هدوء حذر على الحدود اللبنانية الإسرائيلية تزامناً مع هدنة غزة

24 نوفمبر 2023
شهدت الجبهة اللبنانية الخميس مواجهات هي الأعنف منذ بدء التصعيد (فرانس برس)
+ الخط -

يسود هدوءٌ حذرٌ على الحدود اللبنانية الجنوبية الإٍسرائيلية بالتزامن مع دخول الهدنة المؤقتة في قطاع غزة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي حيّز التنفيذ عند الساعة السابعة من صباح اليوم الجمعة.

واستمرّ القصف المتبادل بين "حزب الله" وجيش الاحتلال الإسرائيلي طيلة يوم أمس الخميس، حيث شهدت الجبهة اللبنانية واحدة من أعنف المواجهات منذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قبل أن يصبح إطلاق النار متقطعاً في ساعات الليل، ويتوقف نهائياً قبيل الساعة السابعة صباحاً بتوقيت بيروت، وسط استمرار تحليق طيران الاحتلال في الأجواء اللبنانية.

وقالت وسائل إعلام تابعة لـ"حزب الله" إن مدفعية الاحتلال استهدفت منطقة مفتوحة في سهل الخيام بعددٍ من القذائف عند الساعة السابعة إلّا ربعاً صباحاً، ثم توقف القصف في تمام الساعة السابعة.

الجيش اللبناني يحذر

إلى ذلك، أكد مصدرٌ في الجيش اللبناني لـ"العربي الجديد"، أنّ "الهدوء يسود حالياً البلدات والقرى الحدودية جنوبي لبنان، ولم يسجّل أي إطلاق نار منذ أكثر من ساعة، وهناك دوريات مكثفة للجيش بالتنسيق والتعاون مع قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)، لضبط الوضع ومنع حصول أي حدث طارئ".

وقال المصدر، إن "بعض العائلات بدأ يتوجه إلى منازله في القرى الحدودية، خصوصاً التي كانت تُعتبر ضمن النقاط الساخنة، وذلك من أجل تفقد الممتلكات، ومعاينة الأضرار، وجرى السماح لهم بالوصول إليها، لكن هناك طلبٌ مستمرٌّ إليهم بعدم البقاء فيها والعودة إلى المراكز والمناطق التي نزحوا إليها".

وشدد على أن "الهدوء يبقى حذراً، لذلك ندعو المواطنين النازحين إلى عدم التسرّع في التوجّه إلى بلداتهم قبل عودة الاستقرار نهائياً، لأن الخطر لا يزال موجوداً وإطلاق النار قد يحصل في أي وقتٍ".

وظهر اليوم الجمعة، حذرت قيادة الجيش اللبناني المواطنين العائدين إلى منازلهم في المناطق الحدودية الجنوبية، من مخلفات اعتداءات العدو الإسرائيلي.

وقالت في بيان، "في ظل عودة جزء من المواطنين إلى منازلهم في المناطق الحدودية الجنوبية التي غادروها نتيجة اعتداءات العدو الإسرائيلي خلال المرحلة الأخيرة، تدعو قيادة الجيش المواطنين إلى اتخاذ أقصى تدابير الحيطة والحذر من مخلفات القصف المعادي، ولا سيما الذخائر الفسفورية والذخائر غير المنفجرة، وعدم الاقتراب منها، وإفادة أقرب مركز عسكري عنها أو الاتصال بعمليات القيادة على الرقم 1701".

ودعت قيادة الجيش المواطنين إلى "الالتزام بإجراءات الوقاية المعمّمة من قبل الجيش في هذا الخصوص".

من جهته، قال مصدرٌ نيابيٌّ في "حزب الله" لـ"العربي الجديد"، إنّ "الهدنة الموقتة في غزة ستنعكس على لبنان حتماً، والمشهد سيبقى مستقراً، والجبهة الجنوبية ترتبط بالتطورات في غزة، ولكن أي اعتداء إسرائيلي على الجنوب اللبناني سيلقى الردّ عليه سريعاً، فنحن جاهزون وبحالة تأهّبٍ دائمة".

إلى ذلك، حذّر رئيس بعثة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "اليونيفيل" وقائدها العام الجنرال أرولدو لاثارو مرة جديدة من أنّ أي تصعيد في جنوب لبنان يمكن أن تكون له عواقب مدمّرة.

