استمع إلى الملخص
- الاحتلال الإسرائيلي ماطل في منح التصاريح للمزارعين، مما أتاح للمستوطنين تنفيذ جريمتهم، حيث فقد المزارع محمد سليقة 25 شجرة زيتون معمرة.
- الناشط بشار القريوتي أشار إلى أن المستوطنين، بدعم من قوات الاحتلال، يسعون لفرض واقع جديد بمنع المزارعين من الاقتراب من الأراضي والسيطرة على ينابيع المياه.
"من أرض لم تكن تستطيع أن ترى ترابها من شدة اكتظاظ أشجار الزيتون الرومية المعمرة المزروعة فيها وتشابك أغصانها إلى أرض سهلية وكأنها لم تكن مزروعة من قبل" بهذه الكلمات وصف المزارع الفلسطيني، عبد الله فريز عازم، ما حل بالأراضي الزراعية في موقع "بطيشة" غربي قرية قريوت إلى الجنوب من مدينة نابلس، شمالي الضفة الغربية، بعد أن تعرض المكان لهجوم كبير من المستوطنين الذين قطعوا وسرقوا الغالبية العظمى من تلك الأشجار المعمرة.
لم يكن عازم ومزارعون فلسطينيون معه على علم بما جرى حين وصلوا، صباح اليوم الأربعاء، إلى "بطيشة" لجني محصول الزيتون بعد أن تمكنوا أخيراً من الحصول على موافقة الاحتلال الإسرائيلي، ولدى رؤيتهم لما فعله المستوطنون أصابهم ما يشبه الصاعقة جراء المشهد، ويقول عازم لـ"العربي الجديد" واصفاً ما رآه: "والله إنها مجزرة، هذه عملية إعدام جماعية وإبادة لمنطقة تعد من أخصب الأراضي وأكثرها انتاجاً للزيتون والزيت في قريتنا والقرى المجاورة".
ويشرح المزارع الفلسطيني كيف ماطل الاحتلال في منح الإذن: "الآن عرفنا لماذا ماطل الاحتلال في الموافقة على إصدار تصاريح لنا للوصول إلى أراضينا المحاذية لمستوطنة عيليه. فعلوا ذلك ليمنحوا المستوطنين الفرصة لتنفيذ جريمتهم النكراء على أكمل وجه" ويضيف عازم: "عمليات القطع حديثة جداً وقد تكون وقعت قبل يومين على أبعد تقدير، وقد سبق ذلك سرقة المحصول عن الشجر، فكل أشجار الزيتون خالية تماماً من الحبوب".
أما المزارع محمد سليقة (55 عاماً) فقد خسر في هذا الهجوم نحو خمسة وعشرين شجرة معمرة، كان يأمل أن يساعده إنتاجها بعد بيعه للزيت في سد ما عليه من التزامات مالية، لا سيما أنه توقف عن عمله في البناء بالداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، عقب السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي.
ويقول سليقة لـ"العربي الجديد": "ورثتها عن أجدادي، واعمل بوصيتهم بالاهتمام بالشجر وتقليمه، لم أتمكن طيلة الأشهر الماضية من الوصول إلى أرضي أسوة بمئات المزارعين، لكنني كنت على يقين تام أن عطاء هذه الشجرة المباركة سيكون كبيراً، غير أن ما حل بها اليوم أصابني بصدمة كبيرة"، ويضيف: "كنت أتوقع سرقة المحصول أو منعنا من جنيه في أسوأ كوابيسي، لكن إعدام مئات الأشجار وقصها بمناشير كهربائية بعد سرقة ما عليها من زيتون، كان خارج كل التوقعات". وبعد فترة صمت يكمل سليقة بأسى: "صراحة، كل شيء متوقع من هؤلاء الشرذمة الذين يفرحون لقتل الأطفال والنساء ويدعون لحرقنا أحياء، اذا كان هذا ما يفعلونه بالبشر، فمن الطبيعي أن ينال الشجر والحجر منهم الكثير".
ويشير الناشط في مناهضة الاستيطان، بشار القريوتي، في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن المستوطنين "ضاعفوا سطوتهم على أراضي وممتلكات القرية بغطاء ودعم كامل من قوات الاحتلال الإسرائيلي، ومن رأس الهرم في حكومتهم، مستغلين انشغال العالم بعدوانهم المتواصل على قطاع غزة ولبنان، لتنفيذ اجندتهم الواضحة بإنهاء الوجود الفلسطيني في الأرياف والسيطرة على كل المناطق المصنفة (ج) التي تزيد مساحتها عن 60 بالمائة من مساحة الضفة الغربية المحتلة".
ويؤكد القريوتي أن الاعتداء اليوم على منطقة "بطيشة" يُعد الأضخم على الإطلاق الذي تتعرض له قرية قريوت بأكملها، وهو يندرج ضمن سعي المستوطنين إلى فرض واقع جديد بعدم السماح للمزارعين بالاقتراب نهائياً من الأراضي القريبة من المستوطنات: "اذا اعدمنا وقطعنا الأشجار المثمرة، فلن تكون هناك حجة للفلسطينيين بالعودة للمكان، وزراعة أشتال جديدة وانتظارها حتى تكبر وتثمر يحتاج إلى سنوات طويلة"، هكذا هم يعتقدون وفق القريوتي لكنه يستدرك قائلاً: "إن عدوان اليوم شكل دافعاً لكل أصحاب الأراضي بضرورة الدفاع عنها ولو بأرواحهم وإعادة تأهيلها وزراعتها وحمايتها وعدم تركها لقمة سائغة أمام غول الاستيطان".
ويلفت القريوتي، إلى أن هذه الخطوة سبقها خطوات ممنهجة ومدروسة للمستوطنين وأخطرها فرضهم سيطرة كاملة على كل ينابيع المياه في قريوت، إذ تم سابقاً السيطرة على ثلاثة ينابيع مياه، وخلال العدوان على غزة سيطروا على نبع سيلون التاريخي ونبع قريوت وهي كل ما تبقى لأهالي القرية من مصادر مياه طبيعية. ويشير القريوتي إلى أن هذه الينابيع كانت للشرب والاستخدام المنزلي والزراعة، ولكنّ جرى الآن تدميرها وتحويلها لمتنزهات للمستوطنين. وما يجري وفق القريوتي هو فرض أمر واقع جديد من المستوطنين في قرية قريوت، حيث تم هدم ينابيع المياه وتجريف أراض زراعية، وتخريب مشاريع زراعية قائمة، وقطع المياه عن البلدة، وحرمان المزارعين من قطف ثمار الزيتون.
ومنذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وحتى أكتوبر/ تشرين الأول 2024، نفذ جيش الاحتلال والمستوطنون أكثر من 16,663 اعتداء، طاولت أراضي وممتلكات المواطنين في الضفة بما فيها القدس، وأدت إلى اقتلاع وتحطيم وتضرر ما مجموعه 14,280 شجرة معظمها أشجار زيتون، بحسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية.