الدنمارك تفتح ملفات التجسس السعودي الإيراني ومطالبات بسحب سفيرها من الرياض
وإذا كانت السنوات السابقة لاغتيال الصحافي جمال خاشقجي في أكتوبر/تشرين الأول 2018 لم تشهد تركيزاً على مثل هذه الملفات، وخصوصا فيما يتعلق بالجانب السعودي، فإن الوضع بات مختلفاً اليوم، مع مطالب سياسية وبرلمانية بإظهار نوع من التشدد في المواقف تجاه الرياض، وهو مطلب تتفق عليه التيارات السياسية الدنماركية.
ويُطالب سياسيون وبرلمانيون بسحب السفير الدنماركي من الرياض، كخطوة مماثلة لسحب سفير كوبنهاغن من طهران، إثر الكشف عن مخطط استخباراتي إيراني لقتل معارضين في كوبنهاغن في سبتمبر/أيلول 2018.
وفي المقابل، فتح هذا الكشف ملف اختراقات إيرانية، سواء في النرويج أو هولندا، عن "ابتزاز الاستخبارات الإيرانية لمقيمين في النرويج للعمل لمصلحة الجهاز من خلال تهديدهم بأهاليهم المتبقين في إيران".
وأعادت هولندا طرح قضية استهداف السعودية وإيران لمعارضين على أراضيها، فالقضية، التي تكشف تغلغلا إيرانيا سعوديا على أراضٍ أوروبية، تأتي أيضا في الوقت الذي تواجه فيه الرياض عاصفة من الانتقادات الحقوقية الرافضة لتزويد أوروبا لها بالسلاح بسبب حرب اليمن والملف الحقوقي في الرياض، كما هو الحال مع الاحتجاجات ضد باخرة "بحري ينبع" في بلجيكا وغيرها منذ العام الماضي.
ويذهب بعض السياسيين الأوروبيين إلى ضرورة مناقشة التصرفات السعودية على المستوى الأوروبي، دون إغفال محاولة الدنماركيين وغيرهم من الأوروبيين الظهور بمظهر المتوازن في التنديد بالطرفين السعودي والإيراني، فيما بات يعرف بـ"نقل الحرب بالوكالة إلى الأراضي الأوروبية".
ولم تغفل وسائل الإعلام في الدنمارك، صباح الثلاثاء، أخبار توجيه اتهامات رسمية في محكمة روسكيلدا (جنوب العاصمة كوبنهاغن) لأعضاء في "حركة النضال العربي لتحرير الأحواز" بـالقيام بـ"أنشطة استخبارية لمصلحة المملكة العربية السعودية"، لتستعيد طرح هذا الملف الحساس للأوروبيين، والذي يشمل أيضا اتهام مخابرات طهران بقتل معارضين اثنين على أراضي هولندا، بحسب ما صرح العام الماضي وزير الخارجية الهولندي آنذاك، ستيف بلوك، ومحاولة تفجير في فرنسا، واستهداف مماثل في برلين.
"حرب بالوكالة" مرفوضة على الأراضي الأوروبية
اهتمت أغلب وسائل الإعلام الدنماركية بأخبار كشف جهاز الاستخبارات الدنماركي، أمس الاثنين، لشبكة تجسس لمصلحة السعودية، بالإضافة إلى تهمة مماثلة لضابط إيراني غيابيا، وتناقلت ردود الأفعال الأمنية والسياسية، كما طغت أخبار خلايا التجسس على قضايا أخرى كثيرة، وعلى رأسها فيروس كورونا الذي يرعب مواطني البلد.
فعلى غلافها، ذهبت "يولاندس بوستن" إلى عنوان لافت: "الدنمارك تتحول إلى مسرح في صراع قوة بين السعودية وإيران".
وخصصت الصحيفة صفحتين داخلها لهذه القضية المتفاعلة بين الدنماركيين، وجيرانهم في النرويج، والتي تحمل التهم بمحاولة اغتيال ثلاثة نشطاء أحوازيين دنماركيين في أواخر سبتمبر/أيلول 2018، وإصدار أمر اعتقال غيابي بحق "ضابط استخبارات إيراني قيادي"، دون الإفصاح عن هويته.
ورأت يولاندس بوستن في تغطيتها أن "الصراع المرير بين إيران والسعودية يحول الدنمارك، بعد توقيف الضابط الإيراني وثلاثة من المعارضين الإيرانيين، إلى ساحة مواجهة استخبارية غير عادية".
واعتبرت الصحيفة الدنماركية أن "التنازع بين قوتين كبيرتين،(السعودية وإيران)، في الشرق الأوسط منذ وقت طويل للهيمنة في المنطقة أوصل صراعهما نحو بلدنا"، مستشهدة بآراء خبراء في المجال الاستخباراتي.
