ويبدأ وفد رفيع المستوى من هيئة الأركان الروسية زيارة إلى أنقرة، اليوم، بعد ساعات من تلقي وفد روسي آخر رسالة تهديد بأن تركيا جاهزة للتصعيد إذا لم تحصل تطورات في المفاوضات مع الروس، إذ إن القوات التركية أرسلت المزيد من التعزيزات العسكرية إلى إدلب. وكان أمس، الجمعة، قد شهد هدوءاً نسبياً على جبهات القتال، وسط غياب لتحليق الطيران الحربي في أجواء إدلب، ربما بسبب سوء الأحوال الجوية، أو هي تهدئة متفق عليها، قد تمهد لوضع مقاربة جديدة بين الروس والأتراك حول إدلب.
وكشفت مصادر في وزارة الخارجية التركية، لـ"العربي الجديد"، أن وفداً روسياً، كان قد وصل إلى أنقرة مساء الخميس الماضي، عقد اجتماعين خلال اليومين الماضيين، مع الجانب التركي. وأشارت إلى أن الجانب التركي أصر، خلال الاجتماعين، على "مطالب أنقرة بانسحاب قوات النظام السوري، ليس فقط من المناطق التي تقدّمت إليها في حملتها خلال الفترة الأخيرة في محيط إدلب، بل إلى حدود منطقة خفض التصعيد قبل أكثر من عامين".
وأوضحت المصادر أنه و"على الرغم من توقّع أنقرة عدم تجاوب موسكو مع هذه المطالب، إلا أن تركيا تحاول جهدها التفاوض حول الملف السوري من سقف عالٍ للحصول على أكبر قدر من المكاسب، ومنها الانسحاب من سراقب التي دخلتها عناصر روسية مع قوات النظام، الخميس". وكشفت أن "أنقرة هددت بشكل واضح وصريح بأنه إذا لم تحصل تطورات في المفاوضات مع الروس، ولم يتوقف التصعيد في إدلب، فإن التصعيد من جانبها سيكون كبيراً". وأوضحت أن "تركيا تملك عدة خيارات عسكرية"، وهو ما أكدته وكالة "الأناضول" التي نقلت عن مصادر أمنية قولها إن القوات التركية بانتظار الأوامر لتنفيذ عمليات ضد قوات النظام في إدلب، خصوصاً أن الحشد العسكري التركي تواصل في الأيام الأخيرة بمختلف أنواع الأسلحة.
وبحسب مصادر وزارة الخارجية التركية، فإن الوفد، الذي وصل الخميس، كان أولياً، ومهمته التحضير لزيارة وفد رفيع المستوى من هيئة الأركان الروسية، اليوم السبت، قد يتضمّن مسؤولاً في وزارة الخارجية، مضيفة أن روسيا أوقفت قصف الطيران منذ مساء الخميس كبادرة حسن نيّة، كاشفة أن التفاوض سيتركز على سراقب، في حين أن روسيا لن تستغني كما هو واضح عن معرة النعمان. وأوضحت المصادر أن المطالب التركية في لقاء اليوم، السبت، ستركز على رفض تغيير حدود خفض التصعيد، كما ستتناول موضوع سلامة وأمن الجنود الأتراك، وانسحاب قوات النظام من المناطق التي دخلتها، مع إمكانية عقد اجتماع لعملية سوتشي وأستانة.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، أمس الجمعة، إن وفداً روسياً سيزور تركيا، اليوم السبت، لبحث المستجدات في محافظة إدلب السورية. وأضاف "سنقوم بكل ما يلزم لوقف المأساة الإنسانية في إدلب". وأشار جاووش أوغلو، خلال مؤتمر صحافي في أنقرة، إلى أن "الوضع في إدلب ما زال مأساوياً، وأن أعداداً كبيرة من المدنيين أجبروا على ترك منازلهم بفعل هجمات نظام (بشار) الأسد". وذكر بأن تركيا ردّت على هجمات النظام السوري بشكل مضاعف عقب مقتل 8 من الجنود الأتراك، لكنه أشار، في المقابل، إلى أن "النظام السوري زاد من هجماته وعدوانيته"، لافتاً إلى "أن الذين لا يؤمنون بالحل السياسي ويفضلون الحل العسكري هم مخطئون للغاية". وتطرق إلى العلاقة التي تربط بلاده مع روسيا بما يخص ملف إدلب، مشيراً إلى أنهم يعيدون تقييم المرحلة التي عملوا فيها مع موسكو، وأنه تم الاتفاق، بعد إجراء عدد من الاتصالات مع المسؤولين الروس، على بحث الوضع في إدلب مع الوفد الروسي القادم إلى تركيا، مشيراً إلى أنه "سيتم عقد اجتماع على مستوى القادة في حال لزم الأمر عقب اجتماع الوفود".
وكان المندوب التركي لدى الأمم المتحدة فريدون سينيرلي أوغلو قد أشار إلى أن "نشر قوات تركية في محافظة إدلب يتم بالتنسيق مع روسيا"، محذراً النظام السوري من أن "تركيا ستدافع عن أمن جنودها في محافظة إدلب". وقال، خلال جلسة لمجلس الأمن لمناقشة التطورات في إدلب: "أجبرنا على نشر وحدات عسكرية إضافية لحماية نقاط المراقبة ولمنع تصعيد العمليات العسكرية في إدلب، والآن يحاصر الجيش السوري عدداً من نقاط المراقبة"، مشيراً إلى أن "تركيا لن تتسامح مع الأعمال العسكرية. أي عدوان عسكري يستهدف المصالح الأمنية لتركيا والجنود الأتراك سيتم الرد عليه بشدة".
