هل تختار الصين "الردع النووي" لمواجهة أميركا في المحيطَين؟

02 يونيو 2021
يحثّ المسؤولون الصينيون على تطوير ترسانة الصواريخ البالستية (Getty)
+ الخط -

تتجه الأنظار إلى منطقة المحيطين الهادئ والهندي كبؤرة جديدة للتوتر بين بكين وواشنطن، منذ أن قررت الإدارة الأميركية سحب قواتها من أفغانستان، في إطار خطة لإعادة الانتشار والتموضع العسكري في المنطقة، بما يخدم هدفها الاستراتيجي المتمثل في احتواء نفوذ الصين. ومنذ أيام تمّ الكشف عن ميزانية وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) المقترحة للعام المالي المقبل، بإجمالي 715 مليار دولار وبزيادة بنسبة 1.6 في المائة عن العام السابق. وبحسب بيان الميزانية، من المقرر أن يتم تخصيص أكثر من 66 مليار دولار للجهود المتعلقة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وذلك بناء على طلب قائد القيادة الأميركية في المنطقة الأدميرال فيل ديفيدسون، الذي كان قد صرح في وقت سابق بأن الصين هي التحدي الأكبر بالنسبة للولايات المتحدة.

وتهدف مبادرة الردع الأميركية في المحيط الهادئ، إلى تعزيز استعداد الولايات المتحدة لحرب وشيكة في المنطقة، من خلال تحديث الترسانة النووية وتمويل أنظمة الصواريخ والأقمار الصناعية وأجهزة التجسس. وفي هذا السياق، منحت وزارة الدفاع الأميركية الأولوية للقوات الجوية والبحرية، على حساب الجيش، الذي من المتوقع ألا يؤدي دوراً كبيراً في أي قتال محتمل مع الصين.

منح "البنتاغون" الأولوية للقوات الجوية والبحرية على حساب الجيش

إزاء ذلك، ارتفعت أصوات صينية داخل دوائر صنع القرار في بكين، تحث قيادة الحزب الشيوعي على تحديث الترسانة النووية، تحديداً ما يتعلق بالردع البحري، مثل الصواريخ البالستية العابرة للقارات التي تطلقها الغواصات، وذلك تحسباً لأي عمل عسكري محتمل من الجيش الأميركي في المنطقة. واعتبر خبراء عسكريون أن امتلاك ترسانة نووية مناسبة سيساعد الصين في حماية سيادتها وأمنها القومي، ويحافظ على مصالحها الاستراتيجية، ويعزز إقامة نظام عالمي أكثر أمناً واستقراراً.

وحول مبادرة الردع في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، يبدي الباحث في الشؤون العسكرية في معهد "نان جينغ للبحوث والدراسات الاستراتيجية" يوان تشو اعتقاده، في حديث مع "العربي الجديد"، أن المبادرة الأميركية وبعد عام على إطلاقها، بدأت تأخذ شكلها النهائي، وبدأت ملامحها تتضح. ويشير في هذا الإطار إلى الاستثمار في التقنيات المتطورة، مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة والعمليات السيبرانية، في ما يتعلق بحجم الأسطول البحري في المنطقة، ما قد يمنح القوات الأميركية مزايا قتالية عالية الدقة.

ويوضح تشو أن نجاح الاستراتيجية الأميركية يتوقف على مدى استجابة الحلفاء في المنطقة، مثل الهند واليابان وكوريا الجنوبية، لأن تثبيت معدات متطورة مرتبطة برادارات وأقمار اصطناعية متقدمة وأجهزة استطلاع وتنصت، ينطوي على الكثير من المخاطر، ويتطلب موافقات من حكومات تلك الدول، لأن ذلك يمس أمنها القومي. ويرى أن لقاء وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن مع وزير الشؤون الخارجية الهندي سوبراهمانيام جايشانكار، قبل أيام في واشنطن، يتعلق بهذه التطورات، خصوصاً أن الطرفين ناقشا التحديات الأمنية في المنطقة، وسبل تعزيز الشراكة الدفاعية بموجب اتفاقات وتعهدات سابقة بين البلدين.

الخطر الأكبر الذي تستشعره الصين يتمثل بفرص استعادة تايوان

وفي رده على سؤال بشأن خيارات بكين ومدى استعدادها للمواجهة، يلفت تشو إلى أن تأثير الصين الاقتصادي على حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة يؤثر على الجهود والخطط العسكرية البديلة. ويستحضر الباحث في هذا الشأن تجربة كوريا الجنوبية، التي دفعت أثماناً باهظة قبل أعوام بسبب قبولها نشر منظومة "ثاد" الدفاعية الأميركية على أراضيها. وحينها اعتبرت الصين أن ذلك يهدد أمنها القومي، وبناء على ذلك وقعت توترات كبيرة بين بكين وسيول، ودفعت الشركات الكورية الجنوبية العاملة في الصين الثمن بسبب المقاطعة الشعبية الواسعة. وفي ختام حديثه، يشير تشو إلى أن الخطر الأكبر الذي تستشعره الصين في تعزيز القدرات العسكرية الأميركية بالمنطقة، يتمثل بتأثير ذلك على فرص استعادة جزيرة تايوان بالقوة، لأن مبادرة الردع الجديدة ستبقي القدرات الأميركية على مسافة قريبة جداً من مضيق تايوان، يصعب معها تنفيذ خطة مباغتة.

من جهته، يقول رئيس "الجمعية الصينية للدراسات المتخصصة" دينغ لونغ، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن سياسة واشنطن في المحيطين الهادئ والهندي من شأنها أن تؤدي إلى سباق تسلح في المنطقة، ويعتبر أن ذلك لا يساعد على الأمن والاستقرار، ولا يخدم مصالح كافة الأطراف بما فيها الولايات المتحدة. ويرى أن السياسة الخارجية الصينية تتسم بالسلمية، وبناء على ذلك، فإن بكين تسعى إلى إيجاد بيئة آمنة في منطقة المحيطين، لتستفيد منها كل دول المنطقة من خلال بناء شراكة اقتصادية وتحقيق مكاسب مشتركة، ويشير إلى أن الصين أبقت إنفاقها الدفاعي عند حوالي 1.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أقل بكثير من المتوسط العالمي البالغ 2.6 في المائة، علماً أن الولايات المتحدة تُعدّ صاحبة أكبر ميزانية عسكرية في العالم تعادل أربعة أضعاف ما أنفقته الصين خلال السنوات الأخيرة.

لكنه في المقابل يلفت إلى أن الصين قد تجد نفسها في موقف الدفاع عن النفس في حال حدوث أي اعتداء، مشدداً على أن القيادة الصينية لا تخشى أي قوة خارجية مهما كانت، وهي جاهزة في كل لحظة للدفاع عن سيادتها وشعبها ووحدة أراضيها مهما كلف الثمن. وتأتي هذه التطورات في ظلّ إعلان وسائل إعلام صينية رسمية أن الصين قد تزيد عدد صواريخها البالستية العابرة للقارات من طراز "دي أف 41"، غير أن محللين عسكريين استبعدوا ذلك، مؤكدين أن بكين لا تريد الانخراط في أي شكل من أشكال سباق التسلح النووي في المنطقة، رغم الضغوط المتزايدة عليها.

المساهمون