، وتؤكد عمق الانتماء للأرض وشجرة الزيتون، في ظل الهجمة الشرسة من الاحتلال والمستوطنين، التي تستهدف تفريغ الأرض من سكانها الأصليين تمهيداً للسيطرة عليها. هنا يقول الفقيه إن "المستوطنين لا يجرؤون على الاعتداء خلال رؤيتهم لعدد كبير من المزارعين مع بعضهم بعضاً، ومعهم المتطوعون يقطفون الزيتون، وهذا أحد إيجابيات العونة التي لا غنى عنها كل موسم زيتون، في الوقت الحالي".

ويشير الفقيه إلى أن "الحملات التطوعية هذه تساوي بين الرجل والمرأة بأبهى صورها، وتخفف من الفقر، وتصل إلى جميع شرائح المجتمع، إذ يذوب الجميع في بوتقة العمل المفيد والبناء، ما يعزز الإنتاج ويقلل كلفة جمع المحصول بالنسبة للمزارع الفلسطيني". كما يشدد على أن "العونة" والفزعة" والحملات التطوعية لا تحتاج إلى دعوات وطلبات، بل ترتكز على المبادرة الفردية الخيرة من الشخص نفسه الذي يبادر لإبداء روح التعاون.

المساهمون