وحثّ لاثارو "أولئك الذين يتبادلون إطلاق النار على طول الخط الأزرق على وقف دائرة العنف هذه".

وقال في تصريح إنه "يجب على الأطراف أن تؤكد من جديد التزامها بقرار مجلس الأمن الدولي 1701 (صادر عام 2006)، ووقف الأعمال العدائية، بينما تسعى إلى إيجاد حلول طويلة الأمد لمعالجة الأسباب الكامنة وراء النزاع".

وشهدت جبهة لبنان الجنوبية، أمس الخميس، تصعيداً عنيفاً، حيث طاول القصف المدفعي والجوّي الإسرائيلي العديد من البلدات والقرى الحدودية، واستهدف منازل المدنيين ونقاطاً يزعم جيش الاحتلال أنها بنى تحتية تابعة لـ"حزب الله".

من جانبه، كثّف "حزب الله"، الخميس، عملياته العسكرية، التي بلغت 22، ضدّ مواقع وأهداف وتجمّعات إسرائيلية، استخدم فيها أسلحة مختلفة ومتطوّرة، منها صواريخ بركان وكاتيوشا، وذلك رداً على استشهاد 5 من عناصره ومسؤوليه، أول من أمس الأربعاء، بغارة إسرائيلية جنوبي لبنان، بينهم نجل رئيس كتلته البرلمانية (الوفاء للمقاومة)، عباس محمد رعد (سراج).

ومن أكبر العمليات التي نفذها "حزب الله" أمس، والأعنف منذ 8 أكتوبر، كانت استهدافه قاعدة عين زيتيم قرب مدينة صفد (مقر لواء المشاة الثالث التابع للفرقة 91) بثمانية وأربعين صاروخ كاتيوشا، وإصابتها إصابة مباشرة.

كما استهدف الحزب بصواريخ موجّهة ومركّزة 4 جنود من قوة إسرائيلية بعد رصده دخولهم إلى منزل في مستعمرة المنارة، ما أدى إلى مقتلهم جميعاً.

ونعى "حزب الله" أمس، في بيانين منفصلين، اثنين من عناصره سقطا من جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي جنوبي لبنان، إضافة إلى الخمسة الذين نعاهم في ساعة متأخرة من ليل الأربعاء - الخميس، ليرتفع بذلك عدد شهدائه منذ 8 أكتوبر إلى 83، علماً أن عدد شهداء محور المقاومة أصبح 86، مع إضافة اثنين من "سرايا القدس"، الجناح العسكري لحركة "الجهاد الإسلامي"، وعنصر من "حركة أمل" (يرأسها رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري).

وأسفرت المواجهات المندلعة على الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة عن استشهاد ما يزيد عن مائة شخص بفعل قصف الاحتلال الإسرائيلي، بينهم مدنيون، و3 صحافيين، بينما معظمهم من عناصر ومقاتلي "حزب الله".

كما نزح أكثر من 30 ألف شخص من القرى والبلدات الحدودية الجنوبية من جراء التصعيد العسكري بين "حزب الله" وجيش الاحتلال الإسرائيلي، منهم من توجه إلى مراكز إيواء ومدارس في صور، جنوبي البلاد، وبعضهم من لجأ إلى منازل أقربائه في مناطق لبنانية أخرى.

وألحقت المعارك الدائرة في الجنوب اللبناني خسائر كبيرة بالقطاع السياحي، وسط تهاوي الحجوزات، خصوصاً في ظلّ الإجراءات التي اتخذتها العديد من الدول، ومنها عربية، تجاه لبنان، والطلب إلى مواطنيها مغادرة أراضيه، وعدم التوجه إليه حتى إشعار آخر، الأمر الذي دفع بمسؤولين عن القطاع إلى اعلان انتهاء موسم الأعياد قبل بدئه، رغم التعويل الكبير اقتصادياً على السياحة الشتوية.

أيضاً، أعلن وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس الحاج حسن أن "عشرات آلاف الأشجار المعمّرة من الزيتون حُرقت نتيجة قصف الاحتلال الإسرائيلي الذي يطاول عمداً الأشجار والأحراج وكل نقطة زراعية"، وذلك فيما تعرّض المزارعون في الجنوب لخسائر جمّة، وسط خشية تبقى قائمة من عدم التعويض عليهم من جانب السلطات بشكل منصف وعادل.