وخلال الجلسة التي لم تسفر عن نتائج حقيقية، حذّر المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن من أنّ "استمرار النهج العسكري الشامل في إدلب، سيكون له ثمن باهظ، ولا يمكن القبول به"، موضحاً أنّ "الضربات الجوية دعماً للنظام السوري لا تزال مستمرة حتى اللحظة، ونشهد جميعاً معاناة إنسانية لملايين المدنيين المقيمين هناك". من جهتها، أكدت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت أنّ "تركيا تتمتع بدعم الولايات المتحدة الكامل في الرد دفاعاً عن النفس ضد هجمات نظام الأسد غير المبررة على مواقع المراقبة التركية".
في هذا الوقت، أعلنت وزارة الدفاع التركية، أمس الجمعة، أن نقاط المراقبة في إدلب ستواصل مهامها، وأنه سيتم الرد بالمثل على أي هجوم يستهدف القوات التركية. وقال مدير فرع التخطيط والتنسيق والتحليل في وزارة الدفاع التركية العقيد أولجاي دنيزر إن "هجمات النظام السوري التي استهدفت الجنود الأتراك في 3 فبراير/ شباط الحالي، تم الرد عليها في إطار الدفاع المشروع عن النفس". ونفى ادعاءات إلغاء الدوريات المشتركة مع روسيا، موضحاً أنه "لا توجد أي مشاكل بين الطرفين، وعمليات التنسيق جارية بين المسؤولين العسكريين الأتراك والروس، وتأجيل الدوريات المشتركة جاء بسبب سوء الأحوال الجوية". وتابع "القوات المسلحة التركية في إدلب مستعدة لأداء كافة المهام التي سُتكلف بها"، مؤكداً أن "نقاط المراقبة ستواصل مهامها وسيتم الرد بالمثل على أي هجوم".
ميدانياً، تسود حالة من الهدوء على جبهات القتال بعد ساعات من سيطرة قوات النظام السوري على مدينة سراقب. وكان قد سبق هذا الأمر هجوم معاكس للفصائل المسلحة بإسناد مدفعي تركي، استمر عدة ساعات، تقدّمت فيه الفصائل نحو أحياء في بلدات داديخ وكراتين والنيرب، والأخيرة تقع على الطريق الدولي حلب - اللاذقية المعروفة بـ"إم 4"، إلا أن الفصائل عادت وانسحبت من نقاط تقدّمها، بعد قصف من قبل مدفعية النظام وسلاح الجو الروسي. كذلك قصفت مدفعية قوات النظام النقطة التركية الجديدة التي ثبّتها الجيش التركي في مطار تفتناز العسكري، شمالي سراقب، الواقع تحت سيطرة المعارضة، من دون ورود أنباء عن وقوع إصابات في صفوف عناصرها، وذلك قبيل انطلاق الهجوم البري للفصائل، بمساندة المدفعية التركية، التي قصفت 16 نقطة لقوات النظام، رداً على استهداف النقطة في مطار تفتناز.
ووصل رتل عسكري تركي جديد، صباح أمس الجمعة، إلى مقربة من إدلب، حيث ثبّت نقطة جديدة على تخوم المدينة، وتحديداً في منشأة الإسكان العسكري الواقعة على الطريق الواصل بين إدلب وسرمين التي تبعد عنها نحو خمسة كيلومترات، والتي يُخشى أن تكون الهدف المقبل لقوات النظام، بعد سيطرتها على مدينة سراقب وبلدة النيرب. وتشي الاستراتيجية العسكرية التركية في إدلب، والتي تتمثل بالدفع يومياً بمزيد من الأرتال والتعزيزات نحو نقاط المراقبة، بإمكانية قلب الطاولة على قوات النظام في "منطقة خفض التصعيد"، في حال انتهت المدة الزمنية التي أعلنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للنظام السوري نهاية الشهر الحالي. وكان أردوغان قد طالب، أخيراً، قوات النظام السوري بالانسحاب إلى ما وراء النقاط التركية في "منطقة خفض التصعيد" مع نهاية فبراير/ شباط الحالي، وإلا فإن بلاده ستضطر إلى إجباره على ذلك.
وخلال الأيام الأخيرة، أدخل الجيش التركي عشرات الأرتال، قوام معظمها دبابات وناقلات جنود، بالإضافة إلى راجمات صواريخ ضمن تعزيزاته إلى إدلب. كما دفع بتعزيزات عسكرية ضخمة نحو منطقة الحدود السورية - التركية، وتحديداً نحو ولاية هاتاي الحدودية. وذكرت وكالة "الأناضول" أن الجيش التركي أرسل تعزيزات عسكرية إضافية إلى نقاط المراقبة داخل محافظة إدلب، مشيرةً إلى أن قافلة مكونة من نحو 150 عربة عسكرية تضم قوات الكوماندوس وأسلحة وعتاداً وصلت إلى قضاء ريحانلي التابع لولاية هاتاي، جنوبي البلاد، قبل أن تنطلق باتجاه نقاط المراقبة التركية في الأراضي السورية، وسط إجراءات أمنية مشددة. واللافت في التعزيزات الأخيرة هو إرسال الجيش التركي لقوات من وحدات الكوماندوس إلى إدلب، ما يعني جدية تركيا بالتعامل مع تصعيد النظام برياً في حال لزم الأمر فعلاً.