استمع إلى الملخص
- المحللون السياسيون يرون ضرورة إعادة تقييم الأحزاب لاستراتيجياتها بعد نجاح سعيّد، حيث أثرت المقاطعة على نسبة الأصوات، مما يستدعي وقفة تأمل للأحزاب.
- هناك اعتراف ضمني من الأحزاب بأخطائها في الانتخابات، مع دعوات لمراجعة الخطابات والمصالحة والإفراج عن القيادات لإعادة بناء الثقة مع الجماهير.
التزمت أغلب الأحزاب التونسية الصمت، مباشرة بعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في تونس، التي انتهت بفوز الرئيس قيس سعيّد بولاية ثانية. وباستثناء موقف أو اثنين، لم يُسمع أي صوت للأحزاب، فهل هي بصدد القيام ببعض المراجعات؟ أم أنها بصدد استيعاب وقراءة النتائج والوقوف على أسباب فوز قيس سعيّد ثانية؟ أم أن جلّ الأحزاب التونسية اختفت لأسباب تكتيكية؟
ويكاد يكون حزب العمال (يرأسه حمة الهمامي) الوحيد من بين الأحزاب التي أصدرت بياناً عقب إعلان النتائج الأولية للانتخابات، أكد فيه أنه "لا اعتراف بنتائج المهزلة ولا شرعيّةَ لمن أفرزته رئيساً، وليستمر النّضال ضد الاستبداد"، مضيفاً أن "مهزلة 6 أكتوبر انتهت بلا مفاجآت. فقد تلقّت سلطة الانقلاب صفعة من الشّعب التّونسيّ. فبقطع النّظر عن مدى صدقيّة الأرقام الأوّلية المصرّح بها من هيئة بوعسكر، فهي كافية لتأكيد فشل المهزلة شعبيّاً".
في المقابل، أكد القيادي في حركة النهضة، محسن السوداني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "حركة النهضة ستعقد اجتماعاً مغلقاً خلال الساعات القادمة، لدراسة نتائج الانتخابات، وشرعيتها وسلامتها، وما بعدها أيضاً من تداعيات، وسيُصدَر موقف للتعاطي مع الوضع"، موضحاً أن "الصمت كان للوقوف على أبعاد العملية الانتخابية، لأن الإشكال يتعلق بموضوع الشرعية، والمحطة الانتخابية كان يفترض أن تكون لحسم هذا الإشكال وبوابة للخروج من الأزمة، لأن ما قام به قيس سعيّد يوم 25 يوليو/تموز 2021 أمر غير شرعي يتنافى والدستور، وجرى الدخول في أزمة سياسية، وإحدى وسائل الخروج منها تكون بتجديد الشرعية، سواء لرئيس الدولة أو لغيره بالانتخابات، وبالتالي هذه المحطة الانتخابية كانت مهمة لحسم مسألة الشرعية".
وأوضح أن "المسار الانتخابي وما رافقه من صعوبات وتنقيح للقانون الانتخابي ورفض إعادة 3 مترشحين للسباق الرئاسي (عبد اللطيف المكي وعماد الدايمي ومنذر الزنايدي) وسجن أحد المرشحين (العياشي زمال)، جلّها عناصر شوشت على موضوع سلامة الانتخابات وما يمكن أن تفرزه من حيث الشرعية سواء للرئيس أو غيره". وأشار المتحدث إلى أنه "بعد دراسة النتائج وكل هذه المعطيات، ستحدد حركة النهضة سياستها مستقبلاً مع المشهد، سواء في التعاطي مع السلطة إيجابياً أو معارضتها، خصوصاً أن هناك دعوات إلى طيّ صفحة المشاحنات والتهدئة الشاملة، أو اتخاذ اتجاه آخر، وبالتالي القرار لن يكون متسرعاً".
وتابع أنهم "لم يدعموا أي مترشح ولم يدعوا إلى المقاطعة وتركوا الأمر لمناضلي الحركة، ولم يكن هناك على المستوى الرسمي أي قرار. أما في ما يتعلق بالنسبة التي فاز بها سعيد، فإن مدار الشرعية بالنسبة إليهم لا يدور حول النسبة، بل بما شهده المسار الانتخابي وسلامته من عدمه". وشدد على أن "هذا ما ستقف عليه الحركة جيداً في اجتماعها لاتخاذ موقف، في هذا الاتجاه أو ذاك، وسيحدد توجهها، في المعارضة أو التعاطي إيجابياً مع الوضع الجديد".