زيارة مرتقبة للودريان إلى بيروت وسط امتعاض من الأداء الفرنسي

على صعيد متصل بالأحداث اللبنانية السياسية، برز تصريح الموفد الرئاسي الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان بإعلانه أنه سيعود قريباً إلى بيروت، معرباً عن "قلقه بشأن الوضع في شمال إسرائيل، مع التهديد الذي يشكّله حزب الله، المؤيد لحركة حماس"، مع الإشارة إلى أن الملف الرئاسي جمّد في لبنان منذ بدء الأحداث الجنوبية، ليستمرّ الشغور الرئاسي القائم منذ 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2022.

وقال لودريان، لـ"فرانس إنفو"، إنّ "تصريحات زعيم حزب الله حسن نصر الله تظهر أنه ربما لا يريد التصعيد وذهاب الأمور إلى أبعد من ذلك، لكن لا ينبغي لأحد أن يذهب أبعد من ذلك، فإن انفجار الوضع سيؤثر على لبنان نفسه، وقد تؤدي أي شرارة لإشعال حرائق أكبر".

ولفت لودريان إلى أن "لبنان على حافة حرب، في وقتٍ تعيش فيه البلاد أزمة سياسية منذ سنوات، فلا يوجد رئيس للجمهورية، ولا رئيس وزراء، الذي يقتصر دوره الآن على إدارة الشؤون الجارية فقط، ولا مجلس النواب يجتمع"، سائلاً "من المسؤول عن لبنان؟ لا أحد، من هنا على اللبنانيين أن يدركوا أن دولتهم وحيويتها على المحكّ"، مشيراً إلى أنه لا يفهم اللامبالاة من المسؤولين الذين عليهم الاستيقاظ".

وفي السياق، يقول مصدرٌ دبلوماسي في السفارة الفرنسية في بيروت لـ"العربي الجديد"، إن "الزيارة لم تحدّد بعد لناحية التوقيت، ولودريان مكلف من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالملف الرئاسي اللبناني، وسبق أن زار لبنان أكثر من مرّة، آخرها في الصيف، من أجل مساعدة المسؤولين اللبنانيين على إيجاد حلّ للأزمة الرئاسية".

ويشير المصدر إلى أن "فرنسا قلقة من الأوضاع في لبنان، الذي لا يحتمل أي حدث أمني واسع، والفترة الراهنة رغم الانشغال بالمعارك، تحتم أن تكون هناك مؤسسات كاملة الصلاحية في الدولة اللبنانية، وأن يكون هناك رئيس للجمهورية، ورئيس حكومة بصلاحيات كاملة، ومجلس نواب يجتمع للقيام بدوره التشريعي الكامل".

ويلفت المصدر إلى أن "الحركة الدولية والعربية كانت مكثفة تجاه لبنان قبيل التطورات الأخيرة في غزة ولبنان، وكانت هناك مساع جدية ومثمرة بأجواء إيجابية لانتخاب رئيس، واليوم يجب أن تعود المشاورات خصوصاً بين القوى اللبنانية لوضع خلافاتها جانباً وحلّ هذه الأزمة بأسرع وقتٍ ممكنٍ، إذ إن فرنسا أو أي دولة لا يمكنها أن تحلّ الأزمة بالنيابة عن المسؤولين اللبنانيين، الذين عليهم أن يقوموا بدورهم، ويضعوا المصلحة العليا فوق أي مصلحة أخرى".

وعلى الرغم من الدور الذي لعبته فرنسا على صعيد الملف الرئاسي اللبناني، بيد أن امتعاضاً برز في الفترة الماضية من الأداء الفرنسي، خصوصاً من جانب الفريق المعارض لـ"حزب الله" الذي استنكر تسويق باريس للحوار الذي دعا إليه رئيس البرلمان نبيه بري كشرط قبل دعوة البرلمان لانتخاب رئيس، وذلك قبل أن يعمد الفرنسيون، الذين دعموا بداية مرشح "حزب الله" رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية في إطار تسوية "رئاستي الجمهورية والحكومة"، إلى عرض مبادرة المرشح الثالث.

واليوم يواجه الفرنسيون أيضاً امتعاضاً من جانب "حزب الله" وحلفه، ربطاً بالمواقف الفرنسية من الحرب على غزة، والمعركة الدائرة جنوبي لبنان.

المساهمون