وتلفت وسائل الإعلام المحلية إلى أن المتهمين بالتجسس يواجهون اليوم اتهامات بخرق قانون العقوبات 108 لمصلحة مخابرات أجنبية على أراضي الدنمارك "بالإضافة إلى تهمة محاولة القتل بحق العميل الإيراني (النرويجي الموقوف على ذمة القضية منذ خريف 2018)".
ونقلت الصحف الصادرة صباح اليوم الثلاثاء عن المسؤول الاستخباراتي في البلد، فين بروك أندرسن، أن "ثلاثة قياديين من حركة النضال العربي لتحرير الأحواز، يتهمون بالقيام خلال السنوات 2012-2018 بجمع معلومات حول أشخاص داخل وخارج الدنمارك".
وكشفت أن "استخبارات الدنمارك وصلت إلى تلك النتيجة بعد أن قامت بمراجعة ملفات وأوراق ووثائق الحركة في مكتبها الرئيس في مدينة رينغستيد".
وذكرت القناة الثانية الدنماركية، من خلال استعراض رئيس الجهاز الأمني الأسبق، فرانك يانسن، أن "ما كشف عنه يعني عملياً نقل الرياض وطهران لصراعهما من المنطقة إلى الدنمارك".
من ناحيته، يذكر الخبير الأمني السويدي المتخصص بقضايا الإرهاب، ورئيس وحدة الأبحاث في أكاديمية الدفاع باستوكهولم، ماغنوس رانستروب، أن ما تم الكشف عنه "أمر غير اعتيادي، وبالأخص فيما يتعلق بتشغيل السعودية لعملاء لها على الأراضي الأوروبية، وما ستؤدي إليه المحاكمات ربما يُميط اللثام عن كثير من الأمور المتعلقة بنشاطهم والنشاط الاستخباراتي الإيراني".
ويتفق الأستاذ في أكاديمية الدفاع في كوبنهاغن بيتر فيغو ياكوبسن معه في أن "انتشار العملاء للبلدين أمر واقع في أوروبا وحول العالم، فالطرفان (السعودي والإيراني) يتنازعان بشكل مرير في الشرق الأوسط كقوتين إقليميتين، وخصوصا بعد الدخول (الاجتياح) الأميركي للعراق وإسقاط صدام حسين في 2003".
وبسبب العلاقات التقليدية بين المملكتين السعودية والدنماركية، فإن تقدير الخبيرين الأمنيين أن "الاستخبارات الدنماركية لم تتحرك وتوجه الاتهامات دون وجود تغطية سياسية من حكومة كوبنهاغن، لأن ذلك سيؤثر على العلاقات بين الجانبين وستكون له آثار، وعليه ربما جرى اختيار الحديث عن الجانبين، الإيراني والسعودي، حتى لا يبدو الأمر موجهاً فقط للرياض".
ويرى ياكوبسن أن "ما جرى الإعلان عنه يدخل ضمن التعامل الجيوسياسي حتى لا يقال إن كوبنهاغن تقف مع طرف ضد طرف (الرياض وطهران)، بإعلان الاستخبارات عن توجيه اتهامات لعملاء الطرفين".
علاقات بالقصر الملكي في السعودية
من ناحيتها، نقلت صحيفة بوليتيكن الدنماركية، صباح الثلاثاء، عن الباحث والأمين العام لجمعية التفكير السياسي الأمني، تجمع أتلانتا، لارس بانغرت ستروي، أن "الاستخبارات الدنماركية لديها وثائق وأدلة كافية، وإلا لما وجهت هذه الاتهامات بتورط الرياض".
ومضى ستروي إلى اعتبار الأمر "خطيراً جداً، رغم أنه لا يُعرف ما كان يدور والأهداف الحقيقية من وراء جمع معلومات استخبارية".
من جهتها، تذكر الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط وأستاذة الشأن السعودي بجامعة كوبنهاغن، فاني أغيرشو-مادسن، أن "حركة النضال العربي لتحرير الأحواز تربطها علاقة مباشرة بالعائلة المالكة في السعودية، وكانت المهمة جمع معلومات على الأراضي الأوروبية، فنحن نعلم أن الرياض تتابع عن كثب تحركات مواطنيها في الخارج، ويجري مراقبة ما يقوله هذا وذاك عن السعودية".
وذكر معظم الخبراء أن ما تحت سطح الكشف عن شبكات للطرفين "أمور تتعلق بالحرب بالوكالة، فالطرفان منخرطان أصلا في مثل هذه الحرب، دون مواجهة مباشرة بينهما، في عدد من المناطق بما فيها سورية واليمن ولبنان"، وفقاً لأغيرشو-مادسن.