وقال المحلل السياسي، قاسم الغربي، إن "الأحزاب الآن فهمت أن المقاطعة نجحت حزبياً، ولكن شعبياً وقع التصويت، والمترشح قيس سعيّد تحصل تقريباً على عدد الأصوات نفسه المتحصل عليه في 2019"، موضحاً في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "هناك حيثيات للعملية الانتخابية، ولكن قيس سعيد نجح في الحصول على ولاية ثانية". وبيّن أن "هذا يفرض على الأحزاب القيام بوقفة تأمل في استراتيجياتها وعملها السياسي ووضع النقاط الأساسية حول المسارات التي انخذتها منذ سنوات"، مؤكداً أن "قرار المقاطعة وراء النسبة التي تحصل عليها سعيّد، لأنه لو لم يكن هناك مقاطعة لكان من الممكن أن يمر سعيّد، ولكن ليس بالنسبة نفسها، أو يمر عبر دور ثانٍ". ولفت إلى أن "ظروف الانتخابات الرئاسية فرضت على الأحزاب المقاطعة، وربما لو كان هناك مرشحون آخرون لما كانت المقاطعة. وعملياً، كان هناك متسابق واحد وآخر بالسجن والخيارات أمام المعارضة لم تكن كبيرة".
ويرى المحلل السياسي، ماجد البرهومي، في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه "تبين بوضوح أن هناك نسبة كبيرة من الشعب التونسي لديها موقف من الأحزاب، وأن هذه الأحزاب بصدد الاضمحلال، لأن الظرف السياسي الحالي قضى عليها، فالتجمع قضت عليه ثورة 14 يناير، والنهضة قضت عليها منظومة 25 يناير 2021، والجبهة الشعبية تفككت من الداخل، وبالتالي على الأحزاب التونسية إعادة دراسة المرحلة والقيام بمراجعات للخروج بخطاب جديد للجماهير من أجل إعادة قبولها".
وتابع أن "الدساترة عائلة سياسية كبيرة، وهي مؤثرة من حيث العدد، ولكن ليس كل الدساترة مع حزب عبير موسي، واليسار عائلة أكبر من حزب العمال أو الوطد، والإسلاميون عائلة أكبر من النهضة، فهناك عائلات كبيرة وقديمة ولا يمكن نكرانها"، مشيراً إلى أن "مختلف هذه الأحزاب ربما فهمت بعد نتائج الانتخابات أن شعبيتها لم تعد كالسابق، بل إن جزءاً مهماً من الشعب التونسي يحمّلها مسؤولية العشرية التي تلت الثورة من تدهور اجتماعي واقتصادي".
وبين أن "عدد المصوتين لقيس سعيّد هذه المرة هم ذاتهم الذين صوتوا له في الاستفتاء، أي أنصار مسار 25 يوليو، وهؤلاء هم الـ30 بالمائة في الانتخابات الحالية، وأن مقاطعة الأحزاب التونسية وعزوفها عن الانتخابات أيضاً وراء صعود قيس سعيّد، وبالتالي الـ70 بالمائة ممن قاطعوا هم جماهير النهضة والدساترة واليسار، ولذلك ترك عزوفهم أنصار قيس سعيّد يتوجهون إلى الصناديق وقلبوا المعادلة".
وشدد المتحدث على أن "صمت الأحزاب التونسية حالياً هو إقرار ضمني بالخطأ، لأنهم لم يتوجهوا إلى صناديق الاقتراع، فلو ذهبت الأحزاب للتصويت يوم الانتخابات وراهنوا على الموجود، أي على مرشح ما، لربما كانوا قادرين على تغيير المعادلة". وحول مصير الأحزاب مستقبلاً، رد بأنه "لا بد من مراجعات داخل الأحزاب وتغيير الخطابات، لأن الخطابات القديمة لا تستهوي الشباب، إذ لا بد من خطابات تركز على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، ولا بد من انفراج ومصالحة ومبادرة من قبل السلطة للإفراج عن جلّ قيادات هذه الأحزاب، لأنه لا يمكن المراجعة وجلّ قيادييها في السجون"، مبيناً أن "هذا يبقى مرتبطاً بنجاح قيس سعيّد أو فشله في إيجاد معادلة للإصلاح، وإلا فستكون الفرصة أمام الأحزاب التونسية للعودة بصورة مختلفة وخطابات أخرى".