6 سنوات على ثورة يناير... مسلسل عودة رجال مبارك

25 يناير 2017
تستعين الحكومة بيوسف غالي لمعالجة الأزمة الاقتصادية(نيكولاس كام/فرانس برس)
+ الخط -
عاد رجال نظام الرئيس المخلوع، محمد حسني مبارك، إلى المشهد المصري بقوة، بعد مُضي 6 سنوات على ثورة 25 يناير/كانون الثاني، وذلك على الرغم من تأكيد الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، في أكثر من مناسبة منذ توليه سدة الحكم، على "عدم العودة إلى الوراء". ويبرز من تفكير السيسي في الاعتماد على رجال مبارك، حاجته الماسّة إلى خبراء في مجالين، الأول اقتصادي لإنقاذه من الأزمة، والثاني الحاجة إلى ما يصطلح على تسميتهم "ترزية القوانين"، لناحية تعديل القوانين وصياغة أخرى جديدة تتناسب مع رؤيته، خصوصاً أن رأياً عريضاً يفيد بأن السيسي لم يتمكن من تشكيل أركان نظامه بشكل كبير، وفشل في استقطاب أي من الخبراء في مختلف الفروع.


أحمد درويش

في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، أصدر السيسي، قراراً جمهورياً بتعيين وزير التنمية الإدارية في عهد مبارك، الدكتور أحمد درويش، رئيساً للهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس لمدة ثلاث سنوات. ودرويش كان أحد الشخصيات التي تنال رضى مبارك، وبقي وزيراً للتنمية الإدارية بين العامين 2004 و2011، في حكومة المهندس أحمد نظيف. واستعان السيسي بدرويش، في منصب مهم ورسمي، في إدارة المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، ما يعني أنه يتولى ملف الاستثمارات في محور قناة السويس، بعد انتقادات كثيرة للرئيس المصري لعدم وجود جدوى للمشروع، الذي تسبب في جانب كبير من الأزمة الاقتصادية التي تشهدها مصر. ويعوّل السيسي على درويش في جذب استثمارات لتطوير محور قناة السويس، بما يسهم في ضخ مزيد من العملة الصعبة إلى مصر، في ظل انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار الأميركي.

مفيد شهاب

بعد فترة اختفاء منذ ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، ظهر وزير المجالس النيابية والشؤون القانونية، الدكتور مفيد شهاب، إلى جانب السيسي، في 13 أبريل/نيسان 2016، في قصر الاتحادية، خلال لقاء جمع عدداً من المثقفين والإعلاميين، للحديث حول التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية. وكان لشهاب دور بارز في ترتيبات التنازل عن الجزيرتين للرياض، حتى أنه ألقى كلمة لإقناع الحضور بأن الجزيرتين سعوديتان. ويبدو أن شهاب سيكون له دور أكبر في ظل نظام السيسي خلال الفترة المقبلة، ليس فقط بشأن أزمة تيران وصنافير، ولكن أيضاً باعتباره أحد ما يصطلح على تسميتهم "ترزية القوانين" في عهد مبارك.
واستعان النظام الحالي، وتحديداً رئيس الوزراء، شريف إسماعيل، بشهاب، عقب حكم الإدارية العليا ببطلان اتفاقية تيران وصنافير، وهو حكم نهائي وباتّ. وعلّق إسماعيل على لقائه بشهاب، وهو رئيس الجمعية المصرية للقانون الدولي، قبل أيام، بشأن تداعيات قضية تيران وصنافير، قائلًا "من حقنا الاطلاع والمناقشة".


أحمد فتحي سرور

ومن شهاب إلى أحد "ترزية القوانين" أيضاً، وهو رئيس مجلس الشعب المصري لسنوات طويلة، أحمد فتحي سرور، الذي تردد اسمه أخيراً، كأحد المدعوين للتشاور حول تعديلات بعض القوانين، وتحديداً قانون الإجراءات الجنائية. وظل سرور مختفياً تماماً منذ ثورة يناير، التي حلت مجلس الشعب، حتى عاد اسمه يتردد، بضرورة الاعتماد عليه، في تعديلات بعض القوانين المهمة، ووضع أخرى جديدة.
ويعتبر سرور أحد كبار أساتذة القانون الجنائي في مصر، وكان يقوم، مع آخرين، بصياغة القوانين على هوى مبارك، حين كان رئيساً لمجلس الشعب، الذي اندمج في مجلس الشورى، عقب الانقلاب العسكري على الرئيس المعزول، محمد مرسي، ويصبح البرلمان غرفة واحدة تسمى "مجلس النواب".

