استمع إلى الملخص
- تعرضت القوات المصرية لاستفزازات إسرائيلية، مما زاد التوتر بين الجانبين، وسط محاولات دولية للضغط على مصر لفتح المعبر للمساعدات.
- لعبت مصر دور الوسيط بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، مع التركيز على هدنة، لكنها تعاملت بحذر مع فتح المعبر بسبب مخاوف تدفق اللاجئين.
منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، شهد معبر رفح البري ومحور صلاح الدين، الواقعان على الحدود بين قطاع غزة ومصر، تطورات سياسية وأمنية وعسكرية بالغة الأهمية. ويعتبر هذان الموقعان شرياني حياة رئيسيين لسكان غزة، إذ يتيحان تدفق الإمدادات الإنسانية والمواد الأساسية في ظل الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ سنوات، ويشكلان منفذاً مهماً لسكان غزة إلى العالم الخارجي. ومنذ بداية الحرب على غزة، كان معبر رفح ومحور صلاح الدين في قلب الأحداث العسكرية والأمنية والسياسية، وعلى الرغم من الجهود الدولية والإقليمية لتخفيف الأزمة الإنسانية، إلا أن التوترات العسكرية والأمنية المستمرة جعلت من الصعب تحقيق تقدم ملموس في هذا الملف.
ومنذ انسحاب الاحتلال من غزة في عام 2005، أصبح معبر رفح البوابة الوحيدة غير الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية. ومع ذلك، بقي المعبر تحت رقابة مشددة من الجانبين المصري والإسرائيلي في فترات النزاع، ويخضع لسياسات معقّدة ناتجة عن الأحداث الأمنية والسياسية في المنطقة. في 7 أكتوبر 2023، ومع بدء الحرب بين إسرائيل و"حماس"، ومع تصاعد القتال، أغلقت مصر معبر رفح أمام حركة المسافرين والبضائع. وركزت قوات الاحتلال على استهداف الأنفاق الحدودية في محور صلاح الدين، حيث ادعت إسرائيل أن هذه الأنفاق تُستخدم لتهريب الأسلحة من قطاع غزة وإليه. وتعرّضت المنطقة لقصف مكثف خلال الأيام الأولى من الحرب، ما تسبّب في دمار واسع النطاق.
لم تكد تمر أيام قليلة على بدء العدوان على غزة، حتى قامت قوات الاحتلال باستهداف القوات المصرية الموجودة على الجانب الآخر من الحدود
استفزازات إسرائيلية
لم تكد تمر أيام قليلة على بدء العدوان على غزة، حتى قامت قوات الاحتلال باستهداف القوات المصرية الموجودة على الجانب الآخر من الحدود. ففي 22 أكتوبر 2023، أعلن الجيش الإسرائيلي أن إحدى دباباته أصابت "عن طريق الخطأ موقعاً مصرياً" بالقرب من الحدود مع غزة. وأعلن المتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية أن "إصابات طفيفة" وقعت لبعض عناصر المراقبة الحدودية، بعد إصابة أحد أبراج المراقبة على الحدود المصرية بشظايا قذيفة من دبابة إسرائيلية "عن طريق الخطأ". وقال إن "الجانب الإسرائيلي أبدى أسفه على الحادث غير المتعمد فور وقوعه، وجارٍ التحقيق في ملابسات الواقعة". وفي 27 مايو/أيار 2024، أطلقت القوات الإسرائيلية النار على الجانب المصري من الحدود، ما أدى إلى مقتل جندي مصري واحد على الأقل. وقال جيش الاحتلال إن الحادث قيد التحقيق، مشيراً إلى "اتصال مع الجانب المصري".
ومع تزايد أعداد الضحايا في غزة نتيجة القصف الإسرائيلي العنيف، تكثّفت الضغوط الدولية على مصر لفتح معبر رفح أمام المساعدات الإنسانية والإجلاء. وكانت الأمم المتحدة والولايات المتحدة ودول أوروبية عدة من بين الأطراف التي مارست الضغوط على القاهرة لتيسير وصول الإمدادات الغذائية والطبية إلى القطاع. وفُتح المعبر بشكل متقطع لتسهيل مرور قوافل المساعدات الإنسانية، ولكن حركة الإمدادات كانت محدودة بسبب الأوضاع الأمنية المتردية والتدمير الذي لحق بالبنية التحتية على الجانب الغزي.
القصف الإسرائيلي على معبر رفح
محور صلاح الدين كان أحد أبرز الأهداف العسكرية خلال الحرب، إذ كثّفت إسرائيل هجماتها على الأنفاق الحدودية، وادعت أنها تشكّل تهديداً لأمنها من خلال استخدامها لتهريب الأسلحة والمقاتلين. هذا القصف أدى إلى تدمير عدة أنفاق وزاد من تعقيد الوضع الإنساني في غزة، حيث يعتمد السكان على هذه الأنفاق أيضاً لتأمين السلع الأساسية. أثّر القصف على المعبر، وتعرّضت مناطق قريبة من معبر رفح للقصف الجوي، ما زاد من صعوبة فتح المعبر بشكل آمن ومستمر أمام المساعدات. وفي مايو/أيار الماضي، فَقَد الغزيون أملهم الأخير، الذي كان معلّقاً على المنفذ البري الوحيد المتوفر، بعد انتشار فيديوهات تصوّر معبر رفح بعد اقتحامه من قوات الاحتلال والسيطرة عليه على مدار حوالي شهر ونصف شهر، وقد دُمّر بالكامل في جهتي الاستقبال والمغادرة. وكان قد صمد باعتباره منفذاً وحيداً أكثر من 23 عاماً بعد تدمير مطار غزة الدولي في ديسمبر/كانون الأول 2001.
