استبعاد أقدم قضاة المحكمة الدستورية من رئاستها لشبهة معارضته تعديلات السيسي

12 يوليو 2019
سمحت التعديلات الدستورية للسيسي باختيار رئيس المحكمة(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
مضى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في سياسته الهادفة للسيطرة على الهيئات القضائية والمحاكم في مصر، ومنع وصول أي قاض صاحب رأي مميز أو غير قابل للتوجيه إلى رئاسة تلك الهيئات، بتعيينه المستشار سعيد مرعي ثاني أقدم أعضاء المحكمة الدستورية العليا، رئيساً لها، متجاهلاً أقدم الأعضاء وأكبرهم سناً المستشار محمد خيري طه، وذلك تطبيقاً للتعديلات الدستورية الجديدة التي أقرت في إبريل/ نيسان الماضي، والتي سمحت لرئيس الجمهورية للمرة الأولى بأن يختار رئيس المحكمة الدستورية من بين أقدم خمسة أعضاء بها حتى نهاية فترة عمله وتقاعده.

ومن المقرر أن يستمر مرعي رئيساً للمحكمة لحين بلوغه سنّ التقاعد في أغسطس/ آب 2024، ما يعني أنه سيكون أحد أطول رؤساء المحكمة بقاءً في هذا المنصب الرفيع، الذي يعادل وظيفياً درجة وزير، ويملك سلطات كبيرة في تسيير أعمال المحكمة الدستورية، فضلاً عن عضويته في المجلس الأعلى للهيئات القضائية، ونيابته عن رئيس الجمهورية حال غيابه في رئاسة هذا المجلس.

وقضى مرعي فترة 6 سنوات من حياته الوظيفية معاراً إلى السعودية مستشاراً قانونياً لوزارة التجارة مطلع تسعينيات القرن الماضي، ثم أعير إلى البحرين عامين مستشاراً لرئيس المحكمة الدستورية هناك. وإلى جانب ذلك فإنه بدأ حياته قاضياً بمجلس الدولة، واختير للانضمام للمحكمة الدستورية عام 1984. وكان مرعي، وفقاً للأقدمية، سيعين رئيساً للمحكمة عام 2022، لكن تخطي السيسي لأقدم الأعضاء منحه 3 سنوات إضافية كاملة.

وقالت مصادر في وزارة العدل، إن السبب الرئيس لاختيار مرعي لهذا المنصب هو عدم وجود أي انتماءات سياسية له في الماضي أو الحاضر، وعدم وجود صلات وثيقة بينه وبين أي أجهزة حكومية أو أمنية، وأنه غير معروف في محيطه بأنه صاحب رأي قوي أو مخالف للسائد، وأنه يؤثِر عدم التصادم مع السلطة بأي صورة.
وبحسب المصادر، فإن سبب استبعاد أقدم الأعضاء محمد خيري طه، هو أنه على النقيض تماماً من الرئيس الجديد للمحكمة، فهو يملك رؤى خاصة به في العديد من القضايا والمشاكل التي تواجه المحكمة الدستورية والعدالة في مصر بشكل عام، ومن نوعية القضاة الذين يتمسكون بآرائهم ويرفضون التواصل مع الجهات الحكومية بأي صورة.

وأوضحت المصادر أنه، على الرغم من اشتراك محمد خيري طه في إصدار أحكام، تعتبر لصالح السلطة على رأسها إلغاء جميع الأحكام الخاصة بقضية تيران وصنافير، ومن ثم فتح باب اعتماد اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، إلا أن التحريات التي أجرتها المخابرات والأمن الوطني عنه، فضلاً عن المعلومات المستقاة من قضاة تعاملوا معه، أكدت أنه غير مناسب لتولي هذا المنصب بالصورة المرجوة، التي تشترط الطاعة الكاملة للأجهزة والتشاور معها بشأن القرارات المصيرية والمهمة الخاصة بالقضايا.


وذكرت المصادر أن العامل الذي يبدو أنه حسم استبعاد خيري، هو مجاهرته في بعض الجلسات التي جمعته بقضاة داخل وخارج المحكمة الدستورية لمعارضته تعديل الدستور، على خلفية أنه كان أحد أعضاء لجنة الخبراء العشرة، التي شاركت في إعداد دستور 2014 الذي وصفه السيسي يوماً بأنه "دستور النوايا الحسنة". ونقل بعض الأشخاص، الذين اعتمدت عليهم التحريات، عن خيري أنه عارض وضع المادّة الانتقالية الخاصة التي تجيز تجديد انتخاب السيسي بعد انتهاء فترة رئاسته الحالية، فضلاً عن التعديلات الخاصة بالهيئات القضائية.
وأوضحت المصادر أن جهازاً أمنياً راجع مضابط اللجان التي شارك فيها خيري للتأكد من أفكاره واتجاهاته، وتبين منها أنه كان معارضاً شرساً لحكم جماعة الإخوان المسلمين، لكنه في الوقت نفسه معارض لبعض الاتجاهات السلطوية لدى السلطة الحالية، ويتمسك برأيه بدون مواربة.

وأشارت المصادر إلى أن الجهاز نفسه استطلع آراء بعض قضاة المحكمة حول مدى قبولهم تجاوز خيري، وأوضح الاستطلاع أنه ليس له أصدقاء أو "شلة" داخل المحكمة، لكن بعض الأعضاء نصحوا دوائر السلطة المختلفة بتعيين ثاني أقدم عضو مباشرة وعدم تجاوزه لعضو أحدث من الخمسة الأوائل، حتى لا تحدث مشكلة كبيرة أو صدامات بين الأعضاء.
ومن المقرر، وفقاً للمصادر نفسها، أن يحل السيسي ضيفاً على المحكمة الدستورية خلال الصيف الحالي للاحتفال بمناسبة الذكرى الخمسين لإنشائها، الذي يتصادف مع حدث تعيين رئيسها الجديد الذي قد يغير شكل وأداء المحكمة للأبد، نظراً لانقضاء عهد الأقدمية وسيطرة الرئاسة على تعيين رئيس المحكمة والأعضاء الجدد بها ورئيس هيئة مفوضيها بشكل كامل، تطبيقاً للتعديلات الدستورية الأخيرة.
وسبق للسيسي أن عيّن خامس أقدم قاض بمحكمة النقض رئيساً للمحكمة، وسابع أقدم عضو بهيئة النيابة الإدارية رئيساً للهيئة، ما يعني أنه لم يعين حتى الآن أي رئيس هيئة في أقدميته الطبيعية.

ويكتسب تطبيق النص الدستوري الجديد هذا العام أهمية استثنائية، لأنه يشهد تغيير جميع رؤساء الهيئات وهم: المستشار حنفي جبالي رئيس المحكمة الدستورية، وآخر من وصل لهذا المنصب بالأقدمية المطلقة المتبعة منذ 2012، والمستشار أحمد أبو العزم رئيس مجلس الدولة الذي تم تعيينه بالمخالفة للأقدمية في 2017، والمستشار مجدي أبو العلا رئيس مجلس القضاء الأعلى ومحكمة النقض، الذي تم تعيينه بالمخالفة للأقدمية في 2017، والمستشارة أماني الرافعي رئيسة النيابة الإدارية التي تم تعيينها بالمخالفة للأقدمية في 2018، والمستشار حسين عبده خليل رئيس هيئة قضايا الدولة الذي تم تعيينه بالمخالفة للأقدمية في 2017.

ومخالفة الأقدمية وفقاً للنص الدستوري الجديد، مغايرة للمخالفة التي طبقت عام 2017، بإصدار السيسي القانون الذي يمكنه من اختيار رؤساء الهيئات، بهدف التخلص من المستشار يحيى دكروري في مجلس الدولة، والمستشار أنس عمارة في محكمة النقض. وكان القانون السابق يمنح المجالس العليا للهيئات سلطة إرسال قائمة قصيرة مكونة من 3 مرشحين ليختار السيسي أحدهم رئيساً للهيئة، أما النص الدستوري الجديد وإمعاناً في امتهان القضاة فجعل من حق السيسي الاختيار دون شروط من بين أقدم 7 نواب، وهو ما يعني عملياً انتقال سلطة الاختيار والاستبعاد إلى الجهات الأمنية والاستخباراتية، التي ستعد للسيسي بياناً بشأن كل مرشح محتمل ومميزاته ومشاكله.