يوسف بطرس غالي

وكشف أستاذ العلوم السياسية والبرلماني المصري السابق، مصطفى الفقي، عن أن الحكومة المصرية تستعين بآراء وزير المال الهارب من البلاد، يوسف بطرس غالي، في معالجة الأزمات الاقتصادية التي تواجهها. وأشار الفقي إلى أن علاقته طيبة بوزير المالية السابق، مشيراً إلى أن الحكومة أخذت رأيه أخيراً في تعويم الجنيه، لكنها لم تتبع جميع النصائح التي قدمها. وفي 2 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كشف غالي عن أن الرئاسة المصرية تستعين به دائماً في بعض الاستشارات الاقتصادية منذ 2011، موضحاً أنه تلقى أسئلة في 30 صفحة، وأنه رد عليها كلها. ومن ضمن الأسئلة، التي وصفها بـ"الكوميدية"، هل يمكن وضع قانون واحد لحل كل الأزمات التي تمر بها مصر؟

وأخيراً، كشفت مصادر قضائية عن أن جهات التحقيق المنوط بها التصالح مع رموز نظام مبارك، تتحرى حول عناصر ثروة بطرس غالي في الخارج، وتستهدف الكشف عن حساباته السرية في بنوك دول الاتحاد الأوروبي وسويسرا، وذلك في إطار فحص طلب التصالح المقدم منه لانقضاء الدعوى الجنائية المتهم فيها، مقابل سداد ما عليه من مستحقات مالية، وتصل إلى ما يقارب ملياراً و4 ملايين جنيه.


مصطفى الفقي

ويعتبر أستاذ العلوم السياسية والبرلماني السابق، الدكتور مصطفى الفقي، أحد أبرز وجوه نظام مبارك، قبل خروجه من العمل في مؤسسة الرئاسة، إذ كان سكرتير مبارك للمعلومات بين عامي 1985 و1992. ولا تتوقف أحاديث الفقي التي يمتدح فيها السيسي بين الحين والآخر، فضلاً عن تصريحات يطالب فيها بالاستعانة بخبرات رجال مبارك، باعتبارهم الأجدر على انتشال البلاد من أزماتها. ويبدو أن أستاذ العلوم السياسية يؤدي دور العرّاب، في التواصل بين النظام الحالي ورجال مبارك، خصوصاً وأن الرجل يتمتع بعلاقات قوية معهم، إذ رافقهم لفترة طويلة خلال عمله في مؤسسة الرئاسة.

الاستعانة بالخبرات

وقالت مصادر برلمانية مقربة من دوائر اتخاذ القرار، إن السيسي قرر التوسُّع في الاستعانة برجال مبارك، في ظل عدم وجود خبرات كبيرة محيطة به، والأزمات التي نشبت في أعقاب الاستعانة ببعض الخبراء في عدد من المجالات. وأضافت المصادر، في تصريحات خاصة، أن رجال مبارك لن يتولوا أية مناصب بارزة في الدولة، خوفاً من اتهام السيسي بإعادة إنتاج النظام السابق، لكن سيتم الاستعانة بهم في بعض المجالات، وتحديداً الاقتصادية والقانونية. وأشارت إلى أن رجال مبارك يدركون كل كبيرة وصغيرة في عجلة العمل اليومي للدولة، بسبب تواجدهم لفترة كبيرة في مناصب قيادية في عهد مبارك، ما يجعلهم الخبراء الأكثر قدرة على إعطاء نصائح وتوجيهات صائبة. ولفتت إلى أنه لا يمكن تجاهل قدرات رجال مبارك، خصوصاً وأن الرئيس السابق كان يحرص دائماً على استمالة الخبرات في كل مجال، وهو أحد أسباب بقائه في الحكم لمدة 30 عاماً. وأشارت إلى أنه على سبيل المثال، لم يكن أمام النظام الحالي سوى الاستعانة بعلي عبد العال في رئاسة مجلس النواب، رغم سلبياته الكبيرة.

وقال الخبير السياسي، محمد عز، إن استعانة السيسي برجال مبارك، كانت متوقعة منذ وصوله إلى الحكم، خصوصاً وأنه يحاول استنساخ تجربة مبارك في الحكم. وأضاف عز، لـ"العربي الجديد"، إن السبب الأبرز في الاستعانة برجال مبارك، هو فشل السيسي في تشكيل مجموعة من الخبراء تحيط به، بما يمكن تسمية "رجال نظام السيسي". وتابع أن عدداً كبيراً من الخبراء والمتخصصين في عدة مجالات، رفضوا التقارب مع نظام السيسي، ليس لوجود اعتراضات على طريقة إدارته لمصر، لكن أيضاً لعلمهم بأنه متفرّد في اتخاذ القرار، وبالتالي سيكونون مجرد جزء من الديكور.