الإجلاء والجهود الإنسانية
في الأسابيع التي تلت بداية الحرب، تزايدت المحاولات الدولية لإجلاء المصابين والجرحى من غزة عبر معبر رفح، ولكن المحاولات تركزت على إخراج الرعايا الأجانب الذين علقوا في القطاع. إلا أن استمرار التصعيد العسكري والدمار الواسع جعلا هذه العمليات صعبة ومعقّدة. وكانت هناك محاولات مستمرة للتنسيق بين مصر وإسرائيل لضمان مرور آمن للمساعدات الإنسانية، مع وجود الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر وسيطين في العملية، إلا أن سياسة التعنّت الإسرائيلية لم تسمح بمرور ما يضمن بقاء حياة الفلسطينيين المحاصرين داخل القطاع.
التنسيقيات
تزايدت تدريجياً كشوف المسافرين الفلسطينيين الصادرة عن وزارة الخارجية المصرية، التي كانت مخصّصة أصلاً لسفر المصريين الذين كانوا في قطاع غزة، منذ بدء الحرب الإسرائيلية، وبدأت تضم أسماء عشرات الفلسطينيين بعد دفعهم مبالغ مالية عبر "سماسرة"، ليجرى تسجيلهم في هذه الكشوف التي يُعلَن عنها بشكل يومي عبر وزارة الداخلية الفلسطينية في قطاع غزة، لتسهيل سفرهم عبر معبر رفح مقابل دفع مبالغ مالية من أجل مغادرتهم القطاع. وأصبح الفلسطينيون يُقبلون على الدفع لهؤلاء السماسرة، بدلاً من التوجّه إلى شركة هلا للسياحة المملوكة لرجل الأعمال إبراهيم العرجاني، المعروف بصلته القوية بالأجهزة السيادية المصرية، في ظل اختلاف الأسعار بين كشوف الخارجية وكشوف شركة هلا للسياحة. وكانت الشركة تتقاضى 5000 دولار على كل مسافر فلسطيني، و2500 دولار عن كل طفل عمره دون 16 عاماً، وتُصدر كشوف شركة هلا يومياً بنحو 300 مسافر، فيما كشوف وزارة الخارجية تقدر الأعداد بها ما بين 100 إلى 150 اسماً فقط.
الدور المصري في الوساطة
لعبت مصر دوراً بارزاً في الوساطة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل خلال الحرب، مع التركيز على التوصل إلى هدنة تسمح بتخفيف المعاناة الإنسانية. على الرغم من هذا الدور، كانت هناك مخاوف مصرية كبيرة من تدفق اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيها، ما جعل القاهرة تتعامل بحذر مع مسألة فتح معبر رفح. وبالإضافة إلى الضغوط الدولية، تعرّضت مصر أيضاً لضغوط من الدول العربية ومنظمات حقوق الإنسان لفتح المعبر بشكل كامل، ولكن المخاوف الأمنية ومصالحها القومية كانت تحكم سياسة القاهرة في هذا الملف.
نتيجة إغلاق المعبر والتدمير الذي لحق بالبنية التحتية، تفاقمت الأزمة الإنسانية في غزة بشكل حاد
التحديات الأمنية والإنسانية
على الرغم من الجهود المستمرة لفتح معبر رفح أمام الإمدادات والمساعدات، ظلت التحديات الأمنية الكبيرة على الحدود قائمة. استمر القصف الإسرائيلي على مناطق قريبة من المعبر، كما زادت المخاوف من إمكانية تسلل مقاتلين أو عناصر متطرفين عبر الحدود. ونتيجة لإغلاق المعبر والتدمير الذي لحق بالبنية التحتية، تفاقمت الأزمة الإنسانية في غزة بشكل حاد، مع نقص حاد في الغذاء والدواء والوقود.
تعرّض محيط معبر رفح ومحور صلاح الدين لقصف إسرائيلي متكرر، وذلك بذريعة استهداف الأنفاق التي تستخدمها الفصائل الفلسطينية لتهريب الأسلحة والبضائع. هذه الهجمات أدت إلى تدمير أجزاء من البنية التحتية للمعبر، ما أعاق القدرة على استخدام المعبر بفعالية في بعض الأوقات، وزاد من التوتر بين مصر وإسرائيل، حيث اعتبرت القاهرة أن هذا القصف يشكل تهديداً لأمنها القومي. وشهدت المنطقة المحيطة بمعبر رفح ومحور صلاح الدين حالة من التوتر الشديد، وسط مخاوف من توسع رقعة الصراع أو انتقال العمليات العسكرية إلى داخل الأراضي